بعد ستة أعوام من الأمسية الأولى لإطلاق بحثها الرّيادي الأول "أدب السجون في مصر سوريا والعراق- الحريّة والرقيب"، أقام نادي حيفا الثقافي مؤخرا أمسية ثقافية أخرى استضاف فيها الباحثة في أدب السجون والناقدة الأدبية، ابنة مدينة شفاعمرو د. لينا حبيب الشيخ حشمة. لإطلاق دراستيها الصادرتين مؤخرا عن دار الشامل للنشر والتوزيع- فلسطين، لصاحبها بكر زيدان، بعنوان:
- " أدب السجون مرة أخرى - دراسة في الأدب الخليجيّ".
- " في بوتقة الثالوث المحرّم- الكاتبة الخليجية بين الأدب النِّسْوي وأدب السجون".
افتتح الأمسية مؤهلا بالحضور والمشاركين، رئيس النادي المحامي فؤاد نقارة، هنّأ بعدها صاحبة الأمسية بصدور دراستيها الجديدتين ثم قدم شكره للمجلس الملّي الأرثوذكسي الوطني - حيفا، راعي أمسيات النادي الثقافية.
أدارت الأمسية وقدمت لها الناشطة الثقافية خلود فوراني سرية، وقد جاء في تقديمها " مما لا شك فيه أن سؤال الحرية هو من القضايا التي لا تزال تؤرق الكاتب العربي وتشغل خطابه الأدبي. وبما أن الكاتب الخليجي جزء من هذا الخطاب فقد جاءت دراسة د. لينا -أدب السجون الخليجي.
هي جدلية يتصارع فيها الحضور مع الغياب فكيف يكون حضور السجن حضورا للحرية؟! وكيف يجتمع متضادان، أو على حد قول الكاتبة المصرية فريدة النقّاش، قطبان متنافران -المثقف المعارض والسلطة- تحت سقف واحد؟ أوليس هو حضور السجن يعني غياب الحرية؟
أليس مأزقا أن تكون حرّا في أوطان تعتقل حتى صيحة السنونو؟
كتبت د. لينا في أبحاثها في أدب السجون في الدول العربية عن ممارسات السلطة القمعية فيها فكشفت بما معناه: إذا نشر المثقف التقدمي المعارض أو السجين أدبا من رحم المأساة والألم، اعتبروا أدبه ابن زنا وأخذوه إلى دار اللقطاء وكمموا الأفواه".
ثم فتحت بعدها باب المداخلات لتقدم بداية د. كلارا سروجي شجرواي مداخلة حول كتاب "في بوتقة الثالوث المحرم" عنوانها "الكتابة الأدبيّة عن المحرَّمات موضوعٌ قديم مُتَجدِّد" ذكرت فيها أن الدكتورة لينا تؤسس لمفهومٍ جديدٍ هو "أدب السجون النسوي"، لِما بين هذين الجنسين الأدبيّين من تعالُق وارتباط. من هنا يجمع هذا المفهوم بين ما يُكتَب في السجن الحقيقيّ وما يكتب بين جدران سجنٍ مجازيّ معنويّ أكثر فظاعة، فهو غير مُحدَّد المدّة، بل مستمرّ طالما أنّ الرّقابة الاجتماعيّة والدينيّة والسياسيّة موجودة.
وأضافت، أن أسلوب الدكتورة لينا واضح، سَلِس، يبتعد عن جفاف النظريّات النقديّة، ولكنّه يحافظ في الوقت ذاته على عُمق الطرح والتحليل. لذلك، يصلح للقرّاء المتخصّصين في الأدب كما يصلح لجمهور القرّاء الواسع، ويكشف عن طبيعة المجتمع الخليجيّ من وجهة نظر أنثويّة.
