طرحت آخر سنة ونصف، على جدول الأعمال، التحديات الكثيرة التي يواجهها العاملون الأحرار (فري لانسر) في سوق العمل. لكن، في حين يتحدث العالم عن توجّه آخذ بالنّمو، فإن إسرائيل ما تزال تتخبط في الخلف. إذاً، ما هي المهارات التي يحتاجها كل عامل حر من أجل النجاح؟ وأين توجد صعوبة أكبر في إسرائيل للنجاح كمستقلّ؟ وما علاقة ذلك بالأهلية؟


إذا كانت كلمة "فري لانسر" (عامل حرّ) تعتبر حتى قبل بضع سنوات أمراً افتراضيا أو نصيبا لقلّة قليلة، فإن الحديث اليوم يدور عن الصرعة الأوسع انتشارا في سوق العمل العالمي. على مدار السنين، يختار المزيد والمزيد من أصحاب المهن الانتقال إلى الاستقلالية، الكاملة (فري لانسر) أو الجزئية (سلشير)، لتقديم الخدمات الخارجية للجهات والشركات الكبيرة، ورفع مستوى دخلهم. الشركات نفسها تختار أيضا الانتقال أكثر فأكثر للعمل مع العاملين الأحرار (الفري لانسر) الذين يقدمون الخدمات الخارجية، ومن خلال ذلك الاستفادة من خدمات مهنية دون الحاجة للتعاقد المُلزم مع الموظفين. ولا شك فيها أن جائحة الكورونا التي هزّت أركان حياتنا بالكامل، شكّلت عاملا محفّزا لهذا التوجه السائد.


ينتج الانتقال إلى الاستقلالية عن عدّة أسباب، من ضمنها الرغبة بتحقيق الذات مهنيا أو شخصيا من خلال العمل كعامل حر، إكمال الدخل بالإضافة إلى العمل كأجير، تنويع مصادر الرّزق والرغبة بتنويع مجالات النشاط المهني وعدم الاندماج في سوق العمل. كذلك، هنالك مهن معينة تحوّل الجزء الأساسي من العمل فيها للعمل بنظام الفري لانسر (التصميم الچرافيكي، التصوير، التسويق الرّقمي وغيرها). لا يرتبط العمل كـ "فري لانسر" عبر الإنترنت بالمكان، ولذلك فإنه يتيح حيزا من المرونة في الساعات وحجم العمل. كذلك، بالإمكان من خلال مثل هذا العمل، التغلب على صعوبات اللغة، الثقافة، المتاحية وغيرها من العوائق التي كانت تزيد - تقليديا - من صعوبات اندماج فئات متعددة من السكان في سوق العمل.

إذاً، أين المشكلة؟ بخلاف كونها رائدة في الكثير من المجالات في سوق العمل، الصناعة والهايتك، فإن صناعة الفري لانس في إسرائيل ما تزال تخطو خطواتها الأولى، في الخلف، مع عدد قليل جدا من العاملين بنظام الفري لانس بالتناسب مع عدد السكان، مقارنة ببقية العالم.

"العاملون الأحرار في المجتمع العربي، يرون ذلك كوضعية افتراضية"
من الممكن أن تكون أسباب تخبّط مجال الفري لانس عديدة ومتعدّدة. إذا لا تنقصنا التحديات التي تواجه الخروج للاستقلالية (وقد أبرزت آخر سنة ونصف أمامنا ما هي تلك التحديات وطرحتها على جدول الأعمال). إدارة الزبائن، التعامل مع الأوراق والمستندات، التطوير الشخصي والمهني، الحفاظ على الرّبحية وغيرها. لكن ليس هذا فحسب، هنالك فئات معينة في إسرائيل تجد نفسها مضطرة لمواجهة تحديات إضافية، غير التحديات العادية التي يواجهها العاملون بنظام الفري لانس.


