حالة من الاستهجان والتوتر الشديد سادت النقب منذ ساعات مساء الثلاثاء، وتحديدا في اعقاب عملية الدهس والطعن التي وقعت في المجمع التجاري ون بلازا في بئر السبع، وخلفت اربعة قتلى سيدتان ومسنان، والتي نفذها محمد غالب ابو القيعان وهو من ابناء بلدة حورة في النقب، الامر الذي جعل جوقة اليمين المتطرف التحريضية تنطلق بكل قوتها لحشد اصوات الدعم والتأييد للمزيد من العدائية تجاه المواطنين البدو في النقب ، الذين بدورهم استنكروا بشدة الحادث ورأى غالبيتهم انه لا يمثلهم ولا يمثل تعاليم الدين الاسلامي الحنيف، بل وانه سيكون سببا لضرر على المدى الطويل على العلاقات ما بين اليهود والعرب في الجنوب، الذين عاشوا على مدار سنوات طويلا مع بعضهم البعض دون وقوع احداث من هذا القبيل .

على الجانب الاخر لم تكن الحركة اليوم للمتسوقين والزائرين العرب لبئر السبع كالمعتاد، فمع الدعوات من قبل اليمين المتطرف للانتقام ، وقبلها الدعوات لانشاء سرية بارئيل لحفظ الامن الشخصي لليهود في الجنوب ، اصبح من غير الامن لأي عربي مهما كان سبب تواجده في بئر السبع التوجه الى هناك، رغم ان معظم المصالح التجارية والصحية والقانونية وغيرها مراكزها في هذه المدينة ، في حين تفتقر البلدات العربية لاي بديل.

عدد من ابناء النقب اعربوا عن استيائهم من الحدث وقلقهم من اثاره السلبية على العرب في الجنوب خلال الفترة القادمة ، سيما وانهم يقبعون تحت وطأة حملات تهجيرية كبيرة واستهداف ممنهج منذ فترة طويلة ، ولم تكن مثل هذه الاحداث لتخدم قضيتهم على الاطلاق وانما وفي توقيتها هذا تحرف البوصلة تماما باتجاه التحريض وتضليل الاعلام واتهام العرب في الجنوب عامة بالارهاب والتطرف.


عطية الاعسم رئيس المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها قال معقبا على الحادث :" طبعا ما حدث بالامس هو يضر بالعلاقات العربية اليهودية ويضر بقضايا النقب ، النقب لا يرضى بهذا العمل ويرفض هذا العمل ، ولكن يجب ان نعرف كل الصورة في النقب ، فمن المعروف ان الحكومة تلاحق العرب في شتى المجالات منها هدم البيوت ومصادرة الاراضي واقتلاع الاشجار وحراثة المزروعات وحتى على الطرق وغيرها ، الدولة حتى تلاحق العرب في ارزاقهم، ولا ننسى ما حدث لبعض القرى العربية ، لا ننسى عندما دمرت الدولة ورحلت قرية ام الحيران وقتلوا شخصا من عائلة ابو القيعان بدم بارد ودون سبب ، الدولة تلاحق العرب في شتى المجالات ، هذه الاسباب تؤدي الى حالة من الاحتقان الكببر جدا لدى المجتمع العربي في النقب ، وزد على ذلك الان نرى اليمين المتطرف وبالذات بعد فشله في الانتخابات يحاول المس بعرب النقب بشتى الوسائل ، الصحف وقادة الجنوب يحرضون على العرب ،وهذا في الاساس يضر اكثر بالعلاقات اليهودية العربية ، نحن علاقتنا مع المواطن اليهودي العادي علاقة تعايش طيبة ، مشكلتنا ليست مع المواطن العادي انما مع القادة المتطرفين الذين يريدون المس بالمواطنين العرب بشتى الوسائل".

الناشط صقر ابو سريحان احد الشباب المنخرطين في اعمال تطوعية تخدم المجتمعين العربي واليهودي ، كان احدها ترميم منزل مسن يهودي في بئر السبع ، تحت اطار منتدى تل السبع بلدي الذي يعمل على رئاسته، عقب على الحدث واثاره بالقول :" نحن بدورنا ندين هذه العملية الاجرامية والتي لا تمثل في حقيقة الامر اي فرد من اهلنا في النقب ، كما ونواسي عائلات القتلى راجين السلامة من الله عز وجل لجميع المصاببن في هذه العملية البشعة ،ونتوجه للمجتمعين العربي واليهودي معا بأن يستمروا بالعيش سويا وخاصة في هذه الفترة الحرجة وان يتقربوا الواحد الى الاخر ، و ان يقوموا خلال هذه الفترة بالتعرف الى بعضهم البعض بدلا من تبادل الاتهامات نحن لسنا بحاجتها في هذه الفترة وعلينا العمل كمجتمع عربي ومجتمع يهودي معا للخروج من هذه الازمة وان نمنع حتى في المستقبل مثل هذه الامور ، وكذلك لتوحدنا كمجتمع عربي ايرائيلي وان لا نخضع للتطرف من اي طرف من الاطراف نحن مجتمع واحد والكل يجب ان يتحمل المسؤولية لنعيش بسلام وهدوء في هذا المجتمع ، وبمناسبة رمضان اقول للغرب كل عام وانتم بخير ولليهود المقبلين على عيد الفصح اتمنى لهم عيدا سعيدا".

