حقيقة أنه من الصعب على الذين أعمارهم 55 عاما وما فوق العثور على وظيفة ليست أمرا جديدا. إذ يتضح أن القول "العالم للشبيبة" يعكس حقا بيانات مقلقة متعلقة بسوق العمل. وإذا تطرقنا إلى الأرقام للحظة: نجد أن الموظفين من المجتمع اليهودي الذين أعمارهم 55-64 نسبتهم 69%، والذين أعمارهم 65 وما فوق نسبتهم – 22%. وذلك مقارنة بنسبة 85% لدى العاملين الذين أعمارهم 35-45. الصعوبة الأكبر في سوق العمل هي مواجهة مسألة "التمييز العمري" - المفهوم أن العمر هو أهم من قدرات الفرد - العامل ومهاراته. فالعمر يحظى في سوق العمل ولدى المشغلين بأهمية، وهو يؤثر في الحافزية والإيمان في قدرة العمال الكبار.

إذا كانت الأرقام تثير قلقكم في المجتمع اليهودي، فإن الوضع أسوأ في المجتمع العربي. "نلاحظ أن هناك ضائقة عمل في المجتمع العربي آخذة بالازدياد بدءا من عمر 45 فصاعدا"، توضح تمار شقير زعبي، مديرة برنامج "آب 60+" في المجتمع العربي الذي تديره شركة الفنار، إضافة إلى أنها تشغل مراكز ريان وتعمل على تقليص الفجوات التشغيلية في المجتمع العربي بقيادة عربية. "نسبة العاملين العرب الذين أعمارهم 25-64 هي 69% لدى الرجال و 36.4% لدى النساء. بالمقابل، فإن نسبة العاملين اليهود لدى هذه الفئة العمرية هي 86.3% لدى الرجال و 82.6% لدى النساء. الفجوات بين المجتمع العربي واليهودي في الدولة، لا سيما لدى النساء، كبيرة جدا، وهي تزداد مع التقدم في العمر. يعمل 6.2% فقط من الذين أعمارهم 65 عاما وأكثر في المجتمع العربي مقابل 22.4% من المجتمع اليهودي". وتضيف تمار شقير زعبي موضحة أنه صحيح حتى عام 2020 فإن الرجال العرب يعملون تحديدا في البناء، التجارة بالجملة، خدمات الزبائن، وخدمات المواصلات والصناعة. قد يكون الإرهاق طويل السنوات الناتج عن العمل الجسماني سبب خروج الرجال إلى التقاعد في سن مبكرة.

برنامج "منتصف الطريق": 60% تم استيعابهم في أماكن عمل


قررت شعبة العمل في وزارة الاقتصاد بالتعاون مع وزارة المساواة الاجتماعية وجوينت العمل على الموضوع وتغيير الوضع القائم. ففي عام 2015، أقيم برنامج "منتصف الطريق" الذي يقدم مرافقة فردية وجماعية للباحثين عن عمل لتطوير القدرات وتعزيزها، وعودة العمال الجيدة إلى سوق العمل.
حتى الآن، استعان أكثر من 3,000 شخص بخدمات البرنامج. لقد نجح 60% منهم خلال 3-6 أشهر في الانضمام إلى أماكن عمل. يجري الحديث عن مدة انتظار قصيرة جدا مقارنة بمعدل وقت البحث عن عمل لدى أبناء هذه الفئة العمرية، الذي يصل إلى سنة ونصف تقريبا (قبل جائحة الكورونا). يتضمن البرنامج شراكات مع مشغلين، تأهيلات مهنية للباحثين عن عمل، وللعمال المتقدمين بالسن.

الهدف من عمل جوينت لصالح عمال كبار محتملين هو التفكير المستقبلي أيضا، أي التفكير في مستقبل دولة إسرائيل. فوفق أقوال هاجار فايسر من جوينت تڨيت، فإن الوضع الراهن، الذي ينخفض فيه عدد العاملين في إسرائيل كلما ازداد العمر، سيؤدي في النهاية إلى أن يتعرض 50% من المسنين للفقر ويضطرون إلى الاعتماد على المخصصات.

