أعلن رئيس الحكومة ووزير المالية ووزيرة الإقتصاد في مؤتمر صحفي قبل عدة أيام، عن "خطة إقتصادية" لمحاربة غلاء المعيشة، على حد تعبيرهم وتصريحهم. وتشمل هذه الخطة خمسة بنود، أولها إضافة نقطة تزكية لكل والد، أجير ومستقل على حد سواء، عن كل ولد له يتراوح عمره بين السادسة والثانية عشر عاما. ألبند الثاني يود أم يزيد دعم الدولة للوالدين الذين يسددان رسوم "براعم الظهيرة-צהרונים"، شريطة أن يسكن الوالدان في بلدة عنقودها الاجتماعي-الاقتصادي هو 4-5.
أما ألبند الثالث فيريد أن يزيد هبة العمل (ضريبة الدخل السلبية) لذوي الرواتب المحدودة التي تقل عن 6،200 شاقلا، بنسبة 20%. البند الرابع يتحدث عن تخفيض نسبة ارتفاع سعر الكهرباء المتوقع من 5.7% إلى 3.4% فقط، وأما البند الأخير فيعلن عن إلغاء ضريبة الجمارك على العديد من السلع كأدوات المطبخ، ألأثاث المنزلي، قطع غيار السيارات، ماكنات الغسيل، أللحوم، ألبيض، زيت الزيتون وغيرها.
حول هذه الموضوع حاور مراسل موقع "بكرا" مراقب الحسابات، ومحاضر وخبير إقتصادي وقانونية: د. عصمت وتد.
كيف تنظر إلى هذه الخطة، وهل حقا ستساهم في خفض غلاء المعيشة؟
بداية ذي بدء، أقولها بصريح العبارة أن هذه الخطة بعيدة كل البعد عن كونها خطة إقتصادية، ولا يصح إلا أن نسميها خطة سياسية جلية بينة، هدفها إخماد نار الإحتجاج الجماهيري المرتقب وإطفاء غليان الشارع وشبكات التواصل الاجتماعي الغاضبة الصارخة. فهذه الخطة شبيهة بدواء مسكن مهدئ لمريض بمرض مزمن يهدد حياته. هذه خطة ارتجالية عفوية سريعة مستعجلة، بعيدة بعد السماء عن الأرض في مهنيتها، لا صلة لها بمعضلة غلاء المعيشة من ناحية، وتقهقر الاقتصاد وتدهوره إلى تضخم مالي خطير قريب. ومعارضة كبار أهل الإحتصاص في الاقتصاد، داخل وزارة المالية وخارجها، تشهد على كونها سياسية لا اقتصادية.
هل ستستفيد الطبقات الفقيرة من هذه الخطة؟
للأسف الشديد لا علاقة بين معظم بنود هذه الخطة وبين معاضدة ومساندة الطبقات الفقيرة المسحوقة المسكينة عامة، ومجتمعنا العربي خاصة. ومن الجدير أن ننوه هنا ما نشرته مؤسسة التأمين الوطني في تقريرها السنوي قبل شهرين حول أبعاد الفقر وعدم المساواة في الدخل. فوفقا لذلك التقرير، نرى أن 57% من العائلات العربية تقبع تحت خط الفقر، وأن معدل الدخل السنوي للعائلة العربية هو 39،579 شاقلا (مقابل 78،103 شاقلا للعائلة اليهودية)، وأن معدل راتب للرجل العربي هو 8،800 شاقلا (مقابل 14،200 شاقلا للرجل اليهودي)، وأن راتب المرأة العربية هو 6،300 شاقلا فقط (مقابل 9،700 شاقلا للمرأة العاملة اليهودية).
فهذه المعطيات البخسة الهزيلة لا توصل معظم العاملات والعاملين العرب إلى الحد الأدنى لدفع ضريبة الدخل التصاعدية، ولذا فما الجدوى وما المرمى من إعطائهم نقاط تزكية لأولادهم المتراوحة أعمارهم بين 6-12، كما ورد في البند الأول من الخطة سالفا؟ فالذي لا يدفع ضريبة الدخل لقلة حجم دخله ليس بحاجة لنقاط تزكية لإعفائه عن تسديد ضريبة لا يدفعها بالأصل, من هنا فالبند الأول جميل كشعار رنان ليس إلا.
