يستعد جميع صائمي شهر رمضان المبارك في هذه الايام لاستقبال عيد الفطر السعيد، انتصف الشهر وتخطى النصف وبدأ العد التنازلي السريع، واليوم عيون الصغار قبل الكبار تتجه نحو فرحة العيد والملابس الجديدة والحلويات والعيدية، الا ان الواقع في النقب هذا العام يقول ان الكثير من الاسر لم تتمكن من توفير الحاجات الغذائية الاساسية ولربما حتى اليوم، وان المعظم تلقى بعض المعونات على شكل طرود غذائية قد لا تكفي في معظمها لاسبوع واحد، فكيف سيستقبل اطفال تلك الاسر المستورة العيد؟ وهل لهم من الفرحة به نصيب؟!

جائحة الكورونا كانت الضربة الثانية بعد الفقر الموجود اصلا في النقب، والتي جاءت لتوسع الفجوة الموجودة اكثر فأكثر، وتجعل الامر يبدو غير صعب على كثير من العائلات وانما شبه مستحيل، توقف كامل لفترات طويلة عن العمل لمن لديه فرصة عمل بسيطة، خوف وقلق من الحالة الصحية العامة في البلاد، مخالفات بالجملة لكل من لا يلتزم بقوانين ازمة الكورونا، ثم ما ان بدأت الازمة بالانفراج حتى قرعت طبول الحرب في العالم ما ادى الى موجة ارتفاع اسعار غير مسبوقة في البلاد، غلاء جعل الاستغناء عن بعض السلع اجباريا وهذا يشمل الاساسيات منها احيانا، وان لم يكن استغناء فهو على الاغلب عدم قدرة على تحصيلها لضيق ذات اليد، واليوم نرى وبشكل جلي ان اعداد الفقراء في ازدياد وان الوضع يسوء يوما بعد يوم اكثر فأكثر، وفي النقب حدث ولا حرج.

احدى الجمعيات الفاعلة في مجال دعم الاسر مستورة الحال هي جمعية كفى الخيرية في رهط والتي يرأسها السيد ابراهيم الحسنات، لا يبدو الحسنات متفائلا بالوضع حاليا حيث انه يرى ان حالات الفقر في ازدياد ورغم وجود تبرعات الا انها عاما بعد عام اصبحت لا تسد الفجوات الكبيرة الموجودة بسبب تفاقم الوضع، يقول الحسنات :" نعم للاسف معدلات الفقر في ارتفاع ملحوظ ، الاسر رقيقة الحال التي تتوجه الى الجمعيات تزداد، كان من المعروف قبل 5 سنوات عن الفقر في النقب في دائرة الاحصاء المركزية انه بين كل 3 بيوت في النقب بيتان فقيران وهذا ما قبل جائحة الكورونا،

بعد الجائحة ارتفعت الاعداد، وبعد ان تقلص حجم الضرر من الوباء اعتدل وضع بعض الاسر الا ان الغالبية بقيت على فقرها، حجم الفقر كبير في الوسط العربي مقارنة بالوسط اليهودي، ولو قارننا انفسنا بخط الفقر الذي حددته المؤسسات الحكومية نجد ان النسبة في الوسط العربي تصل الى ما بين 63_ 65% كانوا فقراء، وزاد الفقر مع الكورونا، وفي رمضان خاصة ومواسم الاعياد هنالك توجه كبير جدا للعائلات، فهنالك عائلات مستورة تقبل ان تعيش كل العام بطرود غذائية بسيطة عادية، لكن في رمضان هم بحاجة الى اللحوم والحلوى والمشروبات لاطفالهم، وهنالك الكثير جدا من العائلات التي تتفاقم حالتها المعيشية بسبب الفقر، والحل موجود بيد الحكومات المتعاقبة، لكنها تنسى او تتناسى فقراء النقب، وتزج بهم الى الساحة الخلفية للبيت الاسرائيلي، ولو ارادت الحكومة ان تحل مشكلة الفقر لقامت ببناء مناطق صناعية ووفرت فرص عمل واعترفت بالقرى وادخلت فيها مصانع ومدارس وبنى تحتية ولاصبح وضع الاسر افضل بكثير مما هو عليه الان، التبرعات للجمعيات غير كافية هي مجرد اخماد للنيران فقط، نحن في كفى اذا توجهت لنا اسرة تحصل على طرد غذائي ولحوم ومشروبات وكافة اللوازم لكن لدينا عجز ولا نستطيع ان نقدم المساعدة لكل من بتوجه الينا ونحتاج الكثير من التبرعات لسد الحاجة الملحة للناس".

