بعد مرور عام على كارثة النهر الجليدي في الهند، نُشرت دراسة جديدة وجدت أن معدل ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا هو الأسرع في العالم. كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة وهل فات الأوان لوقفها؟

چيلي كوهن, زاڤيت

في فبراير 2021 ,انفصل نهر " ناندا ديفي" الجليدي عن جبال الهيمالايا وتسبب في إطلاق كميات كبيرة من المياه المحتجزة تحت الجليد. وكانت النتيجة فيضانات مفاجئة ضخمة، قتلت أكثر من 200 شخص في مقاطعة "شاموليفي" في ولاية "أوتارانتشال" شمال الهند. وألحقت أضرارًا بمئات الملايين من الدولارات في البنية التحتية للكهرباء. وجد فريق دولي من الباحثين، أن كمية الطاقة المنبعثة أثناء انفصال النهر الجليدي فوق وادي "رونتي جاد" كانت شبيهه ل 15 قنبلة ذرية مثل قنبلة هيروشيما.
أن ذوبان الأنهار الجليدية التي تسببت في هذه المأساة هو بلا شك، أحد أكثر الظواهر الملموسة لتأثيرات أزمة المناخ على الإنسان ويتنبأ العلماء بأن أزمة المناخ ستسبب كوارث طبيعية، مثل: الفيضانات المميتة في الهند التي تحدث بشكل متكرر.
ووجدت دراسة جديدة أجرتها مجموعة من الباحثين من جامعة ليدز في إنجلترا، نُشرت في ديسمبر 2021 في مجلة Scientific Reports، أن معدل ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا هو الأسرع في العالم. عند الحديث عن تأثير أزمة المناخ على الأنهار الجليدية، فإننا نتحدث عن الأنهار الجليدية الموجودة في أقطاب الأرض، حيث توجد أكبر خزاناتها، ولكن في الواقع يمكن العثور على الأنهار الجليدية في سلاسل الجبال في جميع القارات باستثناء أستراليا. ومنطقة سلسلة جبال الهيمالايا، حيث تسمى "القطب الثالث" بسبب العدد الكبير من الأنهار الجليدية فيها، ويقدر أن حوالي 600 مليار طن من الجليد تتراكم على طول التلال. يمكن أن يتراوح عمر الأنهار الجليدية الأرضية من مئات إلى آلاف السنين، وبالتالي يمكن استخدامها لدراسة تطور مناخ الأرض بمرور الوقت.

جميع الأنهار الجليدية في تراجع

منذ نهاية القرن التاسع عشر، حدث انخفاض في عدد الأنهار الجليدية في العالم، ويربط علماء الجليد هذه الظاهرة بسبب زيادة في انبعاث غازات الاحتباس الحراري التي تؤثر على تغير المناخ. اليوم، تتراجع جميع الأنهار الجليدية على الأرض، وفقدت جبال الهمالايا، ما يقارب 509 أنهارًا جليدية في الخمسين عامًا الماضية. "ما يحدد معدل الذوبان هو التوازن بين الكمية التي تدخل وكمية الذوبان. لا يعني ذلك أنه لا يوجد تجديد مفاجئ على الإطلاق! هذا الأمر يحدث في جبال الهمالايا ومناطق أخرى، مثل جبال الأنديز، حيث محميات طبيعية بأكملها تحولت من أنهار جليدية إلى بحيرات". بحسب ما يقول البروفيسور يوآف يائير, عميد كلية الاستدامة في جامعة رايخمان: " في الواقع, هناك عجز متزايد. بواسطة الدراسة الجديدة التي تتعامل مع قياسات جديدة نتمكن من الوصول إلى أرقام دقيقة، والتي تشير للأسف إلى معدل ينذر بالخطر لفقد الجليد، وهو مؤشر آخر لتغير المناخ".

ارتفاع مستوى سطح البحر

أيضاً وجد فريق البحث في عمله أنه في العقود الأخيرة فقدت الأنهار الجليدية في الهيمالايا كتلتها في المتوسط بمعدل أسرع بعشر مرات مما كانت عليه خلال العصر الجليدي الصغير. يوضح الدكتور دوتان روتيم, عالم البيئة في سلطة الطبيعة والمتنزهات: " نحن في فترة بين جليدية, حيث حدث العصر الجليدي الأول منذ حوالي 22000 عام، منذ أن شهدنا تراجع الأنهار الجليدية، وذوبان الجليد على نطاق واسع، وارتفاع مستويات سطح البحر". يضيف د.دوتان الذي بحث ظاهرة، ذوبان أراضي القطب الشمالي. "منذ حوالي 700 عام, بدأت عملية التبريد العالمي, بحيث بدأت الأنهار الجليدية التي كانت في طور التراجع في التراكم مرة أخرى. منذ العصر الجليدي الصغير، وهي الفترة التي حدثت بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر، وحتى أكثر من ذلك في العقود الأخيرة، نشهد مرة أخرى عملية احترار يتسارع فيها الإنسان، مع إضافة غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي. ويمكن أيضا رؤية عواقب هذا الاحترار في جبال الهيمالايا ".

قامت الدراسة البريطانية الجديدة بمسح حوالي 15000 نهر جليدي، وقد قدر العلماء أنهم فقدوا حوالي 586-390 ألف جالون من الجليد، مقارنة بـالجليد الذي غطى جبال الهمالايا في العصر الجليدي الصغير. هذا المقدار يساوي كل الجليد الموجود في جبال الألب والقوقاز والدول الاسكندنافية مجتمعة. في الواقع، فقدت الأنهار الجليدية حوالي 40 في المائة من مساحتها خلال هذا الوقت.