الاخصائي النفسي ابن مدينة رهط د. بديعة القشاعلة ادان الحدث برمته ورأى انه لا يمت لدين الاسلامي او العادات والتقاليد البدوية بصلة حيث قال :" ان ما حدث في مدينة بئر السبع امس هو امر غير سليم ومستنكر وفي اعتقادي لا يعد فعل بطولي ابدا بل هو فعل يسيء للمجتمع العربي في الداخل الاسرائيلي ويسيء ايضا للاسلام الحنيف ، ان قتل الابرياء خاصة النساء والعزل هو في اعتقادي لا يعتبر امر بطولي ابدا لا من قريب ولا من بعيد بل هو مسيء ومخجل وهو يسيء لجميع الناس ، الذين يذهبون الى اعمالهم في بئر السبع او يتعلمون في الكليات والجامعات ، الذبن يعيشون في مدينة بئر السبع ، هذا فعل يخل بالنظام بشكل كبير جدا واتمنى من الله ان يهديء النفوس والله المستعان".

المحامي ومدير كلية مركز النقب الاستاذ سليمان الطلقات والذي يدير كليته في بئر السبع ويمارس اعماله فيها منذ سنوات طويلة قال:" لا شك بأن الحادث الاليم بالامس سوف تكون له تداعيات كثيرة وسوف يمس بالعلاقات العربية اليهودية في مدينة بئر السبع ، حيث انها عاصمة التقب ومركز الحياة للمجتمع العربي في النقب في كافة القرى والبلدات العربية المحيطة بالمدينة ، العلاقات التي ربطت اليهود والعرب في المدينة على مدار عشرات السنوات هي علاقات احترام متبادل وتسامح وعلاقات تجارة جيدة ، وتشكل بئر السبع للعرب مركز الحياة من حيث الخدمات ، مثل الخدمات الصحية والتعليم والمؤسسات الاكاديمية والبنوك والاسواق والعديد من الخدمات المهمة للمجتمع العربي، وبالتالي لا يمكن للمجتمع العربي ان ينقطع ولو ليوم واحد عن بئر السبع، لذلك نحن نناشد كل العقلاء من الطرفين ان يحاولوا الوقوف صفا امام جميع الجهات اليمينية المغرضة التي تحاول استغلال هذا الحدث الاليم للتحريض ضد اهلنا العرب في النقب ".

من ضمن المعقبين على الحدث كان الناشط طلال سليمان القريناوي مؤسس منتدى رهط بلدي والذي تواجد خلال حديثنا معه في بئر السبع في جلسة مع نشطاء يهود لايجاد الية لتقريب وجهات النظر وتجاوز الازمة الواقعة بسبب الحدث ، يقول طلال :"طبعا العلاقة بين اليهود والعرب في بئر السبع هي هامة جدا نحن نعيش في مدينة واحدة مع بعضنا البعض ويجب علينا الحفاظ على هذه المعيشة الكريمة ولا يجوز لاي منا ان يعتدي على الاخر ، طبعا هذا الحدث نستنكره جميعا وهذا ليس اخلاقيا ، اوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في الحروب ان لا نقتل امرأة او شيخا كبيرا ولا مريضا او وليدا او صبيا او ان نقطع حتى شجرة ، وهذا من ناحية الدين الاسلامي الحنيف لا يجوز لاحد من المسلمين الاعتداء على اي شخص بمثل هذا السلوك الهمجي ،انا الان في بئر السبع مع مجموعة من النشطاء اليهود نحاول العمل على الية لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر لمنع ترك المجال مفتوحا للمتطرفين الذين صعدوا على هذه الموجة في محاولة للتحريض على المواطنين العرب " .
رغم ذلك ما تزال مدينة بئر السبع تشهد حالة من الهدوء المشوب بالحذر الشديد ، وخلال ساعات النهار كانت هنالك تظاهرة لنشطاء من اليمين المتطرف الا انها انتهت بهدوء لعدم وجود اي احتكاكات مع مواطنين عرب، والذين بدورهم امتنع غالبيتهم عن التوجه لبئر السبع الا للضرورة القصوى.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]