انتهت الحرب على غزة، أو انتهت هذه الجولة من الحرب، وخلفت عن اكثر من 45 قتيلًا وأكثر من 250 جريحًا ودمار كبير في غزة، وأضرار وإصابات طفيفة في إسرائيل، وقد تكون من أكثر الأمور المختلفة في هذه الحرب والتي لا تشبه الجولات السابقة، بالإضافة إلى حقيقة أن إسرائيل هي التي بدأت العملية، بمعنى لم تكن العملية ردًا على قصف من جهات فلسطينية، ولكن بالإضافة إلى ذلك، فإن من أكثر الأمور غرابة في هذه الحرب، أنها ولأول مرة، حرب تشنها حكومة مدعومة من حزب عربي – إسلامي. حتى وإن كانت حكومة انتقالية.
ليس هذا فقط، بل أنه بالإمكان التحدث عن فرضية أو نظرية جديدة لم تُطرح من قبل، فلم يحدث من قبل ان صرّح سياسي عربي فلسطيني بما صرحه النائب منصور عباس، الذي قال في تعقيبه على موضوع الحرب أن "لا فرق بين يمين ويسار فيما يتعلق بالأمور الأمنية، وأنه من الهراء القول أن الأحزاب العربي بإمكانها التأثير في هذا المجال عبر الكنيست، وأن الاحتجاج ضد الحرب قد يكون بطرق أخرى ولكن ليس في الكنيست، وأن الكنيست فقط للعمل البرلماني وليس للمواقف الوطنية" كما واستنكر منصور عباس الحرب ووقوع ضحايا، دون الاسهاب في الموضوع.


تصريحات كهذه ربما كنا نسمعها من بعض العرب داعمي الأحزاب الصهيونية والذين يرددون الرواية الإسرائيلية ويؤكدونها، والتي تفصل بين الفلسطينيين مواطني إسرائيل وبين باقي الشعب الفلسطيني، ولكن أن تصدر هذه التصريحات من سياسي عربي من حزب وطني وفلسطيني فهذه هي المرة الأولى، مما أثار حالة من الاستياء والجدل في الشارع العربي وفي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، إذ انتقدوا النائب منصور عباس وموقفه هذا الذي لم يذكر فيه القتلى والضحايا المدنيين خصوصًا في غزة، وأن محاولة المساواة بين الذي يُحاصر ويقصف ويقتل ويبدأ الحرب وبين من يقبعون تحت الحصار، والمساواة بين بعض الأضرار التي وقعت في إسرائيل والدمار الشامل في غزة والقتلى والمصابين، أن هذه المساواة هي مساواة غير عادلة ومن المخجل أن تصدر عن سياسي عربي، وأن هذه التصريحات تقزّم دور السياسي العربي إلى مجرد وكيل للخدمات، يحصل على بعض الخدمات مقابل التصويت، ليس أكثر، وليس ممثلًا عن أقلية أصلانية مرتبطة بقضيتها وشعبها وتطالب بحقوقها العادلة.


الشيخ إبراهيم صرصور، وهو قيادي في الحركة الإسلامية الجنوبية، وعضو كنيست سابق عن الموحدة، يوافق منصور عباس فيما قاله حول مدى تأثير العرب على أمور الحرب، لكنه يختلف مع جدوى الوجود في الائتلاف الحكومي، وهو أصلًا يمثل تيارًا يختلف مع نهج منصور عباس داخل الموحدة، إذ يقول: "قد يكون صحيحا الى حد ما، ان النواب العرب لا يستطيعون التأثير على السياسة الخارجية والأمنية الإسرائيلية، لكن هذه الادعاء ليس هو القصة، وإنما القصة ان هذه الفرضية التي قد تكون صحيحة، لا يمكن ان تكون مبررا للدخول في شراكة مهما كان نوعها مع حكومات إسرائيلية أياديها غارقة في دم الشعب الفلسطيني، وتمارس احتلالا وحشيا على نحو ستة ملايين فلسطيني في الضفة والقدس وقطاع غزة، وتنفذ منظومة فصل عنصري ضده، كما وتمارس تمييزا عنصريا وقهرا قوميا ضد نحو 1.8 مليون من الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل".

