تشير الأبحاث والدراسات في مجال الاقتصاد والأسواق الاستهلاكيّة إلى ثورة قريبة في السوق الاستهلاكي المحلّي، لا سيّما السوق الاستهلاكي العربي، جرّاء ما ستفرضه الحكومة من قوانين الضