في الوقت الذي تسجل فيه شعبة القوى البشرية في الجيش الاسرائيلي تراجعا تدريجيا في انخراط الشبان الإسرائيليين في الوحدات القتالية الميدانية، تظهر شواهد أخرى على رفض فئة أخرى لمجرد الالتحاق بالخدمة العسكرية الإسرائيلية من الأساس، لاعتبارات تتعلق برفض الاحتلال ومعارضة نظام الفصل العنصري الذي يقوم الجيش بحمايته ورعايته ضد الفلسطينيين، وآخر الشبان الذين أعلنوا رفضهم للتجنيد سيدخلون السجن بعد أيام، التحاقا بعشرات الشبان الآخرين.
الرافضون هم آينات غيرليتس، أفتار روبين، نيفيه ليفين، وشاهار شورتس، مع العلم أن بعضهم قضى بالفعل عقوبة بالسجن لمدة عشرة أيام، وأُطلق سراحه، لكنه سيعود مرة أخرى إليه، مع العلم أن الرافضين بالعادة للخدمة العسكرية يحاكمون في المحكمة الجنائية، وتصدر بحقهم أحكام بالسجن لمدة تتراوح بين 10 و21 يومًا، وعندما يتم الإفراج عنهم، يتم استدعاؤهم للإبلاغ مرة أخرى، وبالتالي قد يقضون شهورًا في السجن في عدة فترات متتالية، حتى يقرر الجيش إطلاق سراحهم.
وأجرى أحد المواقع العبرية مقابلات مع الشبان الإسرائيليين الذين سيدخلون السجن بعد قليل للتعرف منهم على أسباب رفضهم الالتحاق بجيش الاحتلال، فقال أحدهم إن "رفض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي ظاهرة صامتة إلى حد ما، لقد استغرق الأمر مني بعض الوقت لأكتشفها، كنت ناشطا في مظاهرة شبابية من أجل المناخ، تواصلت كثيرا مع نظرائي الفلسطينيين، وتعلمت منهم عن الرواية الفلسطينية للصراع بعيدًا عن السردية الصهيونية التي نشأت معها، مما جعلني أطرح الأسئلة، وأدركت أنه لا يوجد وضع يدفعني لأن أخدم في جيش مسؤول عن نظام عنيف منذ عقود".
وقال آخر إنني "التحقت قبل المدرسة الثانوية بالمخيم الصيفي "بذور السلام" للإسرائيليين والفلسطينيين، وسمعت من الفلسطينيين عن حياتهم، وكيف يجعلها الجيش بائسة، وشاهدت مقاطع الفيديو على الإنترنت، وكيف أن فتى في عمري يعتبر ذهابه للمدرسة مسألة صعبة لأنها تتطلب منه أن يمر بعملية مهينة لساعات عند نقاط تفتيش الجيش، ولذلك قررت رفض التجند في الأشهر القليلة الماضية، كي أكون أقل ارتباطًا بالاحتلال، وتوصلت إلى استنتاج أنني إذا انضممت إليه، في أي وحدة، فسأبقى جزءًا من كيان يضطهد الفلسطينيين".
ثالث أشار إلى أنني "نشأت في الجيش إلى حد ما، فقد عمل والدي ضابطًا، وأخذني إلى القاعدة في عطلات نهاية الأسبوع، حملت أسلحة، وجمعت الكبسولات، لكن من ناحية أخرى كانت والدتي تعطيني دروساً يسارية، ودفعتني نشأتي في هذين الواقعين المتناقضين للبحث بمفردي، ذهبت إلى المظاهرات، ورأيت الفصل العنصري في الواقع، وليس فقط من الناحية النظرية، وكلما رأيت أعمال الجيش والدولة في حي الشيخ جراح، قررت أنني لست مستعدًا للبقاء صامتًا أو المشاركة في القمع والفصل العنصري".
الشاب الرابع أوضح أنه قرر رفض الالتحاق بالجيش لأن "هدفه الأساسي هو التطهير العرقي لغير اليهود، كما يفعلون في سفر يطا بإعلان مناطق تدريب لترحيل الفلسطينيين، وهذا أمر لا أتفق معه لا أيديولوجيا ولا أخلاقيا، لهذا اخترت عدم الخدمة، لقد كنت منغمسًا جدًا في الكتب والإنترنت وعلى موقع يوتيوب، وبقدر ما كانت لدي شكوك اعتقدت أننا الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لكنني رأيت المزيد والمزيد من عمليات القتل، وحينها اتخذت قراري بالرفض".
وحول ردود أفعال العائلة والأصدقاء حول قرار الرفض، قال أحدهم إنني "في بيئة لا أتفق معها، من الصعب جدا على عائلتي، فوالدي من عائلة ثكلى ومن الصعب عليه أن أعارض الجيش، لأنهم يعتقدون أنني أنتهك القيم الأساسية للدولة، لا أحد في الأسرة يريد أن يذهب ابنهم إلى السجن بسبب الرفض، مع العلم أنه ليس لدينا أوهام بأننا سنغير آراء جيلنا بأكمله، وسننهي الاحتلال، لكن يمكننا على الأقل أن نفتح عقول الإسرائيليين لمزيد من التفكير".
وأكدوا أن "رؤية الواقع الفلسطيني بالعيون أقوى من القراءة عنهم، رؤية الجدار الفاصل وسلوك الشرطة في حي الشيخ جراح، وكيف يوقفون فتى فلسطينيا نزل على الطريق، بينما على الجانب الآخر نشطاء يمينيون يشتمون، ويحاولون الضرب، والشرطة تغض الطرف عنهم، ورأيت إلى أي مدى لا يهتم الجيش برشق المستوطنين من البؤر الاستيطانية للحجارة على الرعاة الفلسطينيين، ولذلك فإن الجرائم التي يرتكبها الجيش هي السبب الرئيسي لقراري برفض الالتحاق بصفوفه".
وأوضحوا أن "هناك أسبابا أخرى لعدم الالتحاق بالجيش أن الخدمة العسكرية لجميع الإسرائيليين جعلت المجتمع الإسرائيلي عسكريًا للغاية، كل الكبار كانوا في الجيش، وهذا يؤثر بشكل كبير على سلوك المجتمع، فضلا عن معارضتي لاستفادة الإسرائيليين من جرائم الحرب والمعاناة والموت التي يعانيها الفلسطينيون، وحتى لو كان ثمن قراري هو السجن، فهو أمر مخيف للغاية أن حريتي ستنتزع مني، لكنني أؤمن بالقرار، وإذا كان هذا هو الثمن الذي يجب دفعه، فسأذهب معه حتى النهاية".
وختموا بالقول إن "أي إسرائيلي يعارض انتهاك حقوق الإنسان فلن يلتحق بصفوف الجيش لأنه ينتهك هذه الحقوق، كل ما سأمرّ به من سجن أقل مما يمر به الفلسطينيون طوال حياتهم، الأمر يستحق خسارة الحرية مؤقتًا حتى لا أكون جزءًا من انتهاك أكثر خطورة لحقوق الإنسان، على العكس من ذلك، فلست خائفًا جدًا من السجن، لأنه لا فرق جوهري بين قراءة الكتب في عزلة، سواء كان بسبب كورونا أو في زنزانة السجن".
المصدر: عربي 21
[email protected]
أضف تعليق