منذ سنوات أصبح الحوار حول المهارات الضرورية للنجاح في سوق العمل هاما جدا. ففي يومنا هذا، يعرف الجميع الحاجة إلى التطوير الشخصي والمهني طوال السيرة المهنية لكي يبقوا مُطَّلعين، كما يعرفون أنه لا يكفي تعلم مهنة أو مجال معين للصمود وقتا طويلا في سوق العمل.

"في السنوات الأخيرة، أصبح سوق العمل يتقدم ويتطور بسرعة كبيرة"، توضح أوري كرمي شاحار، مديرة برنامج "سكالا"، لتطوير المهارات في عالم العمل في منظمة جوينت - تيبيت. "كل هذا قبل التطرق إلى العملية السريعة التي تسببت بها جائحة الكورونا، في ظل التوقعات التي تم التحذير من حدوثها. منذ خمس سنوات يتم التطرق كثيرا إلى موضوع المهارات. يجري معهد أبحاث المستقبل وجهات دولية أخرى، مثل منظمة OECD، أبحاثا لا تستند إلى التعليم العالي أو المتدني، بل إلى معايير أخرى، ومن بينها عالم المهارات".
وفق أقوال كارمي - شاحار، يشير باحثون إسرائيليون أيضا إلى أنه كي يتطور العامل ويصبح أكثر إنتاجية كمّا ونوعا، هناك أهمية كبيرة للمهارات وتطويرها. تشير الأبحاث إلى أنه حتى عام 2025، سيتغير نحو 44% من مهارات العمل الضرورية وسيجتاز نحو 40% من العمال في سوق العمل تأهيلا مجددا. من اليوم، يتوقع 94% من المديرين في العمل أن يطور عمّالهم مهارات جديدة - تأثير تسارَع في ظل جائحة الكورونا، ولكن كان من المتوقع أن يحدث التغيير في العقد الحالي رغم ذلك.

 "طوّرنا نموذجا بناءً على التفكير في سوق العمل المستقبلي، ولكنّ المستقبل أصبح هنا"
تطرَّق استطلاع المهارات الذي أجرته منظمة OECD في عام 2015 إلى قياس المهارات الأساسية: المعرفة الرقمية، المعرفة اللغوية، والمعرفة الكمية. "بعد وقت قصير من نشر نتائج الاستطلاع، بحثنا عن نموذج متطور أكثر يتيح لنا العمل مع فئات سكانية بعيدة نعمل معها"، توضح كارمي - شاحار. "طوّرنا نموذج IPRO، وحاولنا تحديد المهارات الضرورية في يومنا هذا في سوق العمل. لقد تحدثنا عن سوق العمل المستقبلي، ولكننا نعرف في يومنا هذا أن المستقبل أصبح هنا، وأن التكنولوجيا متطورة، وأن المهن تزول وتظهر من جديد. حتى إذا حصلنا على شهادات بجروت جيدة وعلامات مقبولة، وإذا تعلمنا مهنة ذات مرة، فسنغيّر أماكن العمل في حياتنا لأكثر من مرة، خلافا لما كان متبعا لدى آبائنا. لذا من المهم أن نكون ديناميكيين إلى حد كافٍ. هذا هو المفتاح للتغيير والاندماج الأفضل".
صحيح أن نموذج IPRO الذي تتحدث عنه كارمي شاحار يتضمن استعمال اللغة الرقمية والتعلّم الذاتي بشكل دائم، ولكنه يتطرق أيضا إلى المهارات الإضافية التي تتناول العلاقات الشخصية، القدرة على التسويق الذاتي، حل المشاكل، والتفكير الإبداعي. "تعلمنا من نماذج متّبعة في أنحاء العالم، وحققنا نجاحا باهرا في إسرائيل والعالم. لقد حظي النموذج الخاص بنا باهتمام، وبدأنا باستعماله في برامج تشغيل كانت قد طورتها تيبيت. قبل اندلاع جائحة الكورونا بوقت قصير، أجرينا تعديلات على النموذج في ظل ردود الفعل الميدانية والتجربة العملية. يجري الحديث عن 19 مهارة، مقسّمة إلى سبعة مجالات، يتطرق كل منها إلى مجال مختلف. يتطرق الأول إلى مجالات معرفة مختلفة (معرفة اللغة، الرقمنة، المعرفة الكمية)، الثاني هو التعلم المستقل والاطّلاع المستمر، الثالث هو الإدارة المستقلة، الرابع هو العمل مع الآخرين، الخامس هو شبكة العلاقات التشغيلية والاجتماعية (عبر شبكة العلاقات وشبكات التواصل)، السادس هو حل المشاكل المعقّدة، والسابع والأخير وهو الأهم يتطرق إلى الحافزية والقدرة على التغيّر، أي ما هو التوجه الذي يرافقنا عندما ندخل إلى عالم العمل. ويتطرق هذا التوجه إلى الخبرة الشخصية التي تحظى بأهمية أكبر من التجربة الفعلية من زيارة مكان العمل.

