اعتادت النساء الفلسطينيات منذ سنوات خلت على التزاور والتعارف في البيوت مرة في كل شهر، على ومنذ ما قبل العام 1948 كانت جلسات النساء تتم كل مرة في بيت احداهن ظن ومن هناك يتعارفن ويسمعن اخبار بعضهن البعض ، ربما أيضا يوطدن العلاقات بينهن من خلال النسب ، يناقشن الاخبار والقضايا المختلفة ، يعلقن على فيلم او مقال وكأنها جلسة نقدية وثقافية بامتياز، هذه العادة النسوية الجميلة اسمها "حلقات الاستقبال".
اليوم وبعد مرور عشرات السنوات اعادت الحفيدات احياء هذه العادة من جديد ، من باب التعارف تارة ، ومن باب التضامن بين النساء تارة أخرى ، وبالتالي كان للنقب نصيب من هذه الزيارات ، فكانت حلقات الاستقبال في كل من العراقيب وسعوة واللقية .
المشروع
روان بشارات الناشطة الاجتماعية والسياسية والعضوة في طاقم حلقات الاستقبال ، حدثتنا عن هذا المشروع بعد زيارتها لقرى النقب ضمن مجموعة نساء وصل عددها الى 30 امرأة وفتاة ، فقالت :"هي عادة متوارثة منذ ما قبل العام 1948 ، نحن كنساء قررنا ان نعيد هذه العادة من جديد ، لا نريد ان نعيدها من البيوت وانما ان نطورها بحيث تكون الحلقات بزيارات الى المدن والقرى في البلاد ، في كل شهر نزور مدينة او قرية ونسمع فيها الرواية التاريخية للبلدة من منظور نسائي ، وذلك لان التاريخ الفلسطيني بشكل خاص والتاريخ بشكل عام كتب من منظور الرجال وكان هنالك تغييب للنظور النسائي ، ومن هنا تكمن أهمية الموضوع ، حيث اننا نريد التركيز على صوت النساء وان نسمع القصة من منظورهن ، لانه يهمنا ان تكون الموضوعات التي لها علاقة بالنساء وتم تغييبها بارزة من خلالهن، لا نريد فقط ان نسمع عن بطولات وانما أيضا عن ظروف النساء ودورهن في صناعة التاريخ ، وبالتالي يتم توثيق وكتابة التاريخ من منظور نسوي ، بدأنا بمجموعة من حوالي 6 او 7 نساء واليوم وصلنا الى 150 مشتركة في حلقات استقبال، وزرنا حتى الان اكثر من 15 بلدا في الداخل وفي الضفة الغربية ، نحن مجموعة تنضم اليها النساء من كل بلد في الداخل ".
كان النقب محطة الزيارة لحلقات الاستقبال يوم السبت ال29 من الشهر الجاري، وذلك كما تقول روان :" بسبب الاحداث الأخيرة والجارية حتى اليوم في النقب ، ذهبنا بداية الى العراقيب وكان مهما لنا ان نسمع قصة هذه اللقرية التي تعرضت للهدم 197 مرة حتى الان ، هنالك التقينا بصباح وعلياء وحاكمة وهن من نساء العراقيب الناشطات ميدانيا في القرية ، سمعنا منهن عن تاريخ القرية وظروفها الحالية ومعاناة النساء من الظروف الصعبة في القرية وان هنالك عائلات قليلة بقيت حتى الان صامدة في القرية للحفاظ عليها وحمايتها من المصادرة والاستيلاء ، ورغم هذه الظروف الصعبة الا ان صباح وعلياء وحاكمة تعتقدن ان هنالك فرقا شاسعا بين الحياة في المساحات الشاسعة في العراقيب والحياة في ضائقة سكنية التي تعيشها الأزواج الشابة في رهط القريبة عند الانتقال الى هناك ، وان هذه النقلة صعبة جدا ومع ذلك تضطر بعض العائلات للتعايش معها ".
عن الجولة
علياء ابنة العراقيب قالت عن الجولة :" زيارة حلقات استقبال رائعة وبالذات ان القائمات على المشروع عن نساء ، بالذات لفت انتباهي اندفاع تيماء( عضوة طاقم) لتنسيق زيارة نسوية من هذا النوع ، هذه المرة الأولى التي اقف فيها امام مجموعة من النساء وشرحت لهن ظروف الحياة التي نعيشها كنساء في العراقيب ، المعاناة التي نعانيها ، الوالدة ام اشرف تحدثت عن حياتنا ونشاطاتنا خلال العشر سنوات الماضية ، واطلعت الضيفات على بيوتنا وطريقة حياتنا اليومية وكيف نتعايش مع الهدم وكيف نواجه الشرطة في كل مرة تحدث فيها عملية هدم ، ثم تحدثت الناشطة صباح أبو مديغم زوجة عزيز الطوري وشرحت كيف انها ربت 5 أولاد في نفس المكان مع الضائقة التي حصلت للقرية حتى اليوم ومع المحاصرة والوضع المزري ، أتوقع منهن زيارتنا مرة أخرى ، أتمنى دائما ان تكون هناك زيارات نسوية من هذا النوع دائما في القرية لان بإمكاننا تنسيق فعاليات مع بعضنا البعض لادخال الفرحة على قلوب الأطفال ، ساقوم بالتواصل مع النساء من حلقات استقبال في كل مرة يكون فيها نشاط ميداني ليشاركننا فيه ، لان حضور أي وفد نسائي للقرية يعزز صمودنا في قريتنا ويبعد عنا شبح اليأس ".
