لم يلق تقرير مراقب الدولة الأخير استحسان جهات عديدة، بشكل خاص في المجتمع العربي، وذلك رغم أنه كشف ولأول مرة ومن جهة رسمية مدى العنصرية في المدن المختلطة، ولكن ما اثار الاستياء الفصل المتعلق بالأمن والمواجهات والاعتقالات إن بيّن أن نظرة “مراقب الدولة” هو الآخر أمنية واستعلائية وفيها ظلم للمواطنين العرب: يوجه “مراقب الدولة” انتقادات حادة للشرطة والمخابرات الإسرائيلية لأنها “لم تستعد لوجستياً واستخباراتياً عشية وخلال “هبة الكرامة – حارس الأسوار” في أيار 2021، ولم تؤّمن الشعور بالأمن والأمان الشخصي لعدد كبير من الإسرائيليين خلال هبة الكرامة، كما ينتقد فقدان التنسيق بين الشرطة والشاباك وعدم استدعاء قوات احتياط “حرس الحدود” مبكّرا.
ولفت تقرير المراقب الإسرائيلي إلى فشل مباحث الشرطة ومخابرات الشاباك في إمداد الأجهزة الأمنية بالمعلومات اللازمة وإصدار إنذارات محددة وفشل الجهازين في التعاون في ما بينهما، وعرض سلسلة من أوجه القصور والإخفاقات في عمل الشرطة التي أدت إلى عدم الاستعداد لمواجهة ما وصفه بـ"أعمال الشغب الواسعة".
وأشار المراقب إلى افتقار جهاز الشرطة إلى "المعدات الأساسية اللازمة" خلال الأيام الأولى من هبة الكرامة، وفشلت بدالة الشرطة لاستقبال شكاوى الجمهور (مركز 100) في منطقة المركز (في إشارة إلى منطقة اللد) في تحمل العبء واسقبال المكالمات، في حين لم تتوقع مخابرات الشاباك ومباحث الشرطة المظاهرات الواسعة التي انطلقت في المدن المسماة في الخطاب الإسرائيلي بـ"المدن المختلطة".
ولم يكتف المراقب بالتركيز على فشل مباحث الشرطة في تقديم تحذيرات وإنذارات مسبقة قبل "المظاهرات العنيفة" - على حد تعبير المراقب - "في المدن المختلطة"، ولكنه أشار أيضًا إلى أوجه القصور في جهاز المباحث في الشرطة عامة والتي اعتبر أنها "أضرت بجاهزية الشرطة"؛ وأشار في هذا السياق إلى أن "مركزي مباحث الشرطة في اللد وعكا ويافا لا يتحدثون العربية على الإطلاق".
واستعرض المراقب فشل مباحث الشرطة ومخابرات الشاباك في توقع حجم المشاركة في مظاهرات انطلقت من دوار الساعة في يافا ومن المسجد العمري (الكبير) في اللد، وغيرها من المظاهرات في محيط البلدة القديمة في عكا وفي حيفا وفي بلدة الفريديس، واستعدادها لما زعم أنه تخللها من "إلقاء زجاجات حارقة، ومحاولة تنفيذ إعدامات ميدانية وإلقاء حجارة وزجاجات حارقة وإطلاق نار واعتداءات وإضرام حرائق ومهاجمة عناصر شرطة".
ومن الناحية الأخرى كشف التقرير عن تمييز عنصري عميق في الخدمات المقدمة للسكان العرب من قبل البلديات في المدن الساحلية التاريخية و”المدن المختلطة” الأخرى. ومن ضمن الأمثلة الواردة في تقرير “مراقب الدولة”، المخّصص أصلاً لأحداث هبة الكرامة في مايو/أيار 2021، يكشف أن بلديات “المدن المختلطة” (حيفا، يافا، عكا، اللد، الرملة، نوف هجليل) بنت في العقد الأخير 500 مبنى جماهيري لتقديم خدمات رفاه وثقافة وشباب وخدمات دينية، منها خمسة مبان فقط خصّصت للمواطنين العرب، رغم أنهم يشكّلون في هذه المدن 30-35% من مجمل السكان.
كما يكشف “مراقب الدولة” الإسرائيلي أنه في الفترة 2021 إلى 2020 قررّت الحكومة تخصيص 19 مليارد شيكل لـ “تحسين أحوال المجتمع العربي”، وقد حرم العرب في المدن المختلطة منها. وفي نطاق الحديث عن التفرقة العنصرية يوضح “مراقب الدولة” أن الوزارات المعنية لم تحدّد تعريفا لمصطلح “المدن المختلطة”، مما يكرّس حالة التمييز ضد العرب. ويتطرّق التقرير المطّول (282 صفحة) لطواقم الموظفين الكبار في هذه البلديات ويكشف عن استمرار التمييز العنصري ضد المواطنين العرب بشكل منهجي ورسمي منذ عشرات السنوات.
