مر خبر مقتل الشاب أحمد شعبان، قبل أيام، في مجد الكروم، برصاص الشرطة، كخبر أقل من عادي، تحت عنوان شاب أراد رمي قنبلة على منزل وأطلقت الشرطة النار عليه.


بعض الأشخاص أسرعوا بالقول أن هكذا يجب أن تتعامل الشرطة، والبعض لام الشرطة واتهمها بالإسراع في الضغط على الزناد في البلدات العربية، فيما لم يهتم كثيرون لأمر آخر، وهو أن الحديث يدور عن فتى يبلغ من العمر 17 عامًا، طفل، فما الذي قد يقود طفلًا إلى أن يكون ضحية قتل برصاص الشرطة، وقبل ذلك ضحية عالم الجريمة؟ وإلى أي حد وصل الاجرام في المجتمع العربي؟

جولة بسيطة في وسائل التواصل الاجتماعي، انستغرام وتيكتوك بشكل خاص، ستجد المئات من الفتية العرب، الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ18، ينشرون صورًا ومقاطع فيديو يظهرون فيها بملابس سوداء وقبعة سوداء، ويتشبهون بهذا لبعض "النماذج" من عالم الاجرام، ناهيك عن أغاني وعبارات تتعلق بإطلاق النار والعنف، ثم يسأل أحدهم، كيف يسمح الأهل لأولادهم بأن يتصرفوا بهذا الشكل وبأن يتشبهوا بالمجرمين؟ أليس هذا طريقًا ممهدًا لهم لأن يقتربوا من هذا العالم؟ وهل يرى الأهل أصلًا ما ينشره أولادهم؟ او حتى ما يلبسه أولادهم؟

كتبت إحدى الناشطات في فترة عيد الفطر، بشهر أيار الماضي، مرفقة صورة من مجمع البيج فاشن في الناصرة، أن مشهد عشرات الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 12-16 يتجولون في المجمع وجميعهم يلبسون ملابسًا سوداء، يوحي الكثير مما يعيشه هذا المجتمع. سيقول أحدهم أن لا علاقة للون الملابس وأن بإمكان أي شخص أن يرتدي الأسود، ونعم، هذا صحيح، ولكن لأن من يتحدث بهذا الشكل يعرف تمامًا بأي نماذج يتشبه هؤلاء الأولاد، لا يمكن أن نقول بأنها مجرّد حلة سوداء.

إن ما يعيشه المجتمع العربي، في السنوات الأخيرة، لا يمكن تلخيصه فقط بارتفاع عدد حالات القتل، فمع ارتفاع عدد حالات القتل، والذي وصلت في هذه الأيام إلى أكثر من 50 جريمة، وهو عدد يشبه عدد العام الماضي، ولكن مع هذا الارتفاع، هنالك ظواهر أخرى، متعلقة كلها بهذا الأمر، منها مثلًا، مسألة جني الأموال بسرعة، من الوصول المزيفة أو المتاجرة بالممنوعات، باتت دارجة بشكل كبير، وعندما يتم تخطي الحواجز بهذا الشكل، يصبح أيضًا تجنيد طفل لإطلاق نار أو القاء قنبلة مقابل بضعة آلاف الشواقل، أمرًا ممكنا وطبيعيا. وهذا ما حصل مع الفتى من الجديدة المكر، ويبقى السؤال، نحن نريد من الشرطة أن تقوم بعملها، لكن هل يكون ذلك بقتل المجرمين اذا لزم الأمر؟ والسؤال الآخر، لماذا وصلنا إلى مرحلة يُقتل فيها إبن 17 عامًا لسبب مثل هذا؟"