انضم إلى هذا التقرير ملاحظات من باحثون بريطانيون وأمريكيون خلال ديسمبر الماضي تفيد باكتشاف شقوق جديدة في القارة القطبية الجنوبية في نهر جليدي يسمى ثويتس، المعروف أيضًا باسم "Doomsday Glacier". يفقد النهر الجليدي، بحجم بريطانيا، حوالي 50 مليار طن من الجليد كل عام. والخوف هو أنه في غضون خمس سنوات يمكن أن تنفجر أجزاء كبيرة منه ويتم إطلاقها في المحيط. أيضاً يعتقد الباحثون أن فك هذا الارتباط يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع نصف متر في مستوى سطح البحر. أحد آثار ذوبان الأنهار الجليدية (أو كما في حالة Doomsday Glacier) هو زيادة مستوى سطح البحر. تؤثر هذه الزيادة على التجوية الساحلية (فقدان المناطق الساحلية نتيجة للتيارات والأمواج في البحر) وتزيد من مخاطر العواصف مثل الأعاصير والعواصف. في الواقع، قدر فريق البحث البريطاني أن الجليد الذي ذاب في جبال الهيمالايا تسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر في جميع أنحاء العالم بمقدار 1.38-0.92 ملم. وأكد الدكتور سايمون كوك، الباحث المشارك للدراسة، أن "الدراسة هي تأكيد إضافي على أن التغييرات تحدث بمعدل متزايد، وأنها ستؤثر على دول ومناطق كاملة".

الدول النامية هي المتضررة الأكبر

تمتد سلسلة جبال الهمالايا على مساحة تزيد عن 2400 كيلومتر وهي مصدر 10 أنظمة أنهار رئيسية في آسيا، بما في ذلك نهر الغانج ونهر ميكونغ، والتي تستهلك على يد 1.8 مليار شخص للري والشرب وإنتاج الطاقة. حدد باحثي الدراسة مناطقها الشرقية، التي تقع في إقليمي بوتان ونيبال، حيث يكون معدل الذوبان مرتفعًا بشكل خاص. يؤدي ذوبان الأنهار الجليدية إلى إنشاء بحيرات جليدية، والتي تتكون من الأنهار الجليدية الذائبة. حيث يؤدي المعدل المتزايد لذوبان الأنهار الجليدية إلى تراكم سريع لكميات كبيرة من المياه، والتي تتراكم بفعل السدود الطبيعية. ووفقًا للدراسة، فإن الذوبان المستمر للأنهار الجليدية والزلازل والانهيارات الثلجية اضافةً للطقس القاسي يمكن أن يتسبب في انهيار السدود ما ينتج عنه فيضان خطير يضر بحياة الإنسان والتنوع البيولوجي والزراعي والأهم حياة وسبل عيش مئات الملايين من الناس والحيوانات والنباتات التي تعتمد بشكل مباشر على الأنهار الجليدية في جبال الهمالايا.
يقول د.روتم: "نحن نخلق عمليات تدمير لكل من التنوع البيولوجي والنظم البيئية، والتي تفشل في تحقيق التوازن بين عمليات تغير المناخ". "إن تدمير البيئة يصل لدرجة أنه حتى لو تمكنت النظم البيئية من دعم هذه التأثيرات أو تخفيفها فإننا اليوم نخلق نوعًا من كرة الثلج التي تدمر كل شيء! هذه التأثيرات تضر البشر بشكل مباشر أيضًا".
إن الفيضان الرهيب الذي أحدثه نهر "ناندا ديفي" الجليدي هو مجرد مثال إضافي للحقيقة أنه على الرغم من أن العالم بأسره يتعرض للآثار المدمرة لأزمة المناخ، فإن البلدان النامية هي في المقدمة وأول من يعاني منها، حيث قدرتهم على التعامل مع الآثار أقل. يشير تقرير للأمم المتحدة, أن البلدان النامية تتكبد خسائر اقتصادية أكبر بثلاث مرات نتيجة للكوارث الطبيعية المتعلقة بأزمة المناخ مقارنة بالدول المتقدمة. بالإضافة إلى ذلك وفقاً للبيانات نرى أن البلدان المتقدمة هي المساهم الرئيسي في انبعاث غازات الاحتباس الحراري للفرد.
إليكم المعطيات: الصين (12 جيجا طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في 2018) -الولايات المتحدة (6 جيجا طن) -الاتحاد الأوروبي (3.6 جرام). فقط من أجل المقارنة، مع مجموعة من البلدان الجزرية الصغيرة فهي مسؤولة عن انبعاث 0.26 جيجا طن فقط من ثاني أكسيد الكربون (مجموعة من 52 دولة وإقليم من منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ والمحيط الهندي وأفريقيا، التي تتعرض لمخاطر الفيضانات والعواصف نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر).
في اتفاقية المناخ التي تم التوقيع عليها في مؤتمر جلاسكو، تعهدت الدول المتقدمة بتحويل مليارات الدولارات إلى الدول المتطورة لصالح مكافحة تغير المناخ، لكن التصريحات المماثلة من السنوات السابقة لم يتم الوفاء بها بالكامل من الناحية العملية. كان من المفترض أن تساعد هذه الأموال في مشاريع الطاقة المتجددة، ولكن منذ عام 2013 لم تصل إلى الهدف السنوي البالغ 100 مليار دولار في الاستثمار العالمي سنويًا.

"التقرير من اعداد زاڤيت - وكالة أنباء الجمعية الإسرائيلية لعلوم البيئة والمناخ."

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]