تلاها بمداخلة ثانية حول كتاب "أدب السجون مرة أخرى"، الناقد د. رياض كامل وجاءت مداخلته بعنوان " لينا الشيخ حشمة بين النقد والبحث" وذكر من ضمن ما ذكر أن د. لينا تقوم بقراءة مبدعة بعيدا عن الوصف الخارجي، تبحث في حنايا النص عن خفاياه، فهي ليست قارئة عادية، ولا تُقبل على قراءة النص للاستفادة منه فحسب، بل هي قارئة متمرسة تعطي النص بقدر ما تأخذ منه، بل قد تعطيه أكثر مما يعطيها، ولأنها ناقدة متمرسة فهي تكتب إبداعا يجاور إبداع المؤلّف.
وأضاف أنها لم تكتفَ في دراستها حول أدب السجون بدراسة النواحي الاجتماعية على اختلاف تفرعاتها، ولم تتوقف عند النواحي السياسية التي فتحت السجون للمثقفين يقضون فيه ربيع العمر بدلا من المساهمة في تطوير الأمة، فقد دخلت في تفاصيل العمل الأدبي؛ مركباته وعناصره، وتقنياته، ومميزاته الحداثية والتقليدية وما يحمله هذا الأدب من ميزات تجعله متفردا عن غيره من الآداب.
ود. لينا في كتابها "أدب السجون" باحثة ملتزمة بأصول البحث العلمي المنهجي، تبني دراساتها وفق مناهج الدراسات الأكاديمية، وتزوّد القارئَ بمعلومات مهمة حول الكبت الذي تعرض له كبار الأدباء والباحثين والمفكرين من السلطات الظالمة على اختلافها، سواء كانت سلطةً سياسية أم دينية أم اجتماعية، وسواء كان ذلك في الشرق أو في الغرب.
وهي باحثة تسبر غور النص وتفكّكُه وتعود فتركبه من جديد، وفق رؤيتها الفنية وذوقها الجمالي الذي يتطور من دراسة لأخرى.
في الختام كانت الكلمة لصاحبة الأمسية والدراستين، فقدمت بدايةً عميق شكرها وامتنانها لمن شقوا لها الطريق ودعموها كلّ باسمه وموقعه فأثرت كلماتها بالحضور ولامست شغاف قلوبهم. أما عن سيرورة بحثيها فعبّرت قائلة: " هي قصّة كتابين:"بسرقوه"، بهذه الكلمة أجهض مشروع تحويل أطروحة الماجستير لكتاب أوّل مرّة عام 2010، حين أخبرت أحد أساتذتي بذلك، قال "بسرقوه". ولأنّي كنت حينها أكثر سذاجة تنازلت. وكأنّي قرّرت الانتظار حتّى تعمّ المصداقيّة، كأنّ أحدًا أبلغني أنّ البشريّة كانت موعودة بالخلاص في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، وأنّ السرقة الأدبيّة لن تتفشّى كغيرها من السلوكيّات الرديئة في هذا الزمن المشوّه! لقد بات الفرح عرضة للسرقة، فما بالكم بالأفكار؟ تسرق حتّى الأفكار! تسرق دون أيّ إحالة إلى مرجعها.
لسذاجتي.. صدّقت.
بعد أن أنهيت الدكتوراه عادت أطروحة الماجستير لتناديني، كانت كندبة جرح بعد إجهاض مولود.
هنا بدأت قصّة كتابين تأخّرا عن الولادة. بذرة الماجستير ولدت توأمًا. فلمّا تأخّرت اقتضى الأمر، وللمصداقيّة الأكاديميّة، أن أعود للبحث لأعدّل فيه وفقًا لما استجدّ. الأمر الذي تطلّب قراءات متعدّدة بدرجة أعمق من الآفاق المعرفيّة والخبرة النقديّة والثقافة الأدبيّة التي اكتسبتها خلال السنوات الماضية.
هكذا لم تعد الأطروحة كما قدّمت في حينه، بل خرجت في حلّة أعمق وأطول. ذلك لأنّي ارتأيت أن أضيف إليها نصوصًا أخرى، وأن أبحث في آليّات فنّيّة ومحاور مضمونيّة لم أبحثها في الأطروحة، وأخرى لم أعطها ذاك العمق في حينه".
خلود فوراني سرية
[email protected]
أضف تعليق