"في المجتمع العربي، المشكلة الأساسية هي الوصول للجمهور المستهدف"، يقول د. محمود كيّال، مبادر ومستثمر في مجال الهايتك، وعضو مجلس إدارة في شركة nadsoft. "في نهاية الأمر، عندما لا تعمل في شركة، فإنك يجب أن تقوم بجلب الزبائن إليك، وفي بداية الطريق يكون هذا الأمر بالغ الصعوبة. في كثير من الأحيان تقوم بالتوجّه للناس، الذين يطلبون منك قصص نجاح وتوصيات، لكن علينا أن نتذكر أنها ليست متوفرة لدى الجميع. في المجتمع العربي، السوق القريب والبيتي هو سوق صغير نسبيا، ومن أجل أن تكون هنالك جدوى للعمل بصورة مستقلة، في غالبية المجالات - هنالك حاجة للتوجّه للخارج، إلى السوق الأوسع، والذي لا يعتبر سوقا طبيعيا بالنسبة لهم".


يتحدث د. كيال عن الكثير من التحديات التي يواجهها المجتمع العربي في اختراق السوق الواسع مثل مشكلة التسويق وإدارة التسويق في حالة انعدام المهارات الرقمية والتكنولوجية، المنافسة مع المزودين الكبار والأكثر طبيعية في السوق، تحديات اللغة عندما لا تكون لغة زبائنك هي نفسها لغتك وكذلك الفجوات النفسية والإدراكية والثقافية، لأنه ليس من المريح للجميع العمل مع مقدّم خدمات مختلف عنهم.

"أعتقد أن السوق في المجتمع اليهودي أكثر نضجا"، يؤكّك، "يتواجد فيه مزودون أكثر خبرة ومهارة ووعيا للتعاون بين العاملين بنظام الفري لانسر. في المجتمع العربي، يعمل الكثيرون كأفراد، وفي هذا إشكالية ما. لا تتوفر البنية التحتية التي تخلق هذه الارتباطات، كما لا يتم الاستثمار في التطور والعمل الإضافي مثل التسويق، التقدّم ورفع مستوى المهنية. لا يرى العاملون الأحرار في المجتمع العربي بهذا الأمر حلّا على المدى الطويل، إلا مؤخرا، وخصوصا في ظل الكورونا وآثارها، لكن في الغالب، العاملون بنظام الفري لانس في المجتمع العربي يقومون بذلك كوضعية افتراضية (مفروضة) وليس من منطلق اختيارهم لذلك. لو كانت لديهم إمكانية للعمل في شركة كبيرة مثل غوغل أو مايكروسوفت - لكانوا يفضّلون ذلك على تطوير أنفسهم".

ثلاث مراحل في الطريق إلى النجاح
"تشير الأبحاث إلى التغييرات في عالم العمل وطريقة التشغيل، وبحسب ذلك، فإن موضوع الفري لانس (العمل الحرّ) قد أصبح أوسع انتشارا"، كما تشرح إفرات كهانا-بكلر، مديرة المشاريع في جوينت-تيڤت، المسؤولة عن برنامج العاملين بنظام الفري لانس. "نظرا لكوننا نعمل مع مجموعة بعيدة عن سوق العمل، فقد فكّرنا في كيفية تحقيق النجاح للعاملين المستقلين بنمط الفري لانس أيضا. قرّرنا رفع مستوى الوعي لهذه الإمكانية، وفتح برامج لتطوير المهارات والقدرات في مجال الأعمال، والتي ستساعد هذه الفئات على النجاح وأخذ مصالحهم التجارية وإمكانيات الدّخل خطوات للأمام".


يتم تنفيذ الخطة بالتعاون الكامل مع ذراع العمل في وزارة الاقتصاد، بالإضافة إلى جهات من القطاع الثالث وجهات أعمال من عوالم المضامين ذات العلاقة. يتألف البرنامج نفسه، والذي يمتد على مدار سنة ونصف، من عدّة مراحل، حيث تتمحور البداية حول التطوّر الشخصي، بعد ذلك هناك تشديد على التطوّر المهني. خلال الدورة، يتم بناء أهلية أعمال وتعلّم ليتم النشاط في نطاقها.

