74 عاما مرت على مذبحة قرية الطنطورة (24 كم جنوب حيفا) والتي راح ضحيتها ما يقارب الـ230 شهيداً، أولئك الذين عادوا هذا الأسبوع، بعد أن كشف فيلم وثائقي "اسرائيلي" عن قبر جماعي تحت موقف مركبات في منتجع "شاطئ دور" المقام على أنقاض "الطنطورة" المهجّرة.
بعضهم استشهد بعد أسره بعد إطلاق النار عليه بواسطة مدفع رشاش كان بحوزة جندي أفرغ 250 طلقة في أجساد عزل، فيما استشهد آخرون بعد حشرهم في براميل من الحديد وإطلاق النار عليها، ليسيل دمهم من الثقوب، فيما أخرج ضابط مسدسه وقتل من جاء أمامه واحد تلو الآخر.
المؤرخ الإسرائيلي ادام راز، في تقرير نشره ملحق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الذي صدر، قبل يومين تحت عنوان: "عندما بلغوا سن التسعين..جنود لواء الكسندروني قرروا الاعتراف: في عام 1948 نفذ الجيش الاسرائيلي مذبحة في الطنطورة.
ليلة 22 أيار، ونهار 23 أيار 1948، احتلت عصابات "الهاغاناة" الإرهابية الصهيونية "الطنطورة" وأجبرت العشرات منهم على حفر خنادق، قبل أن تطلق النيران عليهم، وتدفنهم في تلك الخنادق، وفي مقابر جماعية.
قبل ذلك التاريخ، اشتهرت الطنطورة بمحطة سكة القطار الساحلية، واشتهر أهاليها بصيد السمك، وما تبقى منها اليوم، مقام المجيرمي، وبيت "آل اليحيى"، ومدرسة بنيت أوائل الأربعينيات، حيث قامت الكتيبة 33 من لواء الكسندروني بإقامة نصب تذكاري فوق رابية المدرسة المستخدمة اليوم كمحطة لأبحاث الصيد التابعة لوزارة زراعة الاحتلال.
تميز موقع الطنطورة باعتباره ممرا إلى حيفا، وبعض المراكز الأخرى، كون جزء من أراضيها يصلها بالطريق الساحلي السريع، ووجود محطة قطار للخط الساحلي، وأقيم على أرضها كيبوتس "نحشوليم" 1948، ومستوطنة "موشاف دور" 1949، وتم تجريف المقبرة الجماعية، وبُنيت فوقها مواقف للسيارات.
يحد الطنطورة من الغرب البحر المتوسط، ومن الشرق بلدة الفريديس، ومن الجنوب قرية كبارة المهجرة، وعرب الغوارنة - جسر الزرقاء، ومن الشمال يحدها قرية عين غزال المهجرة وقرية كفر لام الساحلية المهجرة.
تبلغ مساحة أراضي الطنطورة 14520 دونما، وقدر عدد سكانها سنة 1929 حوالي 750 نسمة، وفي عام 1945 حوالي 1490 نسمة، قبل أن تقوم المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم القرية وتشريد أهلها البالغ عددهم عام 1948 حوالي 1728 نسمة.
الطنطورة.. تفاصيل من حياة مهجرة
يسرد كتاب "الطنطورة" تفاصيل دقيقة للطنطورة وأهلها وحياتهم قبل التهجير، مهتما بأعمالهم وأسمائهم، وحرفهم، فيروي أن أصحاب قوارب الصيد في الطنطورة كانوا: داوود السمرة، محمد علي الشيخ حسن، كامل المصري، آل الدسوقي.. التحق العديد من أهالي الطنطورة في سورية بالعمل السياسي، وبالنضال الفلسطيني منذ البدايات وأصبحوا ضباطا وأعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني، وكان أبرزهم في تلك المراحل: محمد عبد العال، داوود أبو شكر، حلمي الهندي، حسين العشماوي، عبد الرزاق اليحيى، طلال الدسوقي، سليم العشماوي، مازن العشماوي، فهمي البدوي، ابراهيم الزراع، فهمي الهندي، جودت الهندي.
كان ميناء الطنطورة نشطا في مجال تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية خاصة البطيخ، وكان بطيخها مشهور ويسمى "السهيلة" ويصدر الى لبنان ومصر ودول مختلفة. وكان الأهالي ينصبون العرش على الشاطئ في أيام الصيف ويستخدمونها كمقاهٍ واستراحات، وكانت العرش تصنع من نبات الحلفا العريض الذي كان ينبت على جداول المياه في القرية، كنبع الدلفة وتفرعاته، وكان آل اليتيم هم المختصون في حصر الحلفا وحصر السمار، وهو نبات تخرج منه عيدان خضراء رفيعة وطرية، تجفف في الشمس وتجدل لتصبح حصيرة.
لم تكن الأعمال الصناعية منتشرة في القرية ما عدا صناعة الحصر والأواني القشية والخشبية اللازمة لنقل المنتوجات الزراعية، وصناعة الأحذية، وكان آل العيق هم المختصون في صناعتها، اضافة لصناعتهم عدة الحراثين.
بائعون متجولون في الطنطورة
كان في الطنطورة عدد من الباعة المتجولين الذين يبيعون السمك والخضار والبيض والحمام على دواب يطوفون بها القرى المجاورة، منهم: مصطفى البيروني، محمد ابو الحسن، سعيد سلام، العبد أبو صلاح، ذيب الخطيب.
وعرفت الطنطورة بقلة أشجارها نظرا لاتجاه الأهالي إلى زراعة الحبوب المختلفة، لكنها كانت تزرع وبشكل محدود: التين والصبر والرمان والبلح والتوت والليمون. في بدايات الأربعينات، تم وضع ماتور وتمديد أنابيب لضخ المياه من بئر الشفا الذي كانت النساء تنقل المياه منه على رؤوسهن، إلى بيوت الطنطورة.
كانت الطنطورة تطحن قمحها على بابور لآل اليحيى، ثم انتقلوا إلى بابورين لعقاب اليحيى ولأحمد اليحيى حتى النكبة.
ويختم الكتاب بأن تربية الدجاج في الطنطورة كانت من لوازم بيوت الطنطورة الرئيسية، لتأمين البيض واللحم للعائلة، ولم يكن ذبح المواشي منتظما في القرية إلى أن امتهنه موسى العموري. كانت الاكلة المشهورة للطنطورة هي المحمر (المسخن) وطبق السمك المقلي الذي لا غنى عنه لكل ضيف.
بيت ال اليحيى، الوحيد المتبقي منذ هجرت وهدمت الطنطورة، يبحر بزائرها، إلى زمن الصيادين وشباكهم، إلى مناداة الناس على بضاعتهم وأسماكهم وبطيخهم ومحاصيلهم الزراعية، إلى صوت القطار المار بمحاذاتها، إلى مياه البحر وأمواجه التي كانت تعلو لترطم بجدران المنازل القريبة، وفي الشتاء تفيض أحيانا لتمشي بين البيوت.. إلى يهودي أطلق عليه لقب "موسى الطنطوري" بنى بيتاً على أطرافها، واستصلح ارضاً لزراعتها، محاولاً جذب المزيد من اليهود إليها قبل النكبة، واقامة علاقات "ودية" مع أهلها، فلم يلتفت إليه أحد، ووجد نفسه وحيداً في قرية عربية فلسطينية بأكملها، ما دفعه لمغادرتها، وترك ما بناه وزرعه.
المصدر: وفا- يامن نوباني
[email protected]
أضف تعليق