في الأشهر الأخيرة، ازداد نشاط البرنامج في أنحاء البلاد وأصبح يوفر ردا عبر مراكز تشغيل رقمية. مجال تشغيل المتقدمين بالسن يعزز نشاطات "منتصف الطريق" ويجري أيضا أبحاثا حول التأثير الاقتصادي لانخفاض مشاركة المتقدمين بالسن في سوق العمل، تأثير العمل على الصحة، الإدارة المالية، والاستعداد للخروج إلى التقاعد. لاحقا، وبالتعاون مع سلطة التشغيل (مكاتب العمل) من المخطط منح مكافآت لجهات وشركات قوى بشرية، تهتم بتجنيد عمال متقدمين بالسن بنسبة أكبر في أماكن العمل.

"أصبح تشغيل المتقدمين بالسن حاجة حقيقية، وذلك بعد زيادة متوسط العمر في إسرائيل والعالم"، توضح هاجار فايسر من جوينت تڨيت. "متوسط العمر المتوقع في إسرائيل هو 84 عاما للنساء و 82 عاما للرجال. سن التقاعد هو 67 عاما، ولكن هناك كثيرين أعمارهم 45-64 كانوا قد خرجوا من سوق العمل، وأصبح من الصعب عليهم الآن العثور على عمل جديد. يعني ذلك أنهم سيكونون عاطلين عن العمل لسنوات طويلة، ولا يعود هذا بالفائدة عليهم، على عائلاتهم، والمجتمع بأسره".

بهدف مواجهة الفارق المقلق بين المجتمع العربي واليهودي، أقيم برنامج نموذجي مشترك بين وزارة المساواة الاجتماعية وجوينت يهدف إلى إقامة مراكز "آب 60+" في المجتمع العربي، الذي تديره كما ذُكِر سابقا، تمار شقير زعبي في شركة الفنار، وهو يهدف إلى ملاءمة نموذج المراكز من ناحية لغوية وثقافية مع احتياجات جمهور الهدف.


"بهدف النجاح في الانخراط مجددا في سوق العمل، يجب زيادة الوعي الذاتي لدى الباحثين عن عمل، وتعزيز نظرتهم إلى موضوع العمل وتأثيراته على جودة حياتهم وشيخوختهم"، توضح تمار. "النظرة إلى الشيخوخة في المجتمع العربي تختلف عن تلك السائدة في المجتمع اليهودي، وذلك بسبب الفوارق التفكيرية، الثقافية، ونمط حياة المتقدمين بالسن العرب. لهذا هناك أهمية كبيرة لملاءمة الحلول بهدف تشغيل المتقدمين بالسن العرب، من خلال معرفة الثقافة التي تتطلب بناء برنامج شامل يدمج المتقدمين بالسن كجزء من عملية شيخوخة سليمة، وفعالة والحفاظ على الموارد الجسمانية، النفسية، والمجتمعية".

التطور من أجل التقدم

صحيح أن مشكلة دمج المتقدمين بالسن في سوق العمل تكمن في العمر ونقص انفتاح المشغلين على دمج المتقدمين بالسن الذين أعمارهم 45 عاما وأكثر، ولكن أبناء هذه الفئة العمرية مسؤولون أيضا عن متابعة تعلم أمور جديدة، وتقدمهم الشخصي والمهني كل الوقت. ففي هذه الأيام، تنتقل مسؤولية متابعة التقدم في السيرة المهنية من المشغل إلى العامل ذاته. إذ إن هناك حاجة إلى متابعة التطور، اكتساب المهارات الجديدة، التعلم، وفي بعض الحالات من المهم العمل في مهن حيوية، وهكذا يمكن مواصلة العمل. "لا شك أن هناك مشكلة في بعض مجالات العمل ووظائف مختلفة في استيعاب المتقدمين بالسن الذين أعمارهم 45 عاما وما فوق"، يقول آفي فليشون، رئيس مجال تطوير الموارد البشرية ودفع التقدم قدما في جوينت تڨيت.

ويتابع موضحا "سوق العمل يتجدد كل الوقت". "هناك مهن تزول، لهذا يشعر عمال كانوا قد مارسوا تلك المهن أنه من الصعب عليهم مواجهة التغييرات والفجوات المتعلقة بالمعرفة والقدرات مقارنة بالعمال الشبان". وفق أقواله، تقع مسؤولية هؤلاء العمال لملاءمة أنفسهم مع التغييرات التي يمر بها سوق العمل عليهم أيضا. "يتعين على كل عامل سواء كان شابا أو متقدما بالسن، أن يتعلم كل الوقت ويعمل كل ما في وسعه لكي يبقى على إطلاع. بالمقابل، على المشغلين أن يكونوا منفتحين لتجنيد قوى بشرية متعددة الأجيال، وعلى الدولة أيضا أن تلتزم بإيجاد حلول ناجعة لدفع هذا الهدف ومساعدة العمال على تعزيز قدراتهم في كل مراحل سيرتهم الذاتية".

نجاح باهر في برنامج بالتعاون مع Salesforce(سيلزفورس)

برنامج "منتصف الطريق" الذي ذكرناها سابقا، يتطرق إلى التأهيل المهني ويعمل عليه بالتعاون مع المشغلين. في هذا الإطار، جرى تعاون بين شركة Salesforce (سيلزفورس) الإسرائيلية والشركة الأم العالمية. الشركة رائدة عالميا في البرمجيات السحابية وخدمة إدارة علاقات العملاء (CRM) وحتى أنها كانت الأولى في العالم التي أطلقت هذه الخدمة (CRM) في مجال الفضاء السحابي وحولتها إلى البرمجيات كخدمة - Software as a Service) SAS).

إضافة إلى ذلك، اهتمت الشركة بتأهيل ثلاثة أفواج من المتقدمين بالسن لتشغيل منظومة خدمة الزبائن في الشركة، وتم استيعاب الخريجين في أماكن عمل مختلفة. "لقد نشأت العلاقة مع برنامج "منتصف الطريق" في ظل الحاجة إلى تجنيد العمال ذوي خبرة تشغيلية بهدف انخراطهم في عالم الهايتك ومجتمع سيلزفورس تحديدا"، توضح ميخال لفيتان جيات، مديرة خدمة الزبائن في قطاع الهايتك في شركة سيلزفورس. "في بداية أزمة الكورونا، ترك عمال كثيرون سوق العمل، وفي هذا العصر الحديث أصبح يتعين عليهم إيجاد مكان عمل جديد. لهذا قررنا تبني البرنامج إيمانا منا أنه ملائم جدا لرؤية شركتنا التي تدعم الحفاظ على المصداقية، التجدد، العدل الاجتماعي، والمساواة في التشغيل بين العرب واليهود في مجالات التربية، الأجر، المساواة في فرص العمل وحقوق العمال. هذا هو السبب أيضا الذي جعلنا نفتتح فروعا في الناصرة، وذلك لدفع عمال عرب قدما والحفاظ على التنوع".

للإجمال، يمكن القول إن كل الوزارات الحكومية، المنظمات والشركات المشاركة في تشغيل المتقدمين بالسن تعمل كل ما في وسعها لتوفير التأهيل، الأدوات، المهارات، الدورات، والمعرفة المتقدمين بالسن بهدف استيعابهم في أماكن في العمل. المتقدمين بالسن المشاركون في العمل، هم أصحاء أكثر، ووفق أقوال فرويد "المحبة والعمل هما أساس البشرية".

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]