منذ عام النكبة 1948م، لم يعتلي مؤذن واحد مأذنة مسجد بئر السبع التاريخي ليصدح بنداء الحق "الله اكبر" مناديا للصلاة في هذا المسجد الاسلامي العريق، وذلك بسبب الغطرسة الصهيونية التي ما ان دخلت المدينة حتى حولت مسجدها سجنا، واليوم وفي في ظل تنامي هجمة اليمين المتطرف والعنصرية الاسرائيلية في ابشع صورها، والتي تظهر جلية بالسلوك العدائي الذي يبديه رئيس بلدية بئر السبع تجاه العرب البدو في النقب، خاصة بعد ان اعتلى مركب التحريض الارعن على غرار عضو الكنيست ايتمار بن جفير، وبالتالي قامت بلدية بئر السبع في النق وبالتنسيق مع مجموعات من المتطرفين، بتنظيم مهرجان غنائي في ساحة مسجد بئر السبع التاريخي، ضاربة بعرض الحائط كرامة عشرات الالاف من المواطنين العرب المسلمين في المدينة ذاتها وفي النقب اجمع.

يستضيف المهرجان مغنيين وراقصين وعروضا فنية برعاية بلدية بئر السبع، ويتزامن الاعلان مع الذكرى العاشرة لمنع مثل هذا المهرجان عام 2012 من0قبل الاهالي في النقب، عبر ادائهم لاول صلاة في المسجد منذ النكبة عام 1948.

وتضع اسرائيل يدها على مقدسات واماكن اثرية وبيوت في الاراضي المحتلة عام 1948 تحت ما يسمى "قانون املاك الغائبين", الذي صادقت عليه في العقد الماضي، للسيطرة على هذه الاماكن ومنع الفلسطينيين من اصحاب الارض من امتلاكها او الدخول اليها.

ليست المرة الأولى 

وهذه ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها مسجد بئر السبع للاعتداء الاسرائيلي، فقد سبق وان اعلنت بلدية بئر السبع عن نيتها تحويله الى متحف، مع العلم انه مسجد اثري تاريخي ومن الاماكن المقدسة في النقب.

ومسجد بئر السبع مغلق امام اهالي النقب او اي شخص للصلاة فيه، بسبب وضع السلطات الاسرائيلية اليد عليه، وتسمح فقط بزيارته دون الصلاة فيه.

بني مسجد بئر السبع في عهد اصف بيك قائم مقام بئر السبع نهاية الخلافة العثمانية، وتشير الوثائق الى ان فرش المسجد كان بتاريخ 1329للهجرة الموافق1911 ميلادي، حيث تم ارسال سبع سجادات لفرش المسجد، وكذلك تم تعيين ثلاثة موظفين للقيام بالواطبات للدينية، كما تم عمارة المسجد حسب التقارير الهندسية التي قدمت للبلدية عام 1929م .

وفي عام 2011م، اقيمت صلاة الجمعة في مسجد بئر السبع لاول مرة منذ النكبة، حيث جاءت هذه الصلاة لمنع اقامة "مهرجانات الخمور" التي تنفذها بلدية بئر السبع في المسجد، ونجح المصلون بالرباط في المسجد بمنع اقامة المهرجان المسيء، وخطب في ذلك العام بالمسجد رئيس الحركة الاسلامية الشمالية المحظورة اسرائيليا الشيخ رائد صلاح، حيث كانت الصلاة جزءا من الخطوات التي تم اتخاذها من قبل القيادات في الداخل لتحرير المسجد من سيطرة بلدية بئر السبع، واخراج كافة المجسمات الموجودة فيه تمهيدا لافتتاحه للصلاة فيه يوميا، الا ان السلطات الاسرائيلية في حينها نشرت قوات الشرطة في محيط المسجد، واغلقت كافة الطرق والشوراع المؤدية اليه، وراقبت خطبة الجمعة عن كثب، وتعرض عدد من المشاركين للاعتقال والتحقيق على خلفية الصلاة في المسجد، وبالتزامن مع الذكرى العاشرة لصلاة تحرير المسجد، اعلنت بلدية بئر السبع يوم الخميس الماضي عن اقامة مهرجان الخمور الغنائي فيه.

