منذ إقامة هذه الحكومة، لم يغب موضوع النقب عن العناوين في الاعلام الإسرائيلي، ولكن لم يكن الأمر وفق ما تمناه المواطنون العرب البدو في النقب وانتظروه، فهؤلاء الذين صوت عشرات الآلاف منهم للقائمة الموحدة، بنوا آمالًا كبيرة على دخولها في الائتلاف الحكومي، ولكن تفاجئوا حتى الآن، بحكومة تبدو أكثر شراسة في العديد من الأمور، في وتيرة الهدم، في تعامل الشرطة، في التحريض وفي زيارة رئيس الحكومة، نفتالي بينيت الأخيرة.
وربما أبرز موضوع فيما يتعلق بالنقب، هو موضوع القرى الثلاث التي يدور الحديث عن الاعتراف بها، خشم زنة، رخمة وعبدة، ومن بين القرى الثلاث، برز أخيرًا اسم خشم زنة بشكل ملفت، حيث تحدثت وزيرة الداخلية، أييلت شكيد، عن موضوع هذه القرية أكثر من مرة، وتفاخرت أن هذه القرية وضمن "الاعتراف"، تقليص مساحتها من 13 ألف دونم إلى 2500 دونم فقط، وقالت أن هذا جزء من تنظيم النقب الذي لم تستطع الحكومات السابقة القيام به.

بين تصريحات شاكيد، التي كررتها أكثر من مرة، وتصريحات القائمة الموحدة ومؤيديها بالنجاح بتحصيل الاعتراف بالقرى الثلاث، تناقض كبير وغموض أكبر.

مصادر متعددة من داخل خشم زنة، أكدت أن تصريحات شاكيد ليست إلّا مادة إعلامية لتظهر لليمين أنها حققت انجازًا في النقب، وفي الحقيقة فالأمر ليس كذلك بتاتًا، وقال "مجرد حديث الوزيرة شكيد عن 13 ألف دونم يثبت أن ما تقوله غير دقيقة، فمساحة خشم زنة، ما يسمى داخل الخط الأزرق، لا تتجاوز الـ6 آلاف دونم، وهي عندما تتحدث عن 13 ألف دونم، تشمل بحديثها تجمعات سكنية كثيرة متواجدة في المنطقة وبعضها لديها اتفاق بالإخلاء والانتقال لتجمع سكاني، كونها بلدات مقامة على أراض بملكية الدولة (أملاك غائبين).
وعن خلفية موضوع هذه القرية، قالت المصادر " موضوع خشم زنة صار مهمًا بعد بدء التخطيط لشارع 6، فنحن نطالب باعتراف منذ عشرات السنوات ولم يلتفت لنا أحد، ولكن بعدما خططوا لشق مقطع جديد من شارع 6 (من مفترق شوكت حتى مفترق النقب)، تبين أنه سيمر على أجزاء من خشم زنة، ووقتها، عام 2016-2017 طرحوا نقلنا للقسم الجنوبي من قرية أبو التلول، حي خطط وقرروا أن يطلقوا عليه "رمات نفطيم" لكننا رفضنا، رفضنا ونحن نعرف أن شارع 6 سيمر في النهاية، وبدأنا مسار مفاوضات، بمشاركة عائلات القرية، وقبل أكثر من عام اقتربنا من الاعتراف بقريتنا مع رخمة وعبدة، وعمل الوزير عمير بيرتس على الموضوع، وفي اللحظة الأخيرة قرر نتنياهو عدم تمرير القرار، ثم جاءت الحكومة الجديدة، ودخلت القائمة الموحدة الى الائتلاف وكان أحد شروطها وشروط النائب المرحوم سعيد الخرومي أن تلتزم الحكومة بالاعتراف بهذه القرى، ولكن وقتها اشترط كل من ساعر وشكيد بأن يبقى القرار كما هو، وحاول سعيد أن يغيّره ولكنهم رفضوا، وفي النهاية تم تغيير بندين صغيرين، بأن يتم جلب موافقة 70% من أهل القرية بدل 80%، وأن تكون مهلة التخطيط وجلب الموافقات 7 سنوات وليس 5، وللحقيقة، فإن احتمال الفشل في هذا المسار أكبر بكثير من احتمال النجاح، وما تقوم به شكيد ليس إلّا فقاعات إعلامية. أولًا لأنه خلال 7 سنوات ستتغيّر أمور كثيرة وقد تتغير الحكومة اصلًا، وثانيًا لأن جلب موافقة 70% ليس أمرًا سهلًا وثالثًا لأن المخطط يقضي بتجميع سكان التجمعات السكنية الصغيرة في المنطقة في خشم زنة، أو في الجزء المخطط لأن يكون خشم زنة الجديدة، وهذا أمر لن يوافق عليه معظم أهل خشم زنة، ولن توافق عليه العائلات الأخرى التي ينوون جلبها، فأصلًا في الأعراف البدوية، لا يقبل البدوي أن يسكن في أرض بدوي آخر، أي أن الموضوع كله صعب ومعقد جدًا، ولكننا نوافق عليه لسبب واحد، بأننا في أسوأ وضع ممكن، واذا كان هذا المشروع سيقود لبناء مبنى عام أو مؤسسة صغيرة في القرية، هذا أمر إيجابي بنظرنا، كل تغيير هو إيجابي".

