"قناعتي الشخصية بأهمية العمل المؤسساتي والمجتمعي والثقافي والشبابي دفعتني الى قبول تحدي إدارة جمعية الشبان المسيحية الدولية لاكون بذلك أول سيدة تتولى منصب المدير العام في تاريخ المؤسسة الممتد لأكثر من 150 عام منذ نشأتها بالقدس."

بهذه الكلمات لخصت السيدة رنا فاهوم رسالتها في الجمعية مع ضرورة الحفاظ على هذا المكان الفريد الذي يتطلب بالأساس صون مكانته وطابعه العالمي اذ ان عالمية القدس ماثلة في هذا المبنى ووظائفه ومن الاهمية الحفاظ على استمرارية دوره ورسالته ورمزيته.

ولدت رنا فاهوم ونشأت في مدينة الناصرة , التحقت بالجامعة العبرية بجيل 16 عاما وحصلت على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية واللغة الإنجليزية ودرجة الماجستير من نفس الجامعة, كما حصلت على شهادة ماجستير ثانية من جامعة تل أبيب في العلوم السياسية والقيادة. ايضا خريجة معهد منديل للقيادة التربوية , متزوجة وام لثلاثة.

الحياة المهنية

وتقول عن حياتها المهنية " في العام 1998 توليت مهمة تأسيس وإدارة مدرسة إعدادية للبنات في حي الثوري بالقدس في عمر 24 سنة. إحدى التحديات الأولى التي واجهتها هي العمل في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة ، إلا أن ذلك لم يشكل عائقا امام احداث نقلة نوعية في مستوى التعليم والتي استطعت أحداثها بالتعاون مع طاقم قمت باعداده لهذا الغاية، بالنسبة لي شكل هذا نموذجا لإحداث تحول مجتمعي نوعي في كل ما يتعلق بتعليم الفتيات وإعدادهم للمراحل التعليمية المتقدمة والحياة العملية. "

وتضيف " استطيع القول أننا نجحنا في الارتقاء بالتعليم على مستوى الحي الى مستوى متقدم لا يكون عادة متاح الا للطبقات المتوسطة والنخبوية من خلال المدارس الخاصة. هذا النموذج يستند إلى التركيز على اللغات، التكنولوجيا والتعليم اللا منهجي و منظومة قيم تعزز من المكانة والقدرة القيادية لفتياتنا بالإضافة إلى التأثير على المجتمع والبيئة المحيطة واشراكها في رفع مستوى الوعي ودعم الحق بالتعليم وجودته، كل هذه كانت الأدوات المستحدثة تم إنجازها خلال فترة تولي ادارة المدرسة على مدى 14 عام. خلال هذه الفترة عملت ايضا في الجامعة العبرية في مجال التدريس والبحث العلمي."

وتابعت "ان الانتقال إلى التفتيش التربوي للمدارس الابتدائيه شكل محطة أخرى في حياتي المهنية حيث استخدمت تجربتي الشخصية والتي تستند إلى العمل بهدف إحداث تحول نوعي على مستوى المدارس التي كنت مسؤولة عنها. الجهاز التربوي المشرف على التعليم في القدس الشرقية لم ينجح في إحداث تحولات نوعية ، الا ان تلك المعيقات لم تثنيني ابدا عن نقل التجربة ، تحديثها والسعي الى احداث اثر ايجابي رغم الصعوبات والمعيقات.

العمل في الواي (الجمعية)

وعن عملها تقول " قناعتي الشخصية بأهمية العمل المؤسساتي والمجتمعي والثقافي والشبابي دفعتني الى قبول تحدي إدارة جمعية الشبان المسيحية الدولية لأكون بذلك أول سيدة تتولى منصب المدير العام في تاريخ المؤسسة الممتد لأكثر من 150 عام منذ نشأتها بالقدس".

تم الانتهاء من تشييد مبنى الواي عام 1933 وشكل معلم بارز بطرازه المعماري والذي يرمز الى التقاء الحضارات يجسد التعددية الدينية والثقافية للمدينة، هذا المكان يعكس الأهمية العالمية لمدينة القدس خاصة أنه نشأ على مقربة من البلدة القديمة وشكل مفرق طرق بينها وبين الأحياء الحديثة التي تسارعت وتيرة بنائها في المناطق المحيطة بالمبنى سواء الأحياء الفلسطينية واليهودية قبل العام 1948. القيمة المعمارية وعالمية المكان لبست الروح التي يشكلها هذا المبنى بوظائفه المتعددة بل إن حيادية المكان وقدرته على ان يكون حاضنة و "حيز آمن" - رغم كل التناقضات السياسية الصراعية والاثنية الوطنية المعقدة للمدينة- هي أساس قوة المكان وسره الكامن. تشهد المدينة بين الفترة والأخرى توترات ومواجهات إلا أن ذلك لم يؤثر على دور المكان بكافة منشأته وحيزاته ووظائفه كمكان التقاء وتفاعل ايجابي .