"يخلق برنامج "سكالا" معيارا لكل مهارة - ما أهمية هذا المعيار في كل مهارة (أولى، متوسطة، مُتقَنة)، وكيف يمكن تعلّمها وتطويرها"، توضح شاحار. "ثمة نقطة أخرى تطرحها وهي القدرة على القياس: في البداية يجب تشخيص مستوى المهارة، معرفة مستوى الإتقان. واستنادا إلى ذلك يمكن تحديد النقاط التي يجب العمل عليها، وفي نهاية التدخل - يجب قياس مدى تحسن الفرد ومستوى إتقانه لهذا المجال. لكل فئة سكانية وجمهور متطلبات خاصة، ونحن نسعى إلى ملاءمتها من أجلهما".


ما هي المهارات التي تقدمت إلى الواجهة في الفترة الأخيرة؟

"المهارة الأولى والأهم هي طبعًا المعرفة الرقمية"، قالت شاحار مُضيفةً: "حتى لو لم تكن تعمل قبل جائحة الكورونا، وبقيت عاطلا عن العمل في فترة الكورونا أيضا، فقد كان يتعين عليك أن تطلب المشتريات من المتجر الرقمي. لقد أصبحت خدماتٌ كثيرةٌ رقميةً، حتى التواصل مع الأولاد أصبح عبر الزوم. قيل لنا في الماضي: "إننا سنعمل من المنزل يومًا ما" وإن التعليم في المدارس سيصبح رقميا، وقد حدث هذا فجأة في فترة الكورونا. كما بدأنا نستعمل الخدمات الرقمية كثيرا حتى خارج العمل. مثلا، أدرك المتقاعدون فجأة أنه بهدف التواصل مع أحفادهم عليهم معرفة كيفية استخدام تطبيق الزوم. بهدف المشاركة في درس البيلاتيس أصبح من الضروري استعمال التابلت. أصبحنا جميعا نستخدم الخدمات الرقمية، لا سيما في العمل. فضلًا عن ذلك، تعين علينا فجأة أن نواجه حالات غير معروفة، وكان علينا التعامل معها بشكل مختلف ومستقل. كنّا نعرف كل هذه المهارات سابقا، ولكنها تجسدت بشكل أكبر في فترة الكورونا. تبدأ المشكلة عندما يفتقر رجال ونساء كثيرون من الفئات البعيدة إلى المهارات الملائمة للعمل عن بُعد، التصرف في حالات غير مستقرة، الحفاظ على التواصل، ومواجهة حالات جديدة. يفتقد الكثير منهم القدرة على حل المشاكل بشكل إبداعي، وتتجسد هذه الحقيقة في أرض الواقع".
ما الفرق في الواقع بين الموهبة والمهارات؟
"هذا سؤال هام جدا. فقد وُلدنا جميعا مع نقاط قوة مختلفة. المهارات هي ميزة قابلة للتطوير. والمهارات التي نعمل عليها ضمن البرنامج هي مهارات يمكن لكل شخص أن يعمل عليها ويطورها. قد يكون هناك شخص موهوب أكثر من ناحية لغوية، وهذه هي نقطة قوته، ولكن لا يعني ذلك أنه لا يتعين عليه تطوير مهاراته. عندما يجري الحديث مثلا عن المعرفة اللغوية التي يحتاجها الفرد في بيئة العمل، من الواضح أن مَن ليست لديه موهبة أو ميل إلى الكتابة، لن يعمل في مجال يتطلب التفوق بهاتين القدرتين. ولكن يمكنه أن يتقدم ويطور مهارة الكتابة هذه وفق المعيار الضروري للانخراط بشكل أفضل في سوق العمل. ربما تحفز الموهبة الميل التشغيلي، ولكنها ليست المهارة الوحيدة المطلوبة للنجاح والصمود في هذا المجال. عندما يقلص كل فرد الفجوات بين المهارات الضرورية ومهاراته هو، يمكننا أن نتقدم كسوق عمل وكمجتمع".


 العبرية لغة صعبة

في الواقع، إذا كان هناك مجتمع يواجه تحديا ونقصا أكثر من غيره في مجال المهارات، فهو المجتمع العربي. فقد لاحظنا أنّ الأطر مثل حركات الشبيبة والخدمة المدنية والعسكرية - لا تتيح للجمهور تجربة تشغيلية فحسب، بل أيضًا فرصة لتطوير المهارات (مثل المهارات الاجتماعية، الإدارة الذاتية، وحل المشاكل). لا يشارك العرب غالبا في هذه الأطر، وليس هناك إطار آخر يمكنهم فيه اكتساب هذه الأفضلية"، توضح كرمي شاحار.