"مقتل شاب 17سنة برصاص الشرطة. الخبر يبدو صادماً:" الشرطة تُطلق الرصاص على شاب 17 سنة ، خلال مطاردته بعد القاءه قنبلة على احد البيوت ،وحسب بيان الشرطة فإنها نصبت كمينًا بعد تعرض البيت لعدة اعتداءات وتهديدات، فيُقتل الشاب ويصاب رفيقه بجراح"، يقول مدير وحدة النهوض بالشبيبة في المغار، الناشط زهر الدين سعد، ويضيف: هناك من يُهلل لعَمَل الشرطة، لقيامها بإطلاق النار على المجرم ،الذي قام بإلقاء القنبلة على البيت، مرعبًا ساكنيه، وهناك من انتقد قيام الشرطة بقتل الشاب، معللا ذلك بأنه كان بالإمكان اطلاق الرصاص على قدميه! وهنالك من سأل كيف يمكن ان يحدث مثل هذا الامر؟ الحقيقة ان هذا الشاب تحول بحكم قيامه، حسب البيان، بعملية القاء القنبلة لمجرم خارج عن القانون، عمله مُستنكر، والعديد من الناصر يرددون عبارة "يستحق ذلك". لن ابرر عمل هذا الشاب، ما قام به عمل مُدان، بل جبان ومستحق العقاب ولكن دعونا للحظة نُفكر:"هل هذا الشاب ابن ال 17 سنة حالة خاصة؟ هل تنعدم قرانا من حالات تشبه حالة هذا الشاب؟ للإجابة على ذلك وكمن عمل مع شباب في ضائقة منذ 30 سنة بوسعي القول- لا، هذا النموذج من الشباب موجود في جميع مدننا وقرانا. عندما تُصبح المادة وجمع المال، والتفاخر بالمظاهر الكذابة من سيارة وعمارة، ويصبح الربح السريع هو شعار الشباب، وفي ظل انعدام الأُطر الشبابية، التي تعالج مشاكل الشباب، وفي ظل اغلاق الأُطر التي تعمل من اجل إخراج الشباب من دوامة العُنف والجريمة بحجة انعدام الميزانيات، سنشهد ارتفاعاً كبيراً في اعداد الشباب المنظمين لعصابات الاجرام."
"من مدينتا المغار أُعتقل شباب بهذا الجيل، لإطلاقهم النار على البيوت، واعتقل شباب بتهمة القاء قنابل على بيوت ومصالح تجارية، وعلى سطو مُسلح، واعتقل شباب بسبب تجارة المخدرات، واعتقل شباب بسبب طعن زملاءهم في جميع قُرانا.
ويكمل سعد متطرقًا لتأثير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على هذه الفئة من الشباب: "نعم الشباب في جيل 15 حتى 16 و 17 وحتى بعد العشرين، وبسبب الاوضاع السياسية، الاجتماعية والاقتصادية، وبسبب غياب القيم الاخلاقية، يشكلون هدفاً لعصابات الاجرام، الذين يترقبونهم وينقضون عليهم عارضين عليهم المغريات المالية، القوة، والسلطة فيقومون بتجنيدهم من اجل القيام بأعمال عنف من تجارة بالشيكات، اطلاق الرصاص على البيوت والمصالح التجارية، وترهيب الناس بحجة جلب اموال حماية، فنجد بعض الشباب ينقاد خلف هؤلاء المجرمين في ظل غياب العائلة، المدرسة، المجتمع الرادع لمثل هذه الاعمال. المجتمع العربي يعاني منذ سنين لغياب الأمن الشخصي، وسهولة امتلاك الاسلحة وغياب القانون. نستيقظ كل صباح على موت شاب برصاص العصابات، والجميع يطالب الشرطة ، وبحق من اجل جمع السلاح والقبض على المجرمين، بل اصبح معظمنا يتمنى موت رجال العصابات بأي وسيلة، وفي المدة الاخيرة نلاحظ اشتباك قوات الشرطة مع مطلقي النار، لا اظن ان احدا منا يؤيد عصابات الاجرام وجنودهم، بل اصبحنا ولأول مره نسمع اصوات تؤيد اطلاق الشرطة على ملقي القنابل ومطلقي الرصاص على البيوت".
ويعتبر سعد بأن بعض الحلول تكمن في يد السلطات المحلية والمجتمع ككل وليس الشرطة فحسب، إذ يقول: "أحث جميع سلطاتنا المحلية على دعم جميع الاطر الشبابية وخاصة الاطر التي عملت وتعمل مع شباب في ضائقة، فإنقاذ شاب واحد من الموت ومن وقوعه في قبضة عصابات الاجرام لا يقل اهمية من تعبيد شارع او اقامة احتفال بمناسبة عيد الاضحى او اي عيد آخر، وقبل الاحتفال بعيد تقديم القرابين لنحاول الا يكون شبابنا قرابين لأطماع المجرمين. الرحمة لشبابنا، ولنقم جميعنا بإخراج كل من تسول له نفسه بأعمال العنف من بيننا ،لنقم بنبذ عصابات الاجرام واخراجها من مجتمعنا.