وتطرق الشيخ إبراهيم صرصور للحرب على غزة، واتهم الحكومة الإسرائيلية بافتعالها دون سبب، وقال :" الحرب على غزة بدأتها الحكومة الاسرائيلية دون سبب وذلك باعتقال القيادي في الجهاد (بسام السعدي) في جنين بشكل مهين، ثم شنها عدوانا همجيا على غزة دون سبب ايضا.. انها الانتخابات الإسرائيلية التي عادة ما تأتي برائحة الدم الفلسطيني!... كم من حكومات إسرائيلية بما في ذلك هذه الحكومة المجرمة، تتذكر غزة قبل كل انتخابات برلمانية تقريبا، فتُجري على ارضها المقدسة الدماء انهارا، وتحولها الى كومة من ركام، وجبل من معاناة وآلام، أمام سمع وبصر النظام العالمي المجرم؟! استغرب من ان اسرائيل وبعد 100عام من الصراع، لم تفهم ان الاحتلال والقتل واستعمال القوة الغاشمة ضد فلسطين وطنا وشعبا ومقدسات لن يزيد الشعب الا ثباتا وصمودا.. حرية واستقلال فلسطين هو الحل، ولا حل غيره!... لا حل عسكري للصراع. حرية فلسطين هي الحل.
وانتقد القيادي في الموحدة مواقف بعض الدول العربية، بقوله: " الدول العربية - مع الأسف - تستنكر عدوان اسرائيل على غزة، وتشعر بالقلق، وتدعو المجتمع الدولي الى التدخل وحماية الفلسطينيين.. المجتمع الدولي "يبصق" في وجه العرب، ويدعم - خصوصا أمريكا وبريطانيا - ما يسمى حق اسرائيل في "الدفاع عن النفس!"، ويتجاهل - في الوقت ذاته - دماء واشلاء الشعب الفلسطيني الذين تذبحهم الآلة العسكرية الإسرائيلية وتدمر حياتهم ليلا ونهارا، الذي كما يبدو لا حق له في الدفاع عن نفسه في منظومة القيم الغربية العنصرية!".

الحقائق تقول غير ذلك

أما في المشتركة، فقد كانت لديهم انتقادات واسعة لما صرحه منصور عباس، وظهر ذلك في تصريحات النائب سامي أبو شحادة ونواب آخرين، وقال مصدر في المشتركة مفندًا أقوال منصور عباس حول تأثير العرب على القضايا الأمنية: "من ناحية حقائق، ادعاء منصور عباس ليس صحيحًا، فمثلًا في سنوات التسعين أثرت الجبهة والحزب الديمقراطي العربي في موضوع أبو غنيم عندما قررت حكومة رابين الاستيطان في جبل ابو غنيم، ولم تمنعها كل المطالبات العالمية بعدم الاقدام على هذه الخطوة، وعندما هدد النواب العرب برفع دعمهم عن الحكومة، تراجعت الحكومة عن مشروعها ونتحدث عن موضوع أمني واستيطاني، وأيضًا عند التصويت على الانفصال عن غزة، بقي النواب العرب (أحمد طيبي ومحمد بركة وعزمي بشارة) خارج القاعة واعتقد نواب الليكود الذين عارضوا هذا الانسحاب أن هؤلاء النواب العرب سيصوتوا ضد، ثم فاجأ النواب العرب وامتنعوا وصوت بعضهم مع، مما نجح بتمرير قرار الانسحاب. ثالثًا لم الشمل وهو قانون أمني، نجحت القائمة المشتركة بإسقاطه في المرة الأولى هذه الدورة، أي أنه وعمليًا يمكن استغلال الوضع السياسي للتأثير في هذه القضايا باتجاه موقفنا الوطني والمبدئي الثابت".
"صحيح أن الخروج إلى الحرب لا يتم التصويت عليه بالكنيست، ولكن عندما يكون ائتلاف مكون من أحزاب، فكل عضو في هذا الائتلاف يتحمل قرار الحرب والسلم من باب المسؤولية الجماعية، وليس صحيحًا أنه بعد حل الكنيست لا يوجد ائتلاف، حيث يوجد حكومة انتقالية تمثل أحزاب الائتلاف. هذا تهرب من المسؤولية وهذا طرح يقول افعلوا بغزة وجنين والخليل ما شئتهم فنحن نتدخل فقط في قضايا المجاري والشوارع والبنى التحتية المجالس المحلية فقط. هذا تشويه لمكانة وموقف عضو الكنيست العربي وهذه هي المرة الأولى التي تذكر فيها هذه النظرة، واعتقد بأن العلاقة بي الاعتراف بيهودية إسرائيل وبين هذا الطرح، هي علاقة مباشرة، وهذا طرح مغلوط وخطيرة بأكمله.
 