"يتضمّن التطور الشخصي تطوير الهوية الشخصية كمستقل، مع التشديد على التوجّه المبادراتي، العمل والانضباط الذاتي، إدارة الوقت، العلاقات بين الناس وإكساب مهارات للعمل"، تشرح كهانا-بكلر، "يتعلق مستوى المعرفة في مجال الأعمال والتطوير المهني بالمهارات والقدرات المرتبطة بالمصلحة التجارية: كيف نفتح مصلحة تجارية؟ كيف نقدّم مقترح سعر؟ كيف نستخدم الأدوات الرقمية ونواصل التعلّم ورفع مستوى المهنية إلى جانب العمل؟ يدور الحديث عن مهارات مهنية ذات علاقة بالنسبة لأصحاب المصالح التجارية الذين يجب عليهم، طوال الوقت، إدارة مدخولاتهم ومصروفاتهم، العمل مع المورّدين والزبائن، وتسويق أنفسهم".

المستوى الثالث الذي يتمحور حوله البرنامج هو الانتماء لأهلية أعمال

"في هذا الجزء، نقوم بمنح تطوير مهارات الاندماج في الأهلية، استغلال موارد وقوّة المجموعة، تطوير العلاقات داخل المجموعة وخلق فرص عملية وتشبيك"، تضيف. "نقوم بمرافقة المشتركين بالدورة منذ الخطوات الأولى وحتى بعدها، من منطلق فهم مدى أهمية هذه الأهلية، الانتماء، المعرفة بأن هنالك ظهر ومكان بالإمكان تلقي الاستشارة فيه وتلقي الدعم والإغناء في وقت لاحق أيضا. في نهاية المطاف، يدور الحديث عن تعلّم لمدى الحياة".


"من أجل النجاح كـ فري لانسر، هنالك سيرورة تأهيل يجب اجتيازها. كل هذه المهارات المطلوبة - هي شيء يجب تعلّمه"، يؤكد د. كيال. "إذا كنتم مطوري مواقع ممتازين أو تعرفون كيفية تطوير تطبيقات جيدة، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن بإمكانكم العمل بنظام الفري لانس. هنالك أهمية كبيرة للمهارات المرافقة الإضافية، وإلا فلن ينجح ذلك لوقت طويل. هنالك من يتواجدون في بداية الطريق ويعتقدون أن المعرفة التكنولوجية التي لديهم كافية، لكنهم لا يفهمون أنهم سيحتاجون في وقت لاحق للمعرفة المرافقة من أجل التقدّم والتطور".

القطاع الذي يربح أقل، يكسب أقل ويصمد أقلّ
كجزء من التوجّه للتغيير في سوق العمل، نشأت في الآونة الأخيرة ثلاثة مجالات نشاط جديدة تتعلق بالعاملين الأحرار: المنصات والأسواق الرّقمية، أهليات التشبيك وحيّزات العمل المشتركة من أجل خلق أهلية داعمة، وحيّز للتعاون.


المسؤول عن أحد حيّزات العمل هذه، هو إيتسيك كرومبي، الذي يدير مركز المبادرات والابتكار BIZMAX، المخصص للشباب المتدينين والرجال من المجتمع الديني المتزمت (الحريدي) الراغبين بالخروج إلى العمل في بيئة عمل مهنية، من الجانب التكنولوجي والرّقمي، وبنفس الوقت البقاء في إطار ملائم لنمط حياتهم وعقليتهم. كذلك، تم إنشاء مثل هذا الحيّز للنساء من المجتمع الحريدي.


يرغب هذا المكان، الذي تم إنشاؤه منذ العام 2017 بالتعاون مع صندوق ك.م.ح، صندوق أخوة وسلطة تطوير القدس، بتوفير الحلول، الدعوة وتشجيع عمل الرجال الحريديين في القدس، من خلال عالم المبادرة والابتكار. بحسب أقوال كرومبي، أظهر بحث تم إجراؤه خلال السنة الماضية على المصالح التجارية المستقلة في المجتمع الحريدي، الكثير من التحديات.