إن القرار ورغم ما فيه من سوء ورغم أنه قد لا يتحقق، إلّا أنه قد يجلب بعض الفوائد، يؤكدها رئيس اللجنة المحلية في خشم زنة، الدكتور كايد العثامين، الذي يقول: " ليس لدينا أي خدمات، لا مدرسة ولا شارع ولا مركز خدمات، أي مؤسسة يمكن أن تُبنى، هذا سيفيدنا، ونحن قلناها ونقولها، لا نريد فقط اعترافًا بالبلدة على الورق، نريد بلدة يطيب العيش فيها، مؤسسات وأماكن عمل، وأراضي لزراعة وتربية المواشي ونريد بلدة مع مخطط لسنوات، بعد 20 سنة لا أريد أن يبحث أولادي عن مسكن خارج البلدة، وما أقوله أن الأمر لا يقتصر على أرقام هنا او هناك، 3500 دونم أو 3000 دونم أو 13 ألف، اختزال المشهد بالأرقام يقلل من شأنه، هذه حياة ناس، عائلات كاملة تنتظر حلول منذ سنوات، نحو 3 آلاف نسمة، نريد مخطط متطور ويشمل حتى الأجيال القادمة، وهذا ما قلته للوزيرة شكيد وهذا ما نقوله في كل مكان باختصار".


هذا الادعاء، ترفضه جهات عديدة في النقب، التي تؤكد أن صمود أهل القرى غير المعترف بها طوال السنوات الماضية، هو أهم نضال وأهم قضية في النقب، ولو أرادت هذه القرى أن تتنازل بهذا الشكل، لتنازلت منذ البداية . في سياق رده يقول د. عامر الهزيل مخطط استراتيجي وخبير في شؤون عرب النقب والداخل والذي كان من القائمين على وضع التخطيط البديل للاعتراف بـ 46 قرية بأسمائها التاريخية وعلى أرضها وأسس مع القيادات الشعبية المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها عام 1995 وواكب عمله كمخطط استراتيجي حتى عام 2005 خلالها تم انتزاع الاعتراف بـ 12 قرية واقامة مجلس أقليمي وفرض الخدمات الكثيرة من الخدمات يقول:

"مشروع الاعتراف الذي يتحدثون عنه اليوم، هو وببساطة، عبارة عن ترحيل واقتلاع وتركيز سكان قرى صووين ونقع العبودية وجزء من سكان بير الحمام المجاورين لمستوطنة نبابطيم وإزاحة خشم زنة شمال شارع 6 المخطط له. وهذا ما يتعارض مع المخطط الأولي لخشم زنه في عام 2017 وهو الاعتراف بها ولأهلها فقط جنوب شارع 7 كجزء امتدادي مستقبلي من ابو تلول.