"في السنوات الأخيرة، نرى أن موضوع المهارات والمواهب يتصدر العناوين، وذلك لأن هناك علاقة قوية ومتينة بين مستوى المواهب والمهارات لدى الباحثين عن العمل وبين انخراطهم في سوق العمل، وقدرتهم على الوصول إلى وظائف ذات إنتاجية كبيرة"، يوضح السيد سعيد ذيابات، مدير برامج في جوينت تيبيت، ومن بينها برنامج "العبرية +". هذا هو برنامج لتعليم اللغة العبرية كلغة ثانية بهدف انخراط أبناء المجتمع العربي في سوق العمل وتقدمهم. وهناك برنامج إضافي يهدف إلى فتح الأبواب أمام الأكاديميين العرب للعمل في القطاع العام.
وفق أقوال ذيابات، إذا نظرنا إلى المجتمع العربي في آخر سنة ونصف سنة، في الفترة التي سادت فيها جائحة الكورونا، نكتشف بسهولة أن هذا المجتمع قد تضرر كثيرا. يعود ذلك إلى الفجوة بين المهارات الضرورية لجزء كبير من الوظائف في سوق العمل، لا سيما نتيجة الانتقال إلى العمل المختلط (العمل في موقع العمل والعمل عن بُعد) واستعمال الوسائل الرقمية، وبين الواقع. فمعظم الرجال العرب يعملون في وظائف تتطلب مجهودا جسمانيا وتستلزم القدوم إلى موقع العمل، تشغيل الماكنات والمعدّات في المصانع، أو قيادة الشاحنات والحافلات. لا يمكن القيام بهذه الوظائف عن بُعد. وعندما يُفرض إغلاق أو ينخفض النشاط في الاقتصاد، يتم إغلاق مجالات العمل هذه أوّلًا، فيضطر العمال إلى البقاء في منازلهم حتى يتحسن الوضع الاقتصادي وتزول الأزمة". كما يوضح سعيد ذيابات أنه يمكن هنا استثناء مجموعة الأكاديمين العرب الذين نجحوا في الحفاظ على أماكن عملهم، وذلك بفضل المهارات التي اكتسبوها خلال دراستهم الأكاديمية. تكمن المشكلة الحقيقية لدى الأكاديميين في أنهم يشغلون وظائف لا تلائم مهاراتهم، حتى إنها تعرضهم لحالة من عدم العمل: حالة لا تتماشى فيها قدرة العامل على كسب الأجر مع مهاراته. "ما زال الأكاديميون ينجحون في الحفاظ على قدرتهم التشغيلية بفضل المهارات التي اكتسبوها"، يؤكد مضيفا: "هذه الأفضلية ليست متوفرة لدى جزء كبير من الشبان العرب، الذين تعرضوا في هذه الفترة لعدم القدرة على العثور على وظيفتهم الأولى، دون أن يستعدوا لمواجهة حالات عدم اليقين، التغييرات السريعة، والحاجة إلى تعلم مهارات جديدة للصمود في الوضع الراهن".
يشير ذيابات إلى أهمية تعلم اللغة العبرية كمهارة ضرورية تساعد الشبان العرب على الانخراط في سوق العمل، وحتى على الحفاظ على مكان عملهم في ظل أزمة الكورونا. "إذا تطرقنا مثلا إلى اللغة العبرية، يمكن أن نفترض أن مستوى إتقانها يمكن أن يشكل نقطة انطلاق أفضل لدى جزء كبير من الباحثين عن العمل. فالأشخاص الذين شاركوا في دورات لتعلم اللغة العبرية ونجحوا في تحسين مهاراتهم حتى حققوا مستوى عاليا لم يحافظوا على مكان عملهم فحسب، بل نجحوا أيضا في التقدم إلى مناصب تطلبت مهارات إضافية، في حين ساهم عملهم الأول في تحسين لغتهم العبرية"، أوضح.

"حتى الناطقون بالعبرية كلغة أم لا يتقنونها جيدا دائما"، تؤكد كرمي شاحار. "فكم بالحريّ حين لا تكون العبرية لغة الأم. أحد الأمور التي نشاهدها هو أن هناك فجوة كبيرة جدًّا في معرفة اللغة العبرية في المجتمع العربي. فيجب أن نفهم أنه إضافة إلى لغة الأم واللغة الإنجليزية التي هي لغة عالمية، يحتاج العرب إلى معرفة اللغة العبرية بمستوى جيد، لأن هذه اللغة هي المستعمَلة في بيئة العمل في البلاد، البيئة التي يُفترض أن ينضموا إليها في المستقبل".