وحسب التقرير، فإن نسبة الموظفين العرب الكبار:
بلدية حيفا: 7.7%
بلدية اللد: 1%
بلدية نوف هجليل:5%
بلدية تل أبيب يافا: 1.5%
بلدية الرملة: صفر
وهكذا في نسبة الموظفين العرب بشكل عام في بلديات “المدن المختلطة”، فهي أقل بكثير من النسبة السكانية للعرب.
التقرير الإسرائيلي لم ينتقد إطلاق قوات الأمن الإسرائيلية الرصاص الحي على المتظاهرين العرب، كما حصل في بلدة كفركنا في الجليل خلال محاولة اعتقال نائب رئيس الحركة الإسلامية المحظورة الشيخ كمال خطيب (أصيب عشرات من شباب البلدة بالرصاص الحي بعضهم بقي مع عاهات حتى اليوم)، مثلما يغفل قتل بعض المتظاهرين العرب بيد مستوطنين كما حصل مع الشهيد موسى حسونة في مدينة اللد.
وهنا وبخلاف تقرير لجنة أور عن هبة القدس والأقصى عام 2000 لا يشدد تقرير “مراقب الدولة” الأخير الصادر قبل نحو اسبوعين، في هذا الفصل في تقرير “مراقب الدولة” الإسرائيلي على كون العرب قانونيا مواطنين متساوين، بل هناك بين السطور تعامل معهم من منظار أمني باعتبارهم بالدرجة الأولى مصدر خطر وتهديد “.
يعزز فكرة أن العرب هم أعداء وليسوا مواطنين
"هو تقرير يعزز فكرة أن العرب هم أعداء وليسوا مواطنين، ينتقد فشل الشرطة في عدم نجاحها للحفاظ على أمن المواطنين اليهود من اعتداءات العرب، وكأنه تقييم سلبي لحملة عسكرية ضد العرب"، تقول المحامية ناريمان شحادة زعبي من مركز عدالة، وتضيف: "التقرير عزز فكرة ما لخصته النيابة العامة في شهر أيار الأخير عندما أعلنت أن معظم المخالفات سجلت ضد العرب، وينتقد عدم جاهزية الشرطة لقمع العرب، رغم أن معطيات النيابة أثبت أن الفوارق بالأرقام بين عدد المعتقلين وعدد لوائح الاتهام كبير جدًا وهذا يدل على أن الاعتقالات كانت عشوائية وبهدف الترهيب والقمع".
وأكدت شحادة أن هنالك فرق بين هذا التقرير وتقرير لجنة أور، إذ قالت أن "النقطة التي تم النظر منها كانت مختلفة، لذلك فإن النتيجة مختلفة، ولكن هذا التقرير يؤكد أن الفارق كبير بين النظرة الإسرائيلية للأحداث ونظرة المجتمع العربي لها"
الجانب الايجابي
عضو بلدية اللد، فداء شحادة، لا ترى هذا التقرير بنفس السوء الذي يتحدث عنه آخرين، إذ تقول أن التقرير فيه ولأول مرة اعتراف من مؤسسة رسمية على عنصرية الدولة – "الكشف عن العنصرية في المدن المختلطة ليس أمرًا جديدًا ولكن هنالك فرق عندما نتحدث نحن عنه وعندما يتحدث مراقب الدولة عنه، والفارق كبير، فعندما تكون 5 مباني من أصل 500 مخصصة للعرب في المدن المختلطة، كيف تتوقع أن تبني مجتمعًا جيدًا؟ وعندما تكون الفوارق كبيرة في ميزانيات التعليم كما جاء في التقرير وفي مختلف المجالات، كيف تتوقع أن يكون المجتمع العربي في هذه البلدات؟ هذا التقرير ولأول مرة يقول أن مسؤولية الدولة بتحسين الأوضاع في المدن المختلطة لا يتعلق فقط بتعزيز قوة الشرطة، بل في سد الثغرات في مختلف المجالات، وفي التقرير نقد للنهج الإسرائيلي السائد منذ سنوات، أن محاربة الجريمة في المجتمع العربي تكون فقط بتعزيز الشرطة، أين دور وزارة الرفاه الاجتماعي؟ وزارة التربية والتعليم؟ وغيرها من المجالات".
وحول الجانب الأمني من التقرير، تقول شحادة: "رغم الانتقاد الشديد لهذا الأمر، لكنه ليس بجديد، هذه الدولة تنظر إلينا فقط من المنظور الأمني، ولو لم تحصل أحداث أيار 2021 لم يكن مراقب الدولة سيصدر هذا التقرير عن أوضاع المدن المختلطة، دولة إسرائيل لطالما تعاملت معنا كتهديد أمني، وما تزال كذلك".
