خلال الايام الماضية اقرت لجنة التوجيه لعرب النقب سلسلة من الفعاليات، هدفت من خلالها الى تصدير قضية مسجد بئر السبع التريخي الكبير الى الواجهة، في ظل استهداف صارخ وغير اخلاقي من قبل المنظومة الاسرائيلية ممثلة ببلدية بئر السبع لهذا الصرح الاسلامي التاريخي العريق، حيث دأبت هذه المنظومة على اقامة حفلات غنائية في ساحة المسجد بطريقة لا احترام فيها لقدسية المكان او لمشاعر المسلمين.
امس الاثنين كانت قد نظمت وقفة احتجاجية والتي دعت لها لجنة التوجيه العليا لعرب النقب ، احتجاجا على حفلات الغناء والرقص والخمور في ساحات المسجد الذي حولته البلدية إلى متحف قبل عقود، فيما شارك في الوقفة عدد من القيادات السياسية على رأسهم رئيس لجنة المتابعة للجماهير العربية السيد محمد بركة ورئيس لجنة التوجيه لعرب النقب السيد جمعة الزبارقة، والمحامي شحدة بن بري المتابع قانونيا وجماهيريا لكل قضية المسجد منذ سنوات، بالاضافة الى نشطاء وناشطات من النقب، فيما قام السيد سليم ابو القيعان برفع الاذان خلال الوقفة من ساحة المسجد لاول مرة منذ سنوات، الا ان اللافت للانتباه كان التغيب التام للحركة الاسلامية بكافة مركباتها، والتي هي في الاصل على خلاف مع لجنة التوجيه منذ تعيين جمعة الزبارقة مركزا لها خلفا للنائب سعيد الخرومي رحمه الله.
وتخطط لجنة التوجيه ايضا لاقامة صلاة الجمعة القريبة في ساحة المسجد في محاولة لتثبيت الوجود العربي والاسلامي فيه رغم كل محاولات السلطات الابقاء عليه متحفا، حيث ان القرار النهائي في هذا الامر كان قد اتخذ منذ سنوات وتحديدا في العام 2014 في محكمة العدل العليا لتحويل المسجد التاريخي الى متحف للدراسات الشرقية، الا انه على ارض الواقع لا يعرض شيئا من حضارات الشرق او حتى حضارة البدو في بئر السبع اصحاب هذا المسجد، ومع الاعلان عن اقامة الحفلات الغنائية فيه كل اثنين من حزيران الجاري وتموز القادم، قامت البلدية بوضع تماثيل في الساحة الخلفية واقامة حفلات الغناء في الساحة الامامية مع كشك لبيع المشروبات الروحية، ما اثار حفيظة العرب المسلمين في النقب بشكل عام، وسكان بئر السبع منهم بشكل خاص، والذين يبلغ تعدادهم حوالي عشرين الف مواطن، ولكنهم لا يحصلون على حقهم المكفول قانونيا بتلقي الخدمات الدينية من البلدية كما هو الحال بالنسبة لليهود الذين يتم بناء كنيس لهم في كل حي وشارع هناك، بينما المسجد الوحيد للمسلمين من غير المسموح اقامة الصلوات فيه!
ثغرة قانونية
ويحاول محامون عرب من النقب البحث عن اي ثغرة قانونية يمكن من خلالها اعادة قضية المسجد التاريخي الي المحكمة وانتزاع قرار بافتتاحه للصلاة، رغم ان الامر لا يبدو سهلا في ظل العنصرية المفرطة التي تبديها بلدية بئر السبع برئاسة روبيك دانيلوفيتش، بالاضافة الى تحيز القضاء الاسرائيلي بشكل عام ضد كل ما هو عربي في البلاد.
قال السيد محمد بركة رئيس لجنة المتابعة للجماهير العربية في البلاد من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بعد مشاركته في الوقفة الاحتجاجية:" المسجد الكبير في مدينة بئر السبع المحكمة العليا الاسرائيلية رفضت الاعتراف بحق المسلمين على مسجدهم قبل عدة سنوات، بلدية بئر السبع حوّلت المسجد الى "متحف"، في هذه الايام يجري تنظيم حفلات راقصة وبيع مشروبات روحية في فناء المسجد، كما حولت البلدية الساحة الخلفية للمسجد الى مبولة للكلاب، بلدية بئر السبع التي تملك القاعات والمساحات والمتنزهات العامة، لم تجد الا المسجد لتنظيم فعالياتها الماجنة والمرفوضة والبذيئة، إمعانا في العنصرية ولتعمُّد الاذى للمسلمين وللمسجد وللعقيدة والمقدسات، اليوم كنا هناك، بدعوة من لجنة التوجيه لعرب النقب،للمطالبة بوقف تدنيس المسجد واعادته الى المسلمين وبالاخص ان 20 الف مواطن عربي يقطن مدينة بئر السبع".
