عُقد مساء السبت، في قاعة “ميس الريم” بقرية عرعرة (المثلث الشمالي)، مؤتمر للأئمة والدعاة تناول “دور الأئمة والدعاة في إفشاء السلام في المجتمع”، وذلك بدعوة من المجلس الإسلامي للإفتاء في الداخل الفلسطيني بالتعاون مع مركز إفشاء السلام المنبثق عن لجنة المتابعة العليا.شارك في المؤتمر حشد غفير من أئمة المساجد والدعاة والداعيات ورجالات الإصلاح من مختلف البلدات العربية في الداخل الفلسطيني.استّهل المؤتمر بتلاوة آيات من القرآن الكريم للشيخ نضال أبو شيخة إمام مسجد “الشافعي” في قرية عارة، فيما أدار منصة المؤتمر الأستاذ توفيق محمد جبارين عضو لجنة المتابعة العليا، رحّب الحضور وأكد على أهمية المؤتمر في تأصيل معاني الأمن والأمان وإفشاء السلام في مجتمعنا العربي في الداخل الفلسطيني.
وكانت الكلمة الأولى للشيخ مشهور فواز، رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء في الداخل الفلسطيني مرحبا بالحضور وأكد أن رسالة المسجد يجب أن تكون شاملة لكل الجوانب، وقال: لمّا كان المسجد ينظّم علاقة الفرد بالفرد وعلاقة الفرد بالأسرة والمجتمع ساد السلم الأهلي والمجتمعي، لأنه بدونه لا يمكن أن نخوأضاف أن واجب الوقت والساعة والمرحلة هو أن يكون السلم الأهلي في سلم أولوياتنا الفقهية والدعوية من خلال “توحيد خطبة الجمعة بحيث تتناول في كل أسبوع موضوعا مختلفا يحقق السلم الأهلي في مجتمعنا”.وشدّد على ضرورة تعميق فهم الاختلاف وقبول الآخر، طالما أنّ النص الشرعي يحتمله، حتى لو كان الاحتمال مرجوحًا.ودعا إلى تعميق فقه الأولويات وتقديم الأصول على الفروع والواجبات والأركان على الهيئات، مدللا على ذلك بمثال حين سئل الشيخ محمد الغزالي العالم المعاصر، عن لبس الساعة في اليد اليمنى أم اليسرى فأجاب: اصنعها ثمّ البسها برجلك.وحذّر الأستاذ الدكتور مشهور فواز من الغلو في التكفير والتفسيق والتضليل، وقال إن الغلو قد يؤدي إلى قتل الأخ لأخيه وهو يظنّ انه يتقرب إلى الله، مدللا بذلك على قول للشيخ محمد الغزالي: ترك كافر في الحياة أهون من إراقة محجم مسلم خطأ.موضحا أن، خطاب تغليب الرحمة على خطاب الفتنة وتقديم خطاب الأمر بالمعروف هو ما نحتاجه في مجتمعنا.وحثّ الأئمة والدعاة إلى تعاهد المدارس والبيوت بالزيارات وإشراكهم في إصلاح المجتمع، كذلك دعا إلى إصلاح دور المحاكم الشرعية في المجتمع وترشيد دور المحكمين في مسائل الخلافات الزوجية، مقترحا على لجنة إفشاء السلام القطرية ولجنة المتابعة تنظيم مؤتمرات تتناول دور المحكمين والمحامين وغيرها من المؤتمرات لباقي الشرائح المجتمعية بهدف تذويت إفشاء السلام في العقول والقلوب بالمجتمع إلى الأمام.
في ختام كلمته، شكر الأستاذ الدكتور مشهور فواز، الحضور، رجالا ونساء، وقال “عسى أن نكون من خلال هذا المؤتمر الخروج ولو بخطوة واحدة عملية لنوقد شمعة وسط الظلام بدل أن نبقى نلعن الظلام”.ثمّ كانت كلمة ترحيبية من المحامي مضر يونس، رئيس المجلس المحلي عرعرة عارة ورئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، ثمّن جهود العاملين على مشروع إفشاء السلام وفي مقدّمتهم الشيخ رائد صلاح.
وقال إنه كما يفكر العالم اليوم في كيفية وقف الحرب في أوكرانيا نلتقي اليوم للتفكير في كيفية الحد من العنف والجريمة في مجتمعنا، وأضاف “كما فهمت من المشروع فهو يهدف إلى منع العنف من خلال معالجة الأزمات التي يمكن أن تتطور إلى عنف، وهذا أهم شيء. هذه اللجان يجب أن تدخل إلى كل مكان في مجتمعنا”.إلى جانب تحميل الشرطة مسؤولياتها في انتشار العنف، دعا يونس إلى بناء حصانة لمجتمعنا من خلال لجان إفشاء السلام.الأستاذ محمد بركة رئيس لجنة المتابعة، حيّا الحضور، مشيدا بالمؤتمر وأهميته لبث رسالة السلام في المجتمع، وقال إن الفئة المنخرطة في العنف والإجرام في مجتمعنا العربي هي شرذمة قليلة تشكل أقل من 1% ولا يعقل أن تسيطر على حياتنا.