يتضح أنه إضافة إلى معرفة اللغة، يمكن اكتساب مهارات أخرى عندما يُتخذ القرار بشأن تعزيز المعرفة. "مثلا: في برنامج "العبرية +" نؤهل معلمين لتدريس العبرية ذوي خبرة في التدريس في المجتمع العربي، ونؤهلهم لتدريس اللغة من خلال تذويت مصطلحات تشغيلية وإكسابهم مهارات من عالم المرافقة التشغيلية"، يوضح ذيابات. "علاوة على ذلك، في حال كنا نرغب في تأهيل معلمين، علينا التأكد من أنهم يعرفون كيف يدرّسون عن بُعد ويستعملون وسائل تكنولوجية معينة. وهذه الحقيقة هامة بشكل خاص، لا سيما في ظل التغييرات الأخيرة". وفق ذيابات، أصبحت المعرفة الرقمية لكل المشاركين في عملية التدريس أساسية في نجاح العملية، وهو يشير إلى أن عدد الأبحاث التي تتطرق إلى العلاقة بين المعرفة الرقمية وعملية التعلم آخذة بالازدياد في السنة الأخيرة.

لم يحقق الطلب نجاحا كبيرا بعد
رغم كل الموارد والجهود، ثمة تحدٍّ إضافي يتحدث عنه ذيابات، وهو نقص الطلب لدى الشبان والشابات في المجتمع العربي على اكتساب المهارات بهدف الانخراط في سوق العمل. "لمزيد الأسف، ما زلنا نشاهد نقصا في الوعي الكافي لأهمية اكتساب المهارات"، يوضح. "ينهي الشبان العرب دراستهم الثانوية في سن 18 عاما، ضمن إطار تعليمي يركز على التحصيلات والعلامات، ويستند إلى طريقة التدريس البنكي: يتعلم الطلاب طوال السنة، ويودعون معلوماتهم في الامتحان في نهاية السنة. لا تتيح هذه الطريقة للطالب تطوير مهارات تُعتبَر ملائمة للقرن الحادي والعشرين مثل التفكير النقدي، العمل في حالات عدم اليقين، أو التعلم المستقل. إن مبدأ تعلم أمور جديدة وتحسين القدرات بشكل مستقل بهدف الوصول إلى هدف محدد أو الانخراط في وظائف جيدة غير متوفر كثيرًا. بالإضافة إلى ذلك، هناك أهمية للتطرق إلى الفوارق الشخصية لدى الباحثين عن عمل، استنادا إلى المعرفة المتزايدة حول تأثير الصفات الشخصية المختلفة على التعلم واكتساب المهارات وعلى القدرة على مواجهة حالات بين شخصية مختلفة. هذا الأمر وحده هو مهارة هامة بحد ذاتها، إضافة إلى قدرات أخرى مثل العمل ضمن فريق عمل متنوع والقدرة على التسويق الذاتي".


هل قد تكون هناك مرحلة يكون فيها "قد فات الأوان"؟

"في يومنا هذا، نعرف أن اكتساب المهارات والمواهب يبدأ في سن الروضة، عندما تشكل الحاضنة وسيطا لحالات بين الأطفال، تقرأ قصة، وتعزز مهارات اجتماعية"، تقول كارمي شاحار مُلخِّصةً: "كلما بدأنا في سن أبكر وعملنا على هدف محدد، هكذا يكون الخريجون مستعدين أكثر لدخول سوق العمل. مع ذلك، ليس هناك عمر أو حالة يكون قد فات فيهما الأوان للبدء باكتساب مهنة وتطوير المهارات. في فترة الكورونا شهدنا في تيبت أنه حتى عندما أصبحت تُمرَّر برامج التشغيل للبالغين عن بُعد، تابع الناس التسجّل لورشات معرفة اللغة الرقمية وحافظوا على علاقة مع مستشاري السيرة المهنية. خلافا لما اعتقدنا، لم يتعرض الأشخاص للخوف، وشهدنا هذا أيضا لدى فئات سكانية أخرى نعمل معها. القدرة على اكتساب مهارة وتعزيزها ليست مرتبطة بالوقت أو المكان. فكلما طورنا مهارات متتالية ملائمة لسوق العمل، نجحنا في إحداث تغيير في سوق العمل الإسرائيلي، وعزّزنا الإنتاجية والتنوع، ويعود هذا بالفائدة على الجميع".
"برنامج سكالا - يتمّ بالتعاون مع قسم العمل في وزارة الاقتصاد وجوينت تيببيت إسرائيل".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]