اهالي النقب يذكرون هذا المسجد بالكثير من الحسرة والالم، ففي كل اصقاع العالم تعامل اماكنزالعبادة بخصوصية وقدسية تامة، الا ان الوضع في هذا المسجد التاريخي في ظل العنصرية الاسرائيلية مختلف تمام، يقول الباحث والمؤرخ النقباوي د. منصور النصاصرة:" ماذا سيقول اصف بيك الدمشقي! مسجد بئر السبع لم يرفع فيه الاذان منذ عام النكبة وما زال يعيش نكبه يومية مستمرة، مسجد بئر السبع رسخ الجمال العمراني من الفترة العثمانية وما زال شامخا يروي لنا حكاية عاصمة القضاء الجنوبي لفلسطين وبوابة بلاد الشام، منذ عام النكبة وتهجير كل سكان مدينة بئر السبع اغلق المسجد امام السكان العرب وما زال ينتظر صوت المؤذن ! لم تتم عملية تهويد مسجد المدينة بشكل كامل عند تحويلة الى متحف فنون الشرق فحسب، بل اصبحت باحاته المقدسة مكانا للعروض الموسيقية والغناء! طبعا عدم فتحه للصلاة لعشرات الالاف من السكان العرب من المدينة وقضاء بئر السبع كان بقرار من محكمة العدل العليا! هذة دعوة للبرلمانيين واللجان الشعبية ولجنة المتابعة ان تتوجه بشكل رسمي الى رئيس بلدية بئر السبع لالغاء الحفل المزمع اقامته يوم الثلاثاء في باحات المسجد! هذا المسجد بني في فترة الوالي العثماني اصف بيك الدمشقي وارضه موقوفة تبرع بها عشائر بئر السبع البدو وقاموا باعماره بتبرعات جمعت من سكان المدينة من اهالي غزة والخليل والقدس وعشائر بئر السبع الذين يمتلكون ارضه، عشائر المحمديين من العزازمة، هذا بالاضافة الى ان حجارة المسجد التي احضرت من مدينة الخلصة ما زالت شاهدة على تاريخ مسجد عريق لم يخفي جماله منذ عقود! بالاضافة الى مسجد بئر السبع فقد اقام العثمانيين مسجدا اخر في المدينة في الجهة الجنوبية وايضا مسجد عوجا الحفير وعسلوج وام الرشراش والخلصة، اقل القليل هي الدعوة لاقامة صلاة الجمعة في باحات المسجد!".

استنكارات 

بدورها استنكرت لجنة التوجيه لعرب النقب في بيان لها بشده تصرف بلدية بئر السبع باقامة حفل غنائي في باحات مسجد بئر السبع وقالت في بيانها ان هذا "المسجد الذي بنى عام1906 بايدي الاتراك والذي ساهم في بنائه اهالي بئر السبع العرب انذاك بالاضافة للعشائر الموجودة في المنطقة، وكان عبارة عن محطة للتجار الذين يمروا من مصر الى بلاد الشام وشرقي الاردن، بعد دخول الانجليز الى فلسطين استمر المسلمين بالصلاة فيه حتى عام النكبة وعندما سقطت بئر السبع استعمل كسجن من قبل الصهاينة ومن ثم متحفا عاما".

وتابع بيان اللجنة :" في العام 2002 اقرت بلدية بئر السبع اقامة مهرجان للخمور في ساحات المسجد والذي كان مفروض ان يشارك فيه اكثر من 30 منتجا للخمر مما ادى الى الاحتجاجات من قبل سكان المنطقة وتم الغائه ، وفي العام 2011وبعد صراع طويل مع بلدية بئر السبع والوصول الى المحكمهطة العليا جاء الاقتراح منها بتحويله لمتحف خاص لثقافة الاسلام والشعوب الشرقية وما زال كذلك، اليوم وفي هذه الاجواء اليمينية المتطرف تقر بلدية بئر السبع اقامة حفل غنائي في ساحات المسجد.:

وقالت اللجنة في البيان:" مسجد بئر السبع هو وقف اسلامي بحت وملك للمسلمين الذين هم السكان الاصلانيين لهذه البلاد ويجب اعادته اليهم فقط للمسلمين، لذا نطالب بالتوقف فورا عن المس بحرمة المسجد ومحيطه، والسماح للمسلمين بالصلاة فيه لسكان بئر السبع والمنطقة وممارسة الشعائر الدينية وهذا حق اساس لكل الديانات وموثق في القوانين الدولية".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]