وأضاف أن الجهات التي تمارس العنف مدفوعة من الجهات الرسمية الإسرائيلية حتى ينشغل مجتمعنا بنفسه وأمنه وأمانه بدل الانشغال في مواجهة المخططات الإسرائيلي التي تستهدف شعبنا في مناحي حياته.ودعا إلى تطوير ما وصفه بـ “المناعة المجتمعية” لأن ذلك كفيل في الحد من ظاهرة العنف والجريمة ووقف تمددها.وشدّد على أنه يمكن للأئمة القيام بدور عظيم في بناء المجتمع وإصلاحه من خلال صلتهم اليومية بالناس عبر المسجد ومنبر الجمعة، مشيدا بـ “الرؤية المتكاملة” التي طرحها الشيخ مشهور فواز في كلمته.في الختام، حيّا بركة الشيخ رائد صلاح الذي انطلق فور خروجه من السجن في مهمة بناء لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني دون أن يعطي لنفسه وقتا للراحة، مؤكدا أن كل مكوّنات لجنة المتابعة تدعم هذا المشروع.ثمّ كانت كلمة للداعية سوسن مصاروة، ودعت إلى تحصين المجتمع عبر بث القيم النبيلة التي حضّ عليها الإسلام في القرآن الكريم وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.وحمّلت المؤسسة الإسرائيلية مسؤولية استفحال العنف في المجتمع العربي.
كما حثّت على تعزيز دور المرأة وإشراكها بعملية الإصلاح ورفع راية إفشاء السلام في المجتمع والأسرة، كما دعت المرأة إلى أن تكون قدوة حسنة صالحة في بيتها ومجتمعها لتكون قادرة على إحداث التغيير المنشود وبناء الأسرة على القيم النبيلة.
الكلمة الختامية في المؤتمر، كانت للشيخ رائد صلاح رئيس لجنة إفشاء السلام القطرية المنبثقة عن لجنة المتابعة، رحّب بالحضور شاكرا تلبيتهم دعوة المؤتمر، مؤكدا أن لجان إفشاء السلام قامت لخدمة كل المجتمع العربي الفلسطيني بالداخل بدون استثناء “بهدف توفير الأمن والأمان لكل طفل من أطفالنا سواء كان من الأهل المسلمين أو الأهل المسيحيين أو الأهل الدروز” كما قال:" وجدّد دعوته إلى تشكيل لجان إفشاء سلام محلية في كل البلدات العربية وقال “إن لجان إفشاء السلام ليست ملكا لأحد وهي تحت سقف لجنة المتابعة واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية”.
وأعلن- الشيخ رائد- عن قرب بناء لجان إفشاء السلام في الداخل وفق الرؤية التي وضعتها الإدارة العامة، وعن المرحلة القادمة بالانخراط في بناء لجان إفشاء سلام شبابية، نسائية ومدرسية.
وشدّد على أن الهدف من المشروع هو النشاط في الميدان وليس التنظير والكلام.وزاد أن المؤتمر هو البداية نحو بناء قيادة دينية عامة من القيادات الدينية المسلمة والمسيحية والدرزية موضحا أن المرحلة القادمة ستكون مؤتمرات من هذا القبيل عند الأهل المسيحيين والدروز.وتطرق إلى استراتيجية لجان إفشاء السلام بأبعادها الوقائية والعلاجية والردعية.وأشار الشيخ رائد إلى ميثاق السلم الأهلي في مسيرة شعبنا في الداخل والذي أعدته الإدارة العامة للجان إفشاء السلام، وأن هذا الميثاق سيدخل في المرحلة المقبلة البلدات العربية ودعوة الأهالي في كل بلدة إلى التوقيع عليه كمرجعية لكل بلدة والتعاهد فيما بين الناس على الالتزام به.
ثم ختم الشيخ رائد كلمته بالتنويه إلى الدور المنشود من الأئمة في مساجدهم وداخل المجتمع وقال: نطمع أن يكون الإمام، إماما للمسجد وفي المجتمع، وأن يكون إماما للمصلين خارج المسجد من خلال حمل رسالة إفشاء السلام بكل أبعادها، وأن يحيي القيم النبيلة في مسيرة مجتمعنا، لأن دور الإمام لا ينتهي عند نهاية الصلاة ولا عند الخروج من المسجد. فهذا هو دور الإمام وفق روح الإسلام والقرآن والسيرة النبوية.
[email protected]
أضف تعليق