يحث الشيخ كمال ابو هنية الداعية والمتابع عن قرب لعدد من مشاريع الاغاثة التابعة للحركة الاسلامية في النقب على التبرع للفقراء وتفضيل ذلك على الكثير من الكماليات التي يلتفت اليها الناس، لا سيما انه يرى ان الوضع ليس ورديا كما يعتقد البعض وان مقولة لا احد جائع في النقب اليوم غير صحيحة اطلاقا، يقول الشيخ:" بخصوص الوضع في النقب الوضع كارثي ومصيبة يرثى لها، بعض البيوت لا يملكون ثمن الدواء، هنالك بيوت يفطرون في رمضان على لقيمات بسيطة لا تسد الحاجة، هنالك من هدم بيته ووجد نفسه في العراء، وطبعا البيت من حديد في الصيف حار جدا وفي الشتاء بارد جدا، الوضع كارثي لا يستطيع الانسان ان يطيق الحديث عنه، وهذه بيوت اسماها الله مستورة ولا يجوز لنا فضح حاجتها لذلك اقول واجب على كل واحد منا ان يفكر في مساعدة هؤلاء، الزكاة ليست تأمينا وطنيا لتحل كافة مشاكل الفقر في النقب لانها موسمية وهي اعطاء شيء بسيط من المال للفقراء، لذلك اقول لمن يبحثون عن الله في زخرفة المساجد والسيارات والبيوت ابحثوا عن الله والاجر في بطون الجوعى والمحتاجين، ولمن يبحث عن الله في الطواف حول الكعبة طوفوا على بيوت الفقراء والمساكين، و يا من تسعون بين الصفا والمروة اسعوا على خدمة الناس ونفعهم وادخال البسمة على وجوههم وامسحوا على رؤوس اليتامى، اسعوا حتما ستجدون الله سبحانه وتعالى، لان رسولنا الكريم صلى الله عليه سلم قال: ( احب الاعمال الى الله تعالى سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة او تقضي عنه دينا او تطرد عنه جوعا ولأن امشي في حاجة اخي احب الي من ان اعتكف في مسجدي هذا) وهنا يحضرني قول العالم الزاهد عبد القادر الجيلاني في اقصر خطبة له: (لقمة في بطن جائع خير من بناء الف جامع وخير ممن كسى الكعبة والبسها البراقع وخير ممن قام الليل لله راكع وخير ممن صام الدهر والحر واقع وخير ممن جاهد الكفر بسيف مهند قاطع واذا دخلت اللقمة في بطن جائع رأيت لها نورا كالشمس ساطع) والله الموفق والهادي الى سواء السبيل توكلوا على الله وتصدقوا اكرمكم الله".

صالح ابو سعد رئيس جمعية العيش بكرامة في النقب يقول :" بالنسبة لحالات الفقر فإنها في زيادة وازدياد في الاونة الاخيرة وكلنا يعلم الحال الذي وصلت له هذه العائلات بعد عامين من الكورونا والبطالة التي تضرب وموجة الغلاء التي هزت العالم اجمع، وبالتالي هذه العائلات لا تجد لها سندا الا الخيرين والمتصدقين سواء عن طريق الجمعيات الخيرية او المتبرعين لسد حاجاتهم اليومية، طبعا الجمعيات لا تكفي لان العدد في ازدياد دائما ومن هنا نحث اهلنا على التبرع للوصول الى جميع المحتاجين من اهلنا وخاصة في هذا الشهر الفضيل".

وبعد كل هذا الوصف للوضع الكارثي للفقر في النقب تبقى مشكلة اخرى تكمن في ايصال المستلزمات والتبرعات وتواجه كافة المتبرعين، وتكمن هذه المشكلة في ان عددا كبيرا من الفقراء في النقب يرفضون الافصاح عن فقرهم للناس او للجمعيات الخيرية او للمتبرعين، وذلك كونهم يرون ان الامر هو عيب كبير في حقهم ومنقصة للكرامة، حيث ان هؤلاء يتمسكون بالعادات البدوية وان البدوي لا يمد يده لطلب الحاجة حفظا لكرامته، وهذا الامر يلفت النظر الى طريقة تقديم التبرعات التي تتبعها الجمعيات والجهات المختصة، حيث انها تعتمد على ايصال التبرع بسرية تامة جدا او حتى التواصل مع صاحب الحاجة ليستلم التبرع بعيدا عن اعين الناس حفظا لخصوصيته، والحقيقة ان هذا الامر يجب ان يكون مطبقا في كافة مواقع تواجد الفقراء والمحتاجين، ولكن غزو مواقع التواصل الاجتماعي لحياتنا حول قضية التبرع احيانا الى الة لحصد الاعجابات والوصول الى تريند على حساب كرامة الفقير، لذلك فإن الجمعيات والمتبرعين في النقب يشددون على ضرورة الخصوصية واحترام الكرامة، ويرى الكثير من المتبرعين انه هو المحتاج لدعوات الفقراء لا هم المحتاجون لماله، وهذا يرفع الحرج الكبير عن تلك الاسر المتعففة، التي تحاول الان ان ترسم ابتسامة صغيرة على وجوه اطفالها ابتهاجا بالعيد، حتى وان كانت الظروف قاسية، فالاطفال هم المتضرر الاول والاخير من الفقر وتبعاته على كافة المستويات، ولكون الاسر في النقب بشكل عام مباركة الاولاد فإن هذا يجعل المهمة اكثر صعوبة والحاجة الى مضاعفة التبرعات والجهود ملحة اكثر.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]