جائحة الكورونا

وشرحت فاهوم انه خلال عامين من جائحة الكورونا كان التحدي الأكبر الحفاظ على الوجود والمكانة لهذه المؤسسة العريقة، اغلاق الفندق التابع للواي والمرافق السياحية الأخرى انعكس سلبا على توفر موارد لدعم الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية وديمومة المؤسسة واستقرارها. مضيفة ان الواي يضم جناح حديث لأكبر مركز رياضي في القدس و على مستوى البلاد وهو مجهز بمستوى عالي ويضم بركة بمواصفات أولمبية وملاعب وقاعات تدريب رياضي. كما يضم المبنى التاريخي اكبر مسرح ثقافي، واحد اهم الوظائف التربوية للواي هي رياض الأطفال والتي تم إنشاؤها على اسس التعددية الثقافية والدينية وإتقان اللغات الثلاث العربية والعبرية والانجليزية.

جميع تلك المرافق أغلقت لشهور طويلة إلا أنه وضمن خطة تعافي استطعنا اعادة الحياة الى كل المرافق وملائمتها لمتطلبات الصحة العامة خلال فترة قياسية وتم الحد من أثر موجات انتشار الوباء المتوالية بشكل كبير مما حافظ على منعه المؤسسة واستمراريتها وتطويرها.

الاهداف


وعن أهدافها تقول: "الحفاظ على ديمومة الواي واستمرار العطاء كان بالتوازي مع مشاريع تطويرية هامة بادرت لها لحظة استلامي مهام الادارة وسيكون لها اثر تطويري طويل الأمد، فعلى سبيل المثال تم الانتهاء من مشروع انارة المبنى التاريخي بكافة اجنحته واقسامه في شهر ايلول الماضي ،الانارة أبرزت معالم المبنى التاريخي خاصة المنارة والعناصر المعمارية الفردية للاجنحة المختلفة للمبنى. اليوم تضاعف عدد الزوار ليلا ويمكن القول إن المبنى هو من أكثر المعالم في المدينة المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة لخريجي المدارس في القدس الشرقية، العرسان والزوار في الأيام العادية وموسم عيد الميلاد والمناسبات الدينية الأخرى. هذا المشروع الذي زادت كلفته عن مليون شيكل سيكون له أثر كبير لإبراز هذا المعلم الأيقوني في ساعات الليل مما يعزز من السياحة والجولات الثقافية.

البركة

مشروع استراتيجي آخر تم الانتهاء من اعداد تفاصيله النهائية واصبح جاهز للتنفيذ، هو تحويل البركة داخل المبنى التاريخي الى مركز علاجي يتضمن بركة علاجية وقاعة رياضية مؤهلة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد تكللت جهودي بالعمل على هذا المشروع بالنجاح باقناع جهة تمويلة رصدت 5 مليون دولار لاقامة هذا المشروع.

انا على قناعة تامة بأن هذا المشروع سيخدم المجتمع المقدسي وسيكون له أثر كبير على الاستدامة المؤسساتية وتطوير مواردها الذاتية خاصة أن التعافي لقطاع السياحي سيكون بطئ سيشهد تحولات قد لا تعيدنا إلى واقع ما قبل الجائحة. تجنيد مثل هذا المبلغ وجهود إقناع الجهات التمويلية بجدواته وأهميته كان من أكثر التحديات التي عملت عليها ونجاحي بذلك سيساهم بإحداث نقلة نوعية وعلامة فارقة لمستقبل المكان.

تأهيل المبنى

مشروع استراتيجي آخر بالغ الأهمية هو إعادة تأهيل مبنى الواي على شاطئ بحيرة طبريا (المعروف باسم د. هارت) والمقام على أرض تبلغ مساحتها 8 دونمات، هذا المبنى الذي يضم نزل احترق بالكامل عام 2016 وتم إطلاق حملة دولية في الولايات المتحدة لتجنيد موارد لإعادة ترميم واي طبريا وتطويره. كما أن الحملة تتضمن إعادة تأهيل الطابق الثالث من المبنى التاريخي ورصد مبلغ 4 مليون دولار لصندوق الهبات الخاص بالمؤسسة

النشاطات .. والعلاقة مع القدس الشرقية


ووصفت فاهوم العلاقة مع القدس الشرقية بانها تتميز باستمرارية العلاقة التاريخية كون ان الواي أسس الكثير من الأنشطة الرياضية والثقافية العربية الفلسطينية في حقبة الانتداب البريطاني لفلسطين. الواي في الذاكرة والرواية الفلسطينية هي مؤسسة تؤرخ ايضا لنشأة المجتمع والفعاليات المدنية والرياضية والثقافية. اليوم نسبة 50% من مشتركي المركز الرياضي من القدس الشرقية والذين يزيد عددهم عن 4000 مشترك وهنالك برامج قيادية شبابية وثقافية وموسيقية تضم مشاركة لافتة ومميزة للفلسطينيين من القدس الشرقية.

رسالتها


واختتمت حديثها بالقول "رسالتي هي ان الحفاظ على هذا المكان الفريد يتطلب بالأساس صون مكانته وطابعه العالمي اذ ان عالمية القدس ماثلة في هذا المبنى ووظائفه ومن الاهمية الحفاظ على استمرارية دوره ورسالته ورمزيته.

هذه هي رسالتي مع اقتراب انتهاء فترة تولي منصب المدير العام وانا سعيدة جدا بما ساترك من أثر في هذه المحطة من حياتي المهنية وانتقل الى التحدي التالي من المهم ان يصب عملنا دائما في اطار رسالة استنهاض واحياء القدس كمركز عالمي للإنسانية والقيم الثقافية والتعددية.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]