وطرحت شحادة مثال مقتل رباب أبو صيام وجرائم قتل النساء والمثير للسخرية في تعامل الشرطة على حد قولها "هنالك 50 امرأة من اللد والرملة تحت التهديد، والشرطة لديها كل المعلومات، ففي حالة رباب أبو صيام، الشرطة هي التي أبلغتها بوجود التهديد، لكنها لم تبحث عن الذي هدد ولم تعتقله ولم تحقق معه، بل أرادت من التي تتعرض للتهديد أن تسجن نفسها في ملجأ".
ولخصت فداء شحادة التقرير " يجب أن نسأل ما أسباب قيام مراقب الدولة بإعداد هذا التقرير؟ فقط بسبب أحداث أيار 2021. بمعنى أن التقرير جاء من منطلقات أمنية. وما الذي ينقص هذا التقرير؟ فهنالك أمور عديدة لم يتم ذكرها، مثلًا عن حق العرب بالشعور بالأمان، عن موضوع النساء التي تُقتل في المدن المختلطة، وأمور أخرى".
ليس تقريرًا
"ما تم تقديمه للجمهور ليس تقريرًا، انما تجميع لمعلومات يعرفها الجميع، وليس فيه أي جديد ولا أي شيء مهم يجب أن يذكر" يقول المحامي يعقوب بروفسكي، قائد شرطة الشمال سابقًا، ويضيف: "لا يوجد أي تحليل في التقرير، كل ما نشر فيه أور معروفة ومعطيات تم الحديث عنها سابقًا، وهو لا يقرر أي شيء، إنما يقدم توصية وهذه ليست وظيفة مراقب الدولة، وظيفته هي الحديث عن الأخطاء، وليس الشرح عن ماهية المدن المختلطة، فلمنع العنف بين العرب واليهود أو بين اليهود واليهود أو بي العرب والعرب ليست هنالك حاجة للاستخبارات، فلا يوجد أي طابع أمني بالأمر، وحتى الشاباك فنّد أمور عديدة من التي ذكرت بالتقرير، هذه الأحداث التي حصلت لها أسباب عديدة، لم يتم الخوض بها بشكل كافي، كان يجب الخوض بها بدل هذا التقرير الذي لا يضيف أي جديد".
"لا أعلم لماذا يقوم مراقب الدولة بكتابة مثل هذا التقرير وماذا سيفيد هذا الأمر في منع الحدث القادم، وجود معدات كافية أو عدم وجودها، هذا ليس المهم، فهذا التقرير لم يعط منصة للقيادات الاجتماعية والدينية، ولم يسمع من الناس ما الذي حصل، من ناحية مهنية لا أرى أي تقرير، وأنا حرفيًا ضد مصلح التعايش، أنا أدعو للعيش، واذا كان هنالك حاجة لإدخال عناصر شرطة جدد للبلدات المختلطة أو للبلدات العربية، فيجب أن يتم ادخال عناصر شرطة ليشعر الناس بهم في حياتهم، ليشعروا بالأمان، وليس عناصر للتنفيذ (לאכוף) فقط، يجب على المواطن العربي أن يرى عناصر شرطة يتجولون في بلدته ويتعاملون معه كمواطن عادي، ليس عناصر حرس حدود ولا جيش، عناصر شرطة، وجودهم بين الناس بشكل طبيعي وودي، يمنع الحدث القادم ويعطي الناس شعورًا بالأمان".
وتطرق بروفسكي لما طرحه التقرير من عنصرية في المدن المختلطة "حيثما توجد العنصرية، يمكن أن يتحول الأمر إلى قومي، هذا طبيعي ومتوقع، لا حاجة لأن تكون عبقريًا كي ترى عدم توفر المساواة، ولا حاجة لأن تكون عبقريًا كي تعرف أن نقص المساواة يزيد من حدة الخلاف".
"لا أقول أن هنالك أهداف سياسية من خلف هذا التقرير، لكن أقول أن التقرير لم يتم إعداده بمهنية، هذا يبدو كتقرير يتراوح بين تقرير صحفي ووظيفة جامعية مع كل الاحترام، ليس أكثر، ولا يمكن مقارنة هذا التقرير بتقرير لجنة أور، فتقرير لجنة أور كان تحقيقًا، وهذا التقرير كان يجب أن يبدأ بما جاءت فيه نتائج تقرير لجنة أور لكن هذا لم يفعلوه، والشرطة أصلًا لم تعمل وفق نتائج تقرير لجنة أور ولو عملت لرأينا النتائج. ببساطة يجب العمل بشكل مستمر وليس صورة هنا وصورة هناك، سأتوجه لمراقب الدولة بشكل رسمي وسأبلغه بمدى سوء هذا التقرير".
[email protected]
أضف تعليق