كشفت دراسة جديدة أجرتها الباحثتين د. أنتيغونا أشقر ود. ميخال ألموغ-بار، كجزء من التعاون بين معهد دراسة المجتمع المدنيّ والتبرّع التابع للجامعة العبريّة، وجمعيّة "أمانينا"، أنّ واحدًا من كلّ خمسة مواطنين من المجتمع العربيّ قام بالتطوّع خلال أزمة الكورونا (19% من المواطنين العرب)، وأنّه تقريبًا نصف المواطنين العرب تبرّعوا ماليًّا خلال هذه الفترة (53% من المواطنين العرب). كان معدّل التبرّع عاليًّا ووصل معدّله إلى 5,600 شيكل، وارتفع بحوالي ثلاثة أضعاف مقارنة بمعدّل مبلغ التبرّع في الفترات العاديّة (2,000 شيكل). أفاد حوالي نصف المواطنين العرب أنّهم تبرّعوا بمنتجات (46%) وعن ارتفاع مبالغ التبرّعات خلال الأزمة مقارنة بالتبرّعات في الأوقات العاديّة (46%). أُجريت الدراسة، التي تناولت أنماط التطوّع والتبرّع في المجتمع العربيّ خلال فترة الكورونا، على عيّنة تمثيليّة للمجتمع العربيّ في إسرائيل.
تُظهر الدراسة أنّ نسبة العمل التطوّعيّ والتبرّع كانت أعلى بين الرجال والأشخاص الحاصلين على تعليم عالٍ. في حين أنّ نسبة التبرّع كانت أعلى عند المتديّنين، كانت نسبة العمل التطوّعيّ أعلى عند غير المتدينين. كانت مبالغ التبرّعات أعلى بين الأشخاص الذين يسكنون في بلدات في مركز البلاد، بينما كانت نسبة العمل التطوّعيّ أعلى في منطقتيّ الشمال والجنوب. مقارنةً بالماضي، لوحظ أيضًا ارتفاع في نسبة التطوّع لصالح أشخاص لا يعرفهم المتطوِّع. كانت مجالات التطوّع والتبرّع المركزيّة للفقراء والأشخاص الذين في ضائقة، وللمسنّين والأولاد، ولنشاطات في مجالات التعليم والدين. عبّر المتطوّعون في المجتمع العربيّ عن اكتفاء عالٍ نسبيًّا من تطوّعهم، وأشارت نسبة كبيرة من المُستَطلّعين (90%) أنّهم ينوون مواصلة العمل التطوّعيّ، وهذه نتيجة أخرى تُشير إلى الإمكانات الكبيرة الكامنة في التطوّع في المجتمع العربيّ.
الشبكات الاجتماعيّة عبر الإنترنت مهمّة كوسيلة لتجنيد المتطوّعين. أشار 22% أنّهم وصلوا إلى التطوّع عن طريق الشبكات الاجتماعيّة. على الرغم من أنّ العمل التطوّعيّ التقليديّ، وجهًا لوجه، ما زال مهمًّا (أشار 88% أنّهم تطوّعوا بهذه الطريقة)، يبدو أن التطوّع عبر الهاتف أو شبكة الإنترنت – وهي وسائل كانت مُتاحة خلال فترة الإغلاقات في أزمة الكورونا – توسّعت في المجتمع العربيّ (إذ أشار 30% من المتطوّعين أنّهم تطوّعوا باستخدام هذه الوسائل)، وخصوصًا بين النساء، والمتطوّعين الأكثر تعليمًا والمتطوّعين العاملين. من المثير للانتباه أنّ استخدام هذه الوسائل ليس من نصيب الشباب فقط، وهو بارز أيضًا بين شرائح عمريّة أخرى.
عند فحص دوافع التطوّع، نجد أنّ القيم والمعتقدات الدينيّة هي الدوافع المركزيّة للتطوّع. مع ذلك، من المثير أنّ التفاعل الاجتماعيّ يُشكِّل دافعًا أكثر أهميّة للتطوّع لدى الشباب. تُشير هذه النتيجة إلى الإمكانات الكامنة في العمل التطوّعيّ كفعاليّة اجتماعيّة لدى الشباب، وتثير الحاجة إلى تطوير أطر تطوّع للشباب تلبّي الحاجة للتفاعل الاجتماعيّ، وخصوصًا للشباب في ضائقة، مثلًا، المجموعة الأكبر في المجتمع العربيّ (حوالي 40%) المكوّنة من شباب "خاملين"، أي من دون عمل أو تعليم أو اطار تدريبي مهني أو غيره.