فهم خاطئ لمفاهيم العمل السياسي

"كل الأحزاب المشاركة بالحكومة وبالائتلاف الحكومي تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذا العدوان، سيرورته ونتائجه فمن خلال مشاركتها في الائتلاف وبقائها تمنح الشرعية لهذا التصعيد الخطير، وهذا أمر مفهوم في كل دولة وفي كل مكان بالعالم" يقول المحامي والمحلل السياسي، علي حيدر، ويضيف: "لدى القائمة الموحدة فهم خاطئ لمفاهيم العمل السياسي، التمثيل السياسي، التأثير، الشراكة والقيم التي ينبغي النضال من أجلها وهي الحرية والمساواة والعدالة والشراكة الجوهرية. القائمة الموحدة من خلال خطابها وممارساتها تخفض السقف والاهداف القومية والمدنية، الفردية والجماعية الى الدرك الأسفل. هذا ليس نهجا عقلانيا وواقعيا بل نهجا انهزامي وضيق الأفق. فالمقموع والمقهور لا يقيد خطابه بحسب ما يقبله ويرتضيه القامع بل يتحداه بكل الوسائل الشرعية".
"كما هو شرعي ومسموح لكل عضو برلمان يهودي التعبير عن رأيه في كل المسائل بما فيها العلاقات الدولية والخارجية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي فمن حق عضو البرلمان العربي إبداء رأيه والنشاط في هذه القضايا، بل هي واجب أخلاقي ووطني وإنساني وسياسي ومن ينأى بنفسه عن ذلك فهو يمنح الشرعية للمحتل بمواصلة احتلاله. من المؤسف أن الموحدة تبنت مبدأ الفصل بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد وبين الحقوق الفردية والجماعية وبين الحقوق القومية والمدنية وبين المسائل الاجتماعية- الاقتصادية والمسائل السياسية".

في الواقع السياسي الراهن لا يمكن لاي حزب عربي جدي أن يكون جزء من أي إئتلاف حكومي، لأن المبنى السياسي الأسرائيلي متأسس على إقصاء العرب ومواصلة وتكثيف الإحتلال فباللحظة التي يشارك العربي في الحكومة يفقد هويته ويصبح جزء من هذا المشروع الإحتلالى.

وتطرق حيدر للحرب نفسها، وقال: "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة غير مبرر. هو عدوان دَبَرته وخططت له وبادرت إليه الحكومة الإسرائيلية الراهنة بعد محاولات استدراج واستفزاز وتهيئة الأرضية والرأي العام الإسرائيلي الذي استمر عدة أيام رغم أن الأطراف كانوا على تواصل من خلال الوسيط المصري الذي كان محط خداع واستغلال. لقد مس هذا العدوان بالكثير من الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وسبب الكثير من الدمار والخراب لسكان قطاع غزة. قطاع غزة يعاني منذ أكثر من 15 عاما من الحصار الذي يمارسه الاحتلال والذي أدى الى ضرب البنى التحتية الأساسية والى جعل سكان القطاع من أكثر الناس فقرا وكثافة سكانية في العالم. رغم أن الساسة ووسائل الأعلام الاسرائيلية تروج لنصر كبير إلا أنه باعتقادي على المستوى الاستراتيجي فهو تصعيد فاشل فبالرغم من عنصر المفاجئة واغتيال بعض القيادات العسكرية إلا أن المواجهة كانت مقابل فصيل واحد صغير نسبيا استطاع أن يعطل الحياة في جنوب إسرائيل وحتى منطقة المركز على مدار عدة ايام وسبب أضرارا اقتصادية ومعنوية. إضافة الى ذلك، ثبَّت العدوان توازن الردع نتيجة عدم مشاركة حركة حماس بالقتال وخصوصا أنها الفصيل الأكبر والأقوى بالقطاع. أضف الى ذلك، تجدد الربط، من ناحية الممارسات الإسرائيلية بين قطاع غزة والضفة الغربية بمبادرة إسرائيلية.
وقلل حيدر من مقولة أن سبب الحرب كان الانتخابات فقط: "طبعا قد تكون هنالك دوافع انتخابية وحزبية من وراء هذا العدوان ولكن هنالك أسباب أعمق متعلقة ببنية السياسة الإسرائيلية وغاياتها ومشروعها الاحتلالي".
المحامي علي حيدر، مختص بالقانون والسياسة وناشط. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]