الناشط الحقوقي المتابع لقضية مسجد بئر السبع المحامي شحدة بن بري قال واصفا الوضع وما يجري في المسجد بأن " الوضع يتجه نحو الأسوأ في كل ما يتعلق بالعلاقات العربية اليهودية وفي كل ما يتعلق بالتوجهات تجاه العرب في البلاد بشكل عام والعرب في النقب بشكل خاص، لا استطيع القول انها هذا شيء شاذ عن القاعدة وانما هذا يأتي كاستمرار لكل ما تنهجه حكومة الاحتلال تجاه المواطنين العرب في البلاد، وهذا يتمثل بشكل خاص بمحاولات الاقتلاع وهدم البيوت والاعتداءات على الاماكن المقدسة، وهذا جزء من نفس المسلسل ونفس الحكاية ونفس الرواية التي نقصها ونعيشها في تاريخنا وفي حاضرنا، عندما تم احتلال مدينة بئر السبع عام 1948م تحولت كل البيوت العربية في المدينة والاراضي بالاضافة للمسجد لحكم ما تسمى بسلطة التطوير باجراءات نقل ملكية غير قانونية، وهذه السلطة حولت هذه الممتلكات لبلدية الاحتلال للتصرف بها، وكانت عمليا تسلم البيوت التي تم الاستيلاء عليها وتهجير سكانها للمهاجرين اليهود الجدد الذين تم احضارهم اليها، حيث وجدوا بيوتا جاهزة باثاثها وساحاتها وبنائها العريق ومزروعاتها ولم يكن مطلوبا منهم سوى السكن فيها والاستيلاء عليها، وبالنسبة للمسجد حولوه من حين الى حين الى اهداف مختلفة منها استخدامه لمتحف ثم تم اغلاقه والمبنى المقابل كان محكمة وهكذا الى يومنا هذا الى ان وصل الى ما وصل اليه اليوم، ونحن ننظر للاسف الى المسجد وهو تحت التصرف الكامل للاحتلال، ورغم احتجاجاتنا وتوجهنا للمحاكم الاسرائيلية الا انها تدعي ان هذا المبنى هو ملك لبلدية الاحتلال في بئر السبع والتي تعارض عمليا تسليمه حتى للمواطنين المسلمين سكان المدينة ذاتها وهم بالالاف، رغم انه حسب القانون على البلدية ان تم الخدمات الدينية للمواطنين والتي تشمل اقامة مسجد واماكن للعبادة لكل مجموعة سكانية في البلاد، لكننا في كل شارع في المدينة نرى كنيسا يهوديا بينما المسلمون لا يحق لهم الصلاة في مسجدهم، بل ويتعرض مسجدهم للهجوم والاستباحة، رغم كونه صرحا تاريخيا معماريا عريقا متجها بالكامل نحو القبلة".
ويضيف المحامي ابن بري:" اكدت البلدية انه خلال شهري حزيران وتموز كل يوم اثنين سيقام حفل غنائي في الساحة الامامية للمسجد وتم زرع عدد من التماثيل في الساحة الخلفية للمسجد ايضا، في محاولة للاستهانة بكرامة ومشاعر المسلمين بهدف الحصول على الدعم من الاوساط المتطرفة التي تنادي بالعنصرية ضد المواطنين العرب، والتي لم تعد اوساطاً فقط وانما اغلبية عارمة في كيان الاحتلال، ولكن للاسف ردود الفعل العربية الرسمية والشعبية غير كافية في هذا الاتجاه، بل وان التحركات العربية الحزبية السياسية في الاونة الاخيرة كانت قد اساءت لصمود اهل النقب ووقفاتهم الاحتجاجية وقللت من اهميتها، وموقفهم كان ضعيفا جدا، بل وان وجود الحركة الاسلامية كجسم داعم لحكومة نفتالي بينيت جعل تحركهم مثبطا للشعب لانهم ملتزمون بقرارات الحكومة الاسرائيلية وبالتالي هم يقدسونها ويدافعون عنها او يصمتون عن هذه القرارات نهائياً ولا يتصدون لها، وهذا اضعف كثيرا موقف السكان العرب في النقب، وللاسف ايضا نحن نسمع اليوم ان لا مانع لدى الحركة الاسلامية من الانضمام الى الحكومات الاسرائيلية القادمة وهذا يعني ان هذه الحكومات لن تجد معارضة على قرارات من هذا النوع، ولا سيما وان الحكومة الاسرائيلية تعلم ان معظم النقب كان من المصوتين للقائمة الموحدة التابعة للحركة الاسلامية الجنوبية، وبدون رد فعل مناسب على قرارات الحكومة لن يكون هنالك تحول ايجابي في موضوع النقب، حيث ان المعارضة الاسرائيلية كانت دائما تعيب على الحكومة وجود حزب عربي داعم لها ما ادى بها الى زيادة وتيرة عنصريتها تجاههم وبالذات في النقب وهذا ما نراه جليا يحدث في مسجد بئر السبع".
تغيب الحركة الإسلامية
وما يزال عدد كبير من المواطنين في النقب يتساءلون بشكل جدي عن سبب تغيب الحركة الاسلامية الجنوبية عن اي حراك يخص المسجد التاريخي والذي يعتبر ارث اسلامي عريق ومن المفروض ان تكون الحركة الاسلامية في الصفوف الاولى للمدافعين عنه ضد الانتهاكات؟ وهل من المعقول ان تكون الخلافات السياسية مفرقة بين الاحزاب لدرجة ان قضية مسجد بهذا الحجم والزخم لا يمكن لها ان تجمعهم على كلمة رجل واحد؟ سيما واننا على ابواب انتخابات برلمانية خامسة قد تكون حاسمة جدا في النقب لكافة الاحزاب، رغم ان مصادر مطلعة من داخل الحركة قالت انها بصدد تنظيم فعاليات خاصة بها لدعم قضية المسجد، دون الحاجة للتواجد في فعاليات تنظمها لجنة التوجيه لعرب النقب!.
[email protected]
أضف تعليق