تُشير نتائج الدراسة إلى أنّ المواطنين من المجتمع العربيّ غير راضين عن معالجة مؤسسات الدولة والسلطات المحليّة في المجتمع العربيّ لأزمة الكورونا. يعتقد 86% أنّ معالجة الدولة لمشاكل المجتمع العربيّ خلال هذه الفترة كانت متوسّطة أو دون المتوسّطة، ويعتقد 83% أنّ معالجة السلطات المحليّة لهذه المشاكل كانت متوسّطة أو دون المتوسّطة.
قد تفسّر هذه النتائج نسب التطوّع والتبرّع العالية التي شهدناها خلال أزمة الكورونا، مقارنة بالأوقات العاديّة. برز أيضًا شعور بعدم الثقة بالسلطة المركزيّة والسلطة المحليّة بما يتعلّق بمعالجة الأزمة، ويُضاف هذا الشعور إلى الصراع المستمرّ بين المجتمع العربيّ كأقلية عربية فلسطينية أصلانية وبين مؤسّسات الدولة، ويُشير إلى شعور متواصل بالتميّيز ووجود فجوات مقارنةً بالسكّان اليهود.
تُشير الدراسة إلى أنّه كان للتطوّع والتبرّع في المجتمع العربيّ خلال أزمة الكورونا أهميّة كبيرة من ناحية النطاق، والتنوّع السكّانيّ، ومجموعات الجيل التي كانت جزءًا من هذا المجهود، وتنوّع أهداف ،ومتلقّي التبرّعات والتطوّع. يلاحظ أيضًا تنوّع وسائل التطوّع مقارنة بتجربة الماضي.
لا شكّ أنّ التبرّع والتطوّع أسهما كثيرًا في توفير حلول للأشخاص الذين يعانون من الفقر أو الضائقة، وللمسنّين، وللتلاميذ، ولمجموعات أخرى. كان للعمل التطوّعيّ وللتبرّعات أهميّة كبيرة، خصوصًا لأنّ الحديث يدور عن مجتمع مُستضعَف كانت نسبة الإصابات والوفيّات من الكورونا فيه عالية، كما أنّه يعاني من نسب عنف كبيرة في البلدات العربيّة، والذي تفاقمت المشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة الصعبة التي يُعاني منها في الفترات العاديّة خلال فترة الأزمة، وذلك من دون توفير أيّ حلول ملائمة على مستوى الدولة. مع ذلك، وعلى الرغم من أنّ العمل التطوّعيّ والتبرّع هما موردان مهمّان للمجتمع العربيّ ويسهمان في تقويته وتعزيز حصانته، إلّا أنّهما غير كافيين لاستبدال مسؤوليّة الدولة والحكم المحلّيّ في معالجة المشاكل العميقة والمستمرّة في المجتمع العربيّ بشكلٍ شاملٍ، ولا يمكن التوقّع بأن يستبدل العطاء مكانة الدولة في تطوير حلول ملائمة لاحتياجات المجتمع العربيّ في أوقات الطوارئ والأوقات العاديّة.
تشهد التعبئة المثيرة للإعجاب في فترة أزمة الكورونا إلى أهميّة قوّة العطاء الكامنة في المجتمع العربيّ في البلاد، وعلى الإمكانات الكبيرة لزيادة التطوّع والتبرّع فيه. كما تُشير إلى رأسمال اجتماعيّ آخذ في الازدياد والتوسّع إلى ما بعد حدود الحمولة والعائلة، وإلى تضامن داخليّ كبير داخل المجتمع. مع ذلك، ومن أجل أن يتمّ تحقيق هذه الإمكانات ومن أجل الحفاظ على أن تستمر نسبة التعبئة المجتمعيّة العالية التي تكون خلال الأزمات في الأوقات العاديّة أيضًا، هناك حاجة لتطوير بُنى تحتيّة ملائمة للتطوّع والتبرّع في المنظّمات الأهليّة العربيّة، وفي السلطات المحليّة، وفي مؤسّسات التعليم، والمؤسّسات الجماهيريّة، والمؤسّسات الدينيّة. من المهم أيضًا تطوير أدوات وبُنى تحتيّة تكنولوجيّة ملاءمة للتطوّع والتبرّع لمساعدة المنظّمات التي تتناول هذا الموضوع، ولرفع وعي المجتمع حول وجود هذه الأدوات، والتشجيع على استخدامها.
من الجدير الانتباه بشكلٍ خاصّ لمجموعة الشباب. يبدو أنّ هناك مجال لتطوير برامج تطوّع عينيّة للشباب، وخصوصًا الشباب في ضائقة في المجتمع العربيّ.
[email protected]
أضف تعليق