"المخطط الجديد ليس اعتراف بل اقتلاع وتركيز اكبر عدد من العرب على أصغر رقعة أرض. وهذا التهويد بكل بشاعته حيث الحديث عن تركيز قرابة 6000 نسمه يتواجدون على قرابة 13000 دونم على 2500 دونم بحسب تصريحات شاكيد ومائير كوهن. وكل هذا بشروط أولها موافقة 70% من السكان الرحيل عن أرضهم خلال سبعة سنوات وبدء التطوير للقرية عام 2035، وحتى لو بنوا مركز خدمات أو مدرسة قريبًا، فإن هذا ضمن مخطط اغراء الناس كما يغري الضوء الفراشات، ليتجمعوا داخل هذا التجمع السكاني. لكن الأخطر هو أعلان شاكيد عن إقامة مستوطنة جفعات نبطيم على أراضي المهجرين إلى بلدة التركيز خشم زنه. لتفهم الصورة أكثر والمصير المأساوي لبلدة كهذه نقص من المساحة المقترحة 40% بنى تحتية ومؤسسات عامه ما يعادل 1000 دونم بقي 1500 قسائم سكن. نعم وخشم زنه هذه محاصرة من الشمال بمخطط لمدينة بئر السبع وبني شمعون ومن الشرق شارع 25 ومستوطنة نباطيم ومن الجنوب شارع 6 من الغرب الشمالي مسطح مستوطنة قبعات نباطيم المخططه. وعليه إذا كان تجميعهم لنا في رهط عبارة عن علبة سردين، فإن هذا التجميع المخطط له عبارة عن علبة سردين داخل علبة أخرى بمعنى تركيز التركيز".

"أن مخطط مستوطنة قبعات نبطيم على أراضي المخطط ترحيلهم وتركيزهم في بلدة خشم زنه، جاء برؤية فرض الأمر الواقع على كل من يرفض الترحيل في المستقبل".

ويؤكد الهزيل أن المخطط قلب الاعتراف بقرية عبده منذ عام 2001 من فقط لأهلها إلى بلدة تركيز يركز فيها كل العزازمه بين سهل البقار ووادي/طارة رامان. والاعتراف بقرية رخمه في مكانها منذ 2014 وفقط لأهلها بنقلها من موقعها شمالاً وتحويلها إلى بلدة تركيز يركز فيها كل عشائر العزازمه السراحين بما يشمل قرى بأكملها مثل وادي المشاش.

"سعيد الخرومي الذي صوت الآلاف للموحدة من أجله ما كان ليقبل ما يحصل في النقب اليوم وهدد بعدم التصويت على الميزانية وبأسقاط الحكومة اذا لم تلبى شروطه بما يخص الاعتراف بالقرى كل على أرضه ومنع هدم البيوت، لكنه مات قبل التصويت، وبقية قضية النقب في مهب الريح وتتعرض للتصفية المباشرة اليوم." يتابع الهزيل "ما لم تنجح حكومات إسرائيل بفعله منذ قيامها، بفضل الصمود الأسطوري لأهل القرى غير المعترف بها، فعلته هذه الحكومة بشراكة الحركة الإسلامية، فشكيد تعلن إقامة 12 مستوطنة في قلب التواجد العربي،والهدم مستمر، وبينيت يأتي ويقف بجانب مقر الحكم العسكري والذي استخدمته بريطانيا وقت الانتداب لحماية العصابات الصهيونية والسماح لها بإقامة 7 مستوطنات في النقب، وقف هناك وأطل على رهط وتحدث وكأنه قائد عسكري أمام مدينة معادية.
وأنهى الهزيل حديثه بانتقاد المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها: "محزن أن أقول ذلك ولكنها الحقيقة فقد تحول المجلس الأقليمي للقرى غير المعترف بها لذراع تنفيذي للحركة الاسلامية ولهذا المخطط الاقتلاعي وهذا بما يتعارض مع مبادئ تأسيسه وخطته للاعتراف بالقرى كل على أرضه. بهذه الخطوة يفقد المجلس الأقليمي مصداقية وشرعية وجوده وإستمراره كقيادة ميدانية تدافع عن كل قرية وقرية وتدعم صمودها للاعتراف بها وعلى ارضها".
"دعونا نوضح الصورة، نحن نتحدث عن إقامة بلدة وليس عن اعتراف بالبلدة الموجودة، والفارق كبير" – تقول الصحافية والناشطة صابرين الاعسم "اذا تم تطبيق هذا المخطط بشكل فعلي، إقامة بلدات وتجميع الآلاف فيها مقابل مصادرة معظم الأراضي، فإننا أمام مرحلة جديدة سيتم فيها نسخ ولصق المشروع في بلدات أخرى، بشكل أسوأ وأخطر. كان من المفروض الإصرار على مطالب المرحوم سعيد الخرومي، بالاعتراف بكل القرى وليس بتقسيمها وإقامة بلدة جديدة بهذا الشكل. ومن يقول أن هذا أفضل من لا شيء، عليه أن يتحدث بعد سنوات، يوم لا يجد مكانًا يبني فيه بيتًا لأولاده، ويتوجه للدولة وتقول له أنك وافقت وتنازلت وهذا الموجود. هل نريد نموذج رهط جديد؟ رهط التي بعض الجرائم التي تقع فيها اليوم بسبب خلافات على الأراضي بين أصحاب الأرض والسكان الذين جلبتهم الدولة إلى المكان؟ ومثل تل السبع المشكلة مشابهة أيضًا. باعتقادي هذا مخطط خطير جدًا ولو أن القرى مسلوبة الاعتراف كانوا سيقبلون بهذا، فلماذا صبروا وصمدوا لسنوات؟ كان بالإمكان قبول السكن في تجمعات مكتظة وفق ما تريده حكومات إسرائيل، منذ عشرات السنوات".
وعن مواقف الشارع في النقب، تقول الأعسم " المواطن العادي، موقفه واضح، مع قضيته، ومعظم الناس هم مواطنين عاديين ولذلك فإن الانتخابات القادمة ستجلب مفاجآت للبعض، اما المؤطر والمحزب، فهذا يدافع عن حزبه حتى في الخطأ، أهل النقب في الانتخابات الماضية دعموا الموحدة بشكل كبير من أجل سعيد الخرومي الذي كان انسانًا صادقًا ويعيش معاناتهم بأكملها، اليوم الأمور تختلف وستختلف باعتقادي".