تابعت المجموعة سيرها نحو سعوة ترافقها ثلاث ناشطات من النقب هن هدى أبو عبيد وبدور العقبي وامجاد عيسى ، حفظن النقب عن ظهر قلب من خلال تواجدهن في كل نشاط وفعالية اتيحت لهن فرصة المشاركة فيها ، هدى أبو عبيد كانت تنتظر منذ زمن وصول مشروع حلقات استقبال للنقب ، وأخيرا وصل وبحضور جيد كما رأت وقالت :" اللقاء جميل وكنت انتظرهن منذ زمن طويل واتوقع حضورهن للنقب ، وأخيرا وصلن الى النقب في جولة ، وهي مجموعة تقوم بجولة مرة كل شهر في قرية او مدينة من البلاد ، كنت أتوقع حضور اكثر لكن العدد الموجود كان لا بأس به ، واكيد ان تكون لحلقات استقبال جولات قادمة في النقب ".
اما بدور العقبي التي وصفت خلال الرحلة الضائقة التي تعيشها عائلتها وتلاصق البيوت في الموقع الذي تم تهجير العائلة اليه سابقا من قرية العراقيب الموطن الأصلي لهم ، فقالت معقبة على الزيارة :" من واجبنا افشال مخطط الاستعمار بعزل اهل النقب عن الشعب الفلسطيني ، وجولة حلقات استقبال كانت البداية لافشال المخطط بمبادرة نساء من أهلنا في مدن وقرى الشمال ،لزيارة نساء النقب والوقوف معهن وهذا مهم لنا نحن كنساء بدويات بشكل كبير ، باعطائنا مساحة للحديث عن الرواية الفلسطينية في قضاء بئر السبع من وجهة نظرنا ، وضرورة التوعية بان النساء البدويات قويات وصاحبات همة عالية ، لذلك فانا احييهن على الاستقبال وحسن الضيافة الذي قمن على تحضيره للزائرات من الشمال ، وانا متأكدة ان النساء اللاتي شاركن في الجولة خرجن بانطباع وفكر مختلف تماما عن النقب وأهله ، وهذا بحد ذاته مقاومة ، من واجبنا ان نلغي كل الأفكار التي رسمها الاستعمار هنا من خلال حديثنا عن تاريخنا وحاضرنا ، والتوعية الى ان نضال اهل النقب ليس بالجديد وانما هو نضال قائم منذ بداية الاحتلال ، وان المجتمع البدوي نساء ورجالا مناضلات ومناضلون على خوف عليهم".
اهمية المبادرة
امجاد عيسى من رهط ترى ان المبادرة النسائية لحلقات استقبال مهمة لكونها تتضمن زيارة من نساء من كل انحاء فلسطين الى نساء اخريات في مواقع الزيارات ، قالت امجاد:" المهم في الحلقات انها توفر التواصل بين النساء الفلسطينيات وتوفر الامكانية لسماع الرواية حول البلدات من نساء المنطقة وبالتالي توفير للسرد النسوي لاحداث كل حيز في فلسطين ، ف يزيارتنا لسعوة كانت نساء من كل المراحل العمرية من كفر قاسم وحيفا وعكا وام الفحم ويافا واللد والكثير من المناطق ، سمعنا معاناة نساء العراقيب الصامدات ، وان كل حياتهم ممنهجة على ان يقدمن تنازلات كثيرة عن راحتهن في سبيل الحفاظ على الأرض ، استمر اللقاء الى سعوة والتقينا بعدد كبير من النساء اللواتي شرحن لنا الاحداث على ارضهن والظروف تمر بها النساء اليوم في ظل الهجمة الشرسة ، محطتنا الأخيرة كانت في اللقية حيث قمت انا وهدى وبدور بتلخيص اللقاء والحديث عن الأوضاع العامة في النقب ، وشكرنا النساء المنظمات للزيارة لانها تشعرنا بالتضامن وتعزز الشعور بالانتماء والمساندة بيننا كنساء ، والملفت اننا اكتشفنا ان ما نتعرض له كجمهور نسائي في كل انحاء البلاد هو نفس الوضع في الشمال والمركز والجنوب ، الفكرة من مشروع حلقات استقبال فكرة رهيبة تستحق المشاركة والاستمرار".
ابنة سعوة اسراء أيضا عقبت على الزيارة قائلة :" اللقاء مع الصبايا كان رائعا تعرفنا على بعضنا البعض ، استقبلناهن بكل حب واحترام ، لقد حضرن النا بطاقة إيجابية كبيرة جدا ، تحاورنا وشرحنا معاناتنا وهذا اعطانا حافزا قويا للصمود والمقاومة في ارضنا ، اللقاء حقا كان ممتعا ومميزا للغاية ".
روان بشارات اكدت لنا ان حلقات استقبال سيقوم بزيارة النقب من جديد ، وطبعا بعد دعوتهن للمشاركة في مخيم العراقيب في تموز المقبل اصبح الترتيب للزيارة القادمة قيد التحضير الان .
مثل هذه النشاطات والفعاليات والزيارات تؤكد ان الكل الفلسطيني جزء واحد يصعب تجزيئه مهما كانت الظروف ، وان النساء الفلسطينيات حريصات على توثيق التاريخ والاستمرار بالفعاليات النضالية ، للتأكيد على ان الحضور النسوي مهم تماما جنبا الى جنب مع حضور ونضال الرجال .
[email protected]
أضف تعليق