في قلوب أبناء قرية صندلة حسرة وجراح لا تمحوها أيّ تفاصيل جديدة منذ أن وقعت المجزرة في السابع عشر من أيلول/ سبتمبر في العام 1957، مخلفة 15 طفلاً شهيدًا وثلاثة جرحى، لا يزال أحدهم مقعدًا، يبكي المشهد الذي يرافقه مدى الحياة.
عمل سكانُها في الزراعة والفلاحة وتربية المواشي، كمصدرٍ أول للعيش، ومنذ إقامة إسرائيل سُلبت مساحاتٍ مِن الأراضي التي كانت تابعة لقريتي المقيبلة وصندلة، وصادرتها السلطات الإسرائيلية لصالح المستوطنات اليهودية.
وفي حديث خاص لـ”بـُكرا”، قال الحاج مصطفى عمري (ابو ناظم) وهو شاهد على المجزرة ومن مواليد عام 1938 وقد استشهد أخوه الصغير في المجزرة، قال: “ يومها غادر معظم الطلاب صفوفهم وبقي 17 طالبًا، بينهم 15 طفلا رحلوا في دقائق، كُنتُ أدرس في الناصرة، وسمعتُ النبأ في ساعةِ مبكرة من صباح اليوم التالي، الأربعاء، لكنّ جميع أبناء القرية تناقلوا التفاصيل المؤلمة ذاتها، على بُعد 200 متر من مدرستهم، وجَد الأطفالُ جسمًا غريبًا لامعًا، على حافة الطريق، ومِن شدة حُب الاستطلاع الطفولي، اقتربوا منه وظنوه شيئا مسليا ينشغلون باكتشافه، وفي لحظةٍ انفجرت القنبلة واستشهد معظمهم.
وبقي ثلاثة من الجرحى يئنون وجعًا وخوفًا وقهرًا، تطايرت الأشلاءُ في لحظةٍ وانعقدت في المكان سحابةٌ سوداء كثيفة من الغبار الـمُشبع برائحة الدمِ الساخِن والبارود، منظرٌ رهيبٌ ومفزع لكُل مَن عايشه ولمحه من بعيد، وصل صوت الانفجار إلى بيوتِ صندلة، لم تكن هناك وسائل نقل، سوى مسؤولين في الحكم العسكري الذين كانوا يُراقبون المواطنين ويفحصون تصريحاتهم طوال الوقت، بعض الطلاب تأخروا في مدرستهم، وفي طريق عودتهم رأوا مشهدا مرعِبا، أحشاء زملائهم مقذوفة بعيدة عنهم ورؤوس وأطراف متناثرة في كل الأرجاء، ففقدوا وعيهم وضلوا طريقهم، خسارةُ الأطفال في المجزرة ليست خسارة للأجساد فقط، بل خسارة لأولادٍ أذكياء كانوا يحبون التعليم والحياة”.
وعن ما بعد المجزرة، قال ابو ناظم: “ أهالينا كانوا كبار السِن واعتادوا على الحرب والخوف ومعاملة الحكم العسكري الصعبة وتضييق التحركات، إضافة إلى محاولة تبرير المُصيبة من خلال بيان وزعه الحاكم العسكري، جاء فيه أنّ الحادث قضاء وقدر، وأنّ القذيفة هي من مخلفات الحرب، (مدعيًا أنّ الجيش الأردني يتحمل المسؤولية عن القذيفة باعتبارها تابعة له) وكأنّ الجيش الأردني كان يملك قذائف متطورة كالتي قتلت الأطفال، وعلمنا أنّ قوات الأمن والجيش قامت في اليوم التالي للمجزرة بتمشيط المنطقة وعثرت على قذائف أخرى، تمّ تفجيرها، وقد سمعنا التفجيرات أثناء توديع أطفالنا الشهداء”.
علمتُ مؤخرًا بتفاصيل جديدة مختلفة تمامًا عن حديثهم السابق، وتبريرها بمخلفات الحرب
وعن حقيقة الحادثة، قال أبو ناظم: “ علمتُ مؤخرًا بتفاصيل جديدة مختلفة تمامًا عن حديثهم السابق، وتبريرها بمخلفات الحرب لعدم محاسبتهم، محليًا ودوليًا، ونحنُ نتحدث عن منطقة تابعة للجلمة في الضفة الغربية، استولى عليها الاحتلال وصادر الأرض التي اعتُبرت أملاك غائبين، مساحتها 3000 دونم، وقد حُوّلت إلى مزرعة تابعة للوكالة اليهودية، ومِن حُسن حظي أنني وصلت إلى منزل مدير الوكالة اليهودية في العام 1957، عندما وقعت المجزرة، زُرته في منزله ووجدته يستعد لنزهة مع زوجته مشيا على الأقدام، قال مدير الوكالة (بيسح في الثمانييات من العمر)، 'معرفتوش؟!'، وبدأ بسرد ما حدث يوم وقوع الانفجار، 'كُنت أنتظر الحصادّين في موسم زراعة الذرة الحمراء، أردتُ عدّ الأكياس الجاهزة.
واكمل: صعدتُ إلى الجرّار مع العمال، ورأيتُ القنبلة بين الأكياس، قلتُ للسائق: ما هذا؟! قال أنه جرن حجري يُستعمل لدق البليلة (وهي مِن طقوس الاحتفالات اليهودية أيام السبت)، قلتُ له بحزم: هذه قنبلة تعمل (بوم) وتقتُل، إرمِها بسرعة، كان السائق عراقيا (كرديا)، وقف بسرعة على جانب الطريق ورمى القنبلة، قال مدير الوكالة، في اليوم التالي جاءت الشُرطة تبحث عني ونبهتني ألا أذهب لصندلة خوفًا مِن الاعتداء عليّ وعرفتُ أنّ 15 طفلاً قتلوا في الحادث، حيثُ ألقينا القنبلة، عندها سألته عن سائق الحصادة فأعطاني عنوانه وأخبرني أنّ اسمه أفراهام أهارون، وقد التقيته فحدثني بنفس الرواية وأنه أراد استخدام القنبلة لنقع قمح البليلة فيه”.
كُشفت الحقيقة وتأكد أهالي صندلة أنّ مدير الوكالة اليهودية وعماله يتحملون مسؤولية المجزرة
واختتم: “ هكذا كُشفت الحقيقة وتأكد أهالي صندلة أنّ مدير الوكالة اليهودية وعماله يتحملون مسؤولية المجزرة، وفي العام 2008، جرى تشكيل لجنة من أهالي الشهداء الذين توجهوا لمركز عدالة القانوني لفتح ملف ضد المسؤولين في الحكومة، وأُرسلت نُسخ لكافة المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، وبعد المداولات أمام القضاء أغلِق الملف، بادعاء أنّ قانون التقادم يسري على هذا الملف، وهكذا تنصَّلت الحكومة الإسرائيلية والمتسبِّبون بالمجزرة مِن جريمتهم”.
[email protected]
أضف تعليق