"أولا، في الجوانب التقنية، فإن المصالح التجارية الحريدية تربح أقلّ بكثير من السوق العام، وتشغّل عمّالا أقل، ولذلك فإنها تصمد لفترة أقل"، كما يشرح. "السبب الأساسي الذي نراه لذلك هو أن الدافعية والوعي لدى أصحاب الأعمال الحريديين، يكونان أقل في كثير من الحالات. عندما يرغب الرجل الحريدي، بعمر 24 - 25 عاما بالعمل وتعلّم دورة في مجال ما، فإن إمكانية عثوره على عمل كأجير في وظيفة ملائمة، واكتساب الرزق بكرامة، تكون أقل، لأنه يواجه الكثير من الطلاب الدارسين في مؤسسات معتبرة، ولذلك فإنه يأتي منذ البداية، من نقطة انطلاق أكثر انخفاضا، على الرغم من أنه قد يكون ذا مهارات كبيرة". يؤدي هذا السيناريو المنتشر، بالكثير من الحريديين، لفتح مصالح تجارية مستقلة في سن أصغر بكثير من مجمل السكان.

يؤدي به هذا العمر المبكر إلى عدم توافر الخبرة، مستوى أقل من المهارات والقدرات المرتبطة بالنجاح في عالم الأعمال، ومن هنا، إلى أرباح أقل. "عندما يرى صاحب المصلحة التجارية هذا أنه لا ينجح في التطوّر ولا ينجح بتشغيل عمّال آخرين، فمن المتوقّع أن ينهار".


تأتي حيّزات العمل المشتركة، لتلبية هذه الحاجة تحديدا. نفس العاملين بنظام الفري لانس، ممّن بدأوا طريقهم ويبحثون عن الرافعة المهنية والعملية التي ستتيح لهم إمكانية التطور والنجاح. عدا فرص خلق الشراكات التجارية بين أصحاب المهم في المكان، يتم عقد لقاءات "ميت أب"، محاضرات ولقاءات إغناء في عدّة مجالات، بدءًا من الدورات المتعلقة ببرمجيات الأوفيس، إدارة الوقت، اللغة الإنجليزية للأعمال، إدارة الميزانية والعلامة التجارية وحتى البرامج الأكثر تطورا - وكلها على أعلى المستويات.


بالإضافة لذلك، يتم هناك تنفيذ برنامج BIZUP، بالتعاون مع جوينت، التي ترافق العاملين الأحرار الذين يعملون منذ سنة، وتقدّم لهم المرافقة العملية، المهنية والشخصية من خلال مدرّبي أعمال رائدين للخروج من منطقة الرّاحة، تحديد الأهداف وغيرها. "لدينا بحث مرافق بشأن البرنامج يفحص تطوّر ونموّ المشاركين، وتشير المعطيات بصورة واضحة إلى أنهم ينمون ويتطورون في كل المقاييس"، يلخّص كرومبي. "إنهم يكبرون من حيث عدد الزبائن، بالمدخولات، في فهم عالم الأعمال والرّبحية. نرى قفزة جدّية على كل المستويات. إنه أمر مثير أن ترى كيف ينجحون في التحوّل من فري لانسرز صغار إلى أصحاب أعمال حقيقيين".


"تعتبر أهمية التشبيك والربط بين الدوائر الاجتماعية أكبر كثيرا لدى العاملين بنظام الفري لانس من مناطق الضواحي الاجتماعية والجغرافية"، تلخّص كهانا-بكلر. "من هنا، تأتي أهمية حيّزات العمل المشتركة، بالإضافة لدمج العناصر الجماهيرية الأهلية، الاجتماعية والمهارات اللينة في كل برنامج دعم للفري لانسرز".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]