كذلك الأمر بالنسبة للبند الثاني الذي يدعو لزيادة الدعم للعائلات التي تسدد لرسوم الظهيرة في بلدات عنقودها الاجتماعي-الاقتصادي بين 4-5. ألا يعلم مبتكرو هذه الخطة أن الطبقات الفقيرة من المجتمع تعيش في بلدات عنقودها الاجتماعي-الاقتصادي يتراوح بين 6-10؟ وأن معظم بلداتنا العربية قابعة في هذه العناقيد التعيسة؟ من هنا فالمستفيدون الحقيقيون من هذا البند هم أبناء الشريحة المتوسطة، لا الفقيرة الدنيا من أبناء مجتمعنا.
أما البند الرابع الذي سيقلص نسبة ارتفاع سعر الكهرباء المتوقعة من 5.7% إلى 3.4% فقط، فلا يحمل في جعبته أي بشرى للطبقات الفقيرة، إذ لا يحمل في طياته أية معونة مادية واية هبة ملموسة، إلا وعدا مستقبليا بتقليص نسبة ارتفاع تكلفة الكهرباء. ألبند الوحيد الذي من الممكن أن يساعد الطبقات الفقيرة عامة والعربية خاصة، هو البند الثالث المذكزر أعلاء، والذي يتحدث عن زيادة نسبة هبة العمل (ضريبة الدخل السلبية) لذوي الرواتب المحدودة، التي تقل عن 6،200 شاقلا، بنسبة 20%. فهل هذا يكفي لمؤازرة ومعاضدة تلك الطبقات الفقيرة في ظل جائحة الغلاء التي بدأت ترفع رأسها المخيف في الأسابيع الأخيرة؟ كلا وألف كلا !!!
كيف يمكن مواجهة غلاء المعيشة؟
لا يمكن محاربة جائحة غلاء المعيشة من خلال خمسة بنود هزيلة، كما ورد آنفا، وإنما من خلال سلسلة إصلاحات جذرية، أولها تعديل قانون تنمية التنافس وتقليص المركزية، الخاضع لسلطة التنافس، والتي فشلت فشلا ذريعا في محاربتها لفشل السوق المكنى "ألمركزية" في السنوات الخمس المنصرمة. في هذه السنوات سيطرت شركات كبيرة، كشركة فوكس وشوبرسال وديبلومات وباز وإلكو وغيرها، على أسواق السلع المفرقة حينما نامت سلطة التنافس في سبات عميق، فأحكمت تلك الشركات سيطرتها على السوق وقضت على فرصة تنافس الموردين الصغار معها. بهذا نجحت في تحديد الكمية المعروضة من السلع في السوق، ففرضت الأسعار على المستهلكين الاسراء.
ألإصلاح الثاني لمكافحة غلاء المعيشة هو تفكيك الشركات المحتكرة (מונופולים) وخصخصتها، بعد أن فاق عددها مئة شركة. فكونها لاعبا وحيدا بلا منافس في السوق، جعلها مسيطرة سيطرة محكمة على الكميات والاسعار، فأدى ذلك إلى فشل سوقي قضى على منظومة الأسواق الحرة والتنافس النزيه بين الموردين.
إصلاح آخر يمكنه من كبح جماح غلاء المعيشة هو تعديلات قانونية لعدة قوانين، كقانون ضريبة الدخل وإلغاء قانون تشجيع الإستثمار في رأس المال. فهذه القوانين تغدق إعفاءات وتسهيلات الضريبية لشركات غنية ثرية كبيرة تسمى "حيتان الأسواق" من ناحية، وشركات التكنولوجيا العالمية من ناحية أخرى. هذه التعديلات القانونية من شأنها أن تولد مصدرا حيويا لواردات ميزانية الدولة، فيتسنى لها تقليص حجم الضرائب المجحفة على الأفراد، وبذلك سيزداد دخلهم الصافي.
ولكن جميع تلك الإصلاحات الجذرية المفصلة أعلاه بحاجة إلى قيادة سياسية قوية رصينة، لا تخاف لومة لائم، ولا تهاب الصدام والعراك مع رؤوس الأموال، والحكومة الحالية بحلتها الجديدة بعيدة كل البعد عن قيادة كهذه.
[email protected]
أضف تعليق