 من أين جلب السلاح؟ من أعطاه القنبلة؟ من دفع له؟ من دفع لمن دفع له؟ 

مجد الكروم، بلدة صارت تعتبر من البلدات المصابة بوباء العنف بالسنوات الأخيرة، حالها كحال بلدات عديدة مجاورة لها وبلدات عربية عديدة، وفي مجد الكروم هنالك مركز شرطة ولكن منذ إقامته، الجرائم ارتفعت، حسبما يقوله الأهالي، ولكن فكرة مقتل شاب يبلغ من العرم 17 عامًا اثناء اطلاق نار، أثارت حفيظة رامي حيدر، ابن مجد الكروم، والناطق بلسان منظمة العفو الدولية في البلاد، الذي لم يكتب هذه المرة خطورة الجريمة في بلده مجد الكروم، كما يكتب في كل مرة، بل عن الفتى القتيل، إذ قال: "أول سؤال خطر في بالي صباحًا بعدما سمعت وعرفت ما صحل، هو كيف وصل فتى يبلغ من العمر 17 سنة لوضعية يطلق فيها نار ويرمي قنابل على بيت بعيد عن بيته عشرات الكيلومترات، وفي قرية غير قريته، وفي منتصف الليل. هذا الفتى يجب أن يكون في بيته يدرس ويتحضر للامتحانات بهذه الساعة أو أن يكون مع أصدقائه أو مقابل الحاسوب، أو حتى يسهر ويدخن النرجيلة أو يسرق سيجارة من والده بالسر، أو أنه على علاقة عاطفية بفتاة من جيله، أو ألف أمر آخر يفعله المراهقون في هذا الجيل، لكن ليس إطلاق نار ورمي قنابل!
وتساءل حيدر: فتى عمره 17 عامًا، من أين جلب السلاح؟ من أعطاه القنبلة؟ من دفع له؟ من دفع لمن دفع له؟ ولماذا صر السلاح والقنابل بتناول الجميع بهذه السهولة ؟ والأهم من ذلك، هذا الفتى كان يجب اعتقاله ومعققبه كقاصر، وليس إعدامه بشكل ميداني من قبل الشرطة بهذا الشكل. نريد اجتثاث الجريمة والعنف، هذا صحيح صحيح، ونريد أن يعاقب كل مخالفي القانون وأن يتم سجنهم، لكن يمنع أن نبارك للشرطة على القتل والإعدام الميداني، لأن هذا يشرعن لهم في اغلد اغتيال واحد مننا بادعاء انه "كمين"، هذه المرة كمينًا، والمرة القادمة لا نعرف اذا كانوا سيستهدفون شابًا آخر".
"لو كان هذا الولد يهودي لعرفوا كيف يصيبونه بقدمه أو يعتقلوه قبل أن يتنفذ، بس بما انه ولد عربي، يسهلقتله، هذا الولد له أهل وبيت وعائلة تغيرت حياتها وانقلبت الآن ميون درجة، حرقة موت الأم لا يمكن تخيلها حتى، أما الشماتة بالموت هي من صفات الإنذار. ولكن الآن، ما حصل لا يمكن إعادته، لكن الأهم أنه يمنع أن نهلل ونبارك اجرام الشرطة ولا نوافق على سياسة الإعدامات الميدانية، ولا حدا فينا نسي الشهيد أحمد حجازي من طمرة، اللي قتلته الشرطة بإعدام ميداني "بالخطأ" عندم ا قامت بكمين لأشخاص هناك. هذا "الخطأ" ممكن يتكرر بأي مكان ويحرق قلوب عائلة وبلد وشعب كامل".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]