رغم كل هذا، رئيس المجلس الإقليمي لللقرى غير المعترف بها، عطية الاعسم، بدا متفائلًا من هذا الاتفاق، وقال أنه يتوقع بعد 7 سنين أن ينجح الاعتراف بهذه القرى والمزيد من القرى، وقال شارحًا عن خلفية الموضوع: "قبل 20 عامًا، كان مقرر انه لحد سنة 2020 يكون بين 15-20 الف عدد سكانها، وكا يقضي بنقل خشم زنة وما حولها إلى أبو تلول، هل حدث من هذا شيء؟ من بقي في أبو تلول فقط سكان أبو تلول، عندما بدأوا التخطيط أرادوا جلب خشم زنة وبناء حي جديد، رفضنا نحن سكان أبو تلول ورفضوا هم، وفي نهاية المطاف اعترفوا في خشم زنة. تصور أن لديك 10 آلاف دونم، هل تخطط الـ 10 للسكن، بالطبع لا، ما سنحصل عليه الآن هو أفضل من اللاشيء الموجود حاليًا، بناء مدرسة أو شق شارع أو مركز خدمات، هذا سيعزز صمود الناس في المنطقة وسيعزز صمود القرية وثباتها، وأؤكد أن المدرسة ستقام هذا العام وفي العام المقبل سيتعلم طلاب خشم زنة في بلدهم، وسبنى مؤسسات جديدة وتشق شوارع، بشكل فوري وليس بعد 7 سنوات، هكذا كان في الاتفاق الذي حصّلناهن وبعد 7 سنوات يجب أن يكون 70% من الناس قد وافقوا على المخطط، ولكن إذا لم يوافقوا، هل ستأتي الدولة وتهدم المدارس؟

كما ويرى الأعسم بالتحريض على النقب من قبل جهات إعلامية وسياسية إسرائيلية، فوائد، إذ يقول "هذا التحريض بكل ما فيه من سوء، تسبب بحالة نفور لليهود من السكن في النقب، وحتى مخط جفعات نفطيم لن ينجح لأن لا أحد يريد السكن في المنطقة".

وأخيرًا رد على الادعاء القائل بأن المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها بات يغرد في سرب الموحدة، قال: "نحن لا نغرد في سرب الموحدة ولا في سرب المشتركة ولا غيرهما، نحن نغرد في سرب من يخدم النقب ومن يحرص على مصالح النقب، القرار الأول والأخير لأهل النقب وأهل القرى غير المعترف بها، وفي الحقيقة نحن نستنكر قضية استخدامنا من اجل المصالح الحزبية، من قبل المشتركة ومن قبل الموحدة، ومن قبل المعارضة والائتلاف أيضًا، لا نريد ان يستخدمونا من اجل مصالحهم، ونعم هذا المخطط هو الذي وضعه سعيد الخرومي ومؤسف ان هنالك من يزج باسمه حتى يؤثروا على بعض الناس عاطفيًا، هو كان مواكب لكل ما يحصل ويتواصل معنا في كل شيء، والاعتراف بالثلاث قرى ليس نهاية المطاف، سنستمر حتى نحصّل الاعتراف بالمزيد من القرى".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]