هذا ما يتّضح من المعطيات التي قدّمتها الإدارة المدنيّة لمركز الدفاع عن الفرد - "هموكيد" حول سنة 2020؛ تقرير جديد لمؤسسة هموكيد يشير إلى تدهور في الممارسات والسياسات الإسرائيلية، مما يجعل من الصعب على عشرات الآلاف من المزارعين الوصول إلى أراضيهم.
يضطرعشرات الآلاف من المزارعين الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة إلى الحصول على تصريحٍ خاصٍّ من سلطات الجيش الاسرائيلية لعبور جدار الفصل والوصول إلى أراضيهم الواقعة في المنطقة التي يطلق عليها الجيش اسم "منطقة التّماسّ". ويواصل مركز "هموكيد"، منذ سنواتٍ عديدة، تسليط الضوء على السياسة الإسرائيلية التي تهدف لمراكمة الصعوبات أمام المزارعين وإبعادهم عن أراضيهم من خلال مفاقمة صرامة الإجراءات والمعايير المستخدمة لإصدار التصاريح. والآن، تشير المعلومات الجديدة التي نشرها "هموكيد" إلى استمرار، لا بل وتصاعد، هذه السياسة، والمترافقان مع انتهاكٍ صارخٍ لحقوق المزارعين خصوصًا، والجمهور الفلسطينيّ بأسره عمومًا.
وتشير المعطيات التي قدّمتها الإدارة المدنيّة في إطار التماسٍ مستندٍ إلى قانون حريّة المعلومات، تم تقديمه من خلال جمعية "هموكيد" إلى المحكمة اللوائيّة في القدس إلى أنّ المزارعين الفلسطينيّين قد تقدّموا بـ 8،015 طلبا لاستصدار تصاريح دخول إلى أراضٍ في منطقة التّماسّ، بيد أن 2،187 طلبًا من هذه الطلبات فقط (27%) قد تمت المصادقة عليهم !!، في حين تم رفض 5،831 طلبا (73%). ورغم أن اسرائيل قد صرحت مرارًا وتكرارًا بأن "الاعتبارات الأمنية" هي السبب الوحيد الداعي لمنع دخول المزارعين إلى منطقة التّماسّ، إلا أن المعطيات تكشف بأن 0.9% فقط من الطلبات التي تم رفضها (أي أقل من واحد بالمائة فقط!)، قد تم رفضها بدواعي أمنية. حيث تم رفض منح تصاريح زراعية بشكل أساسي لأسباب بيروقراطية، وهي ترتبط غالبا بصعوبة تلبية المتطلبات الصارمة والمتزايدة من قبل سلطات الجيش.
وتأتي هذه المعطيات بالتوازي مع صدور تقرير جديد ينشره مركز "هموكيد". ويوجز التقرير التدهور الحاصل في السياسات الإسرائيلية بشأن كل ما يتعلق بدخول الفلسطينيّين إلى منطقة التّماسّ. ويتمثل هذا التدهور بشكل أساسي في إجراءات استصدار التصاريح التي يقوم الجيش بتحديثها في كل سنة أو سنتين، وهو يضيف إليها في كل مرة المزيد من التشديدات. ويكشف التقرير أن الإجراءات منذ 2019 لم تعد تعترف بحق الفلسطينيّين بالوصول إلى أراضيهم، بل إنها تحصر مسألة الوصول إلى الأراضي للحالات التي يثبت المزارعون فيها "الحاجة الزراعية" التي تدفعهم لاستصدار التصريح.
وقد قرر الجيش في الإجراءات ذاتها، وبشكل تعسفي تماما، أنه لا توجد "حاجة زراعية" لفلاحة قسائم أراضي يطلق عليها اسم "قطع أراضٍ تقل مساحتها عن الحد الأدنى" (أقل من 330 متر مربع)، وبما أن الجيش يحسب حجم الأرض ذات الملكيّة المشتركة عبر تقسيمها بين الشركاء، فإن النتيجة تتمثل في اعتبار الجيش لغالبية الأراضي الواقعة في منطقة التّماسّ بوصفها "قسائم أراضي صغيرة لا تبرر حاجتها للفلاحة". ويتجاهل هذا التحديد الطريقة التي تتم بها الزراعة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة ، والجوانب الاجتماعية والثقافية لهذه العملية. يُذكر أن المحكمة العليا قد استجابت في كانون أول (ديسمبر) 2020 إلى طلب "هموكيد" ليصدر أمرا احترازيا ضد سياسة الأراضي الصغيرة، حيث سيتم التداول فيها في جلسة استماع في المحكمة العليا في نهاية الشهر الجاري.
يكمن جذر المشكلة في بناء الجدار داخل الضفّة الغربيّة ، وفي استمرار نظام التصاريح الذي يحدد بأن الإسرائيليين والأجانب يحق لهم الدخول إلى منطقة التّماسّ بصورة حرة، في حين أن على الفلسطينيّين اجتياز متاهة بيروقراطية منهكة من أجل استصدار تصريح. وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى تأخيرات مطولة من جانب الإدارة المدنيّة في توفير اجابه أو رد لطلبات المزارعين لاستصدار التصاريح، في مساحة زمنية تتجاوز الأسابيع الأربعة التي تخصصها الإجراءات للاجابة. وفي الكثير من الحالات فإنه لا يتم توفير استجابة بالمطلق، أو تدعي الإدارة المدنيّة بأنها لم تستلم الطلب. حيث يضطر الأمر مركز "هموكيد" في الكثير من الحالات للتدخل لاستصدار تصاريح. وعلى سبيل المثال، فقد آلت نتائج 166 ملفا عالجها "هموكيد" سنة 2020 إلى نتيجة تتمثل في إصدار 132 تصريحا، إلا أن طالبي التصاريح يظلون في الكثير من الأحيان في الانتظار لمدة شهور طويلة، لا بل وسنوات، من دون الحصول على تصريح ساري المفعول.
ورغم ما سبق، فإن حتى من يستوفون المعايير وينجحون في التغلب على الإجراءات البيروقراطية ويحصلون على تصريح، يواجهون صعوبات إضافية. إذ ذكر التقرير بأن الجنود لا يتقيدون بمواعيد فتح البوابات الزراعية الموجودة في جدار الفصل، وهي البوابات التي من المفترض أن يدخل الفلاحون منها إلى أراضيهم الواقعة في منطقة التّماسّ. حيث غالبا ما يتأخر الجنود، أو حتى يهملون ساعات الافتتاح المقررة ظهرا، وبذا يُحرم المزارعون من الوصول إلى الأراضي. كما يحظر الجنود على المزارعين تمرير السيارات، والجرارات الزراعية، والأسمدة والمعدات الزراعية الضرورية الأخرى عبر البوابات، ما لم يحصلوا على تصريح خاص بذلك.
وبحسب التقرير، فقد أدى تقييد الوصول إلى الأراضي الزراعية إلى إلحاق أضرار جسيمة بعائلات بأكملها، لا سيّما في مناطق جنين وطولكرم وقلقيلية، وهي أكثر المناطق خصوبة في الضفّة الغربيّة . وقد أبلغ العديد من المزارعين الفلسطينيّين جمعية "هموكيد" أنهم قد تحولوا من الزراعة ذات الغلة العالية إلى زراعة ذات غلة منخفضة بسبب القيود المفروضة على وصولهم إلى الأراضي، وهي ما تراكم أمامهم المصاعب في عملية رعاية دفيئات الزراعة ومحاصيل الخضار ذات الغله العالية، ولأن غالبية المزارعين لم يعودوا قادرين على زراعة الخضروات، بل يضطرون إلى الاكتفاء بزراعة أشجار الفواكه فحسب، وخصوصا أشجار الزيتون، وهذا ما أدّى إلى انخفاض مداخيلهم بصورة كبيرة.
"أظهرت حساباتي أنني أخسر مداخيل بقيمة تبلغ نحو 26 ألف شيكل سنويا، بسبب الجدار"، يقول جهاد هرشة، البالغ من العمر 69 عاما من قرية قفّين. "قبل بناء الجدار كنت أفلح الأرض مع بنات وأبناء إخوتي. كان أقاربي الآخرين يأتون هم أيضا لكي يساعدوني في القطاف. أما الآن فلا أحد يحصل على تصاريح. ويترتّب علي وعلى زوجتي القيام بكل شيء وحدنا". ويستعرض التقرير قريتي قفّين وعكابة ، كمثال، حيث إن غالبية أراضي هاتين القريتين تقع خلف الجدار، وفقد المزارعون كل سبل الوصول إليها.
وأخيرا، يشير التقرير إلى أن واقع الحياة في ظل وجود جدار الفصل ومنطقة التّماسّ يقوّض وحدة أراضي الضفّة الغربيّة بأكملها. إن عزل 9.4% من أراضي الضفّة الغربيّة تحت عنوان أراضي التماس يمس بشكل خطير الحق الجماعي للفلسطينيّين في السيطرة على مواردهم الطبيعية وفي تقرير مصيرهم.
من جهتها، صرّحت جسيكا مونتيل، المديرة العامة لمركز "هموكيد":" نهج الجيش مرفوض. إن حق الإنسان مكفول في أرضه لأي سبب كان. يترتب على المزارعين إثبات وجود "حاجة" للوصول إلى أراضيهم والأخطر من ذلك أن عليهم الصمود في وجه متاهة بيروقراطية غير متناهية من أجل الحصول على تصريح لهذا الغرض. كان ينبغي منذ وقت طويل تفكيك هذا الجدار المبني داخل الضفّة الغربيّة وإلغاء نظام التصاريح، ومن المستحسن القيام بذلك بأسرع وقت ممكن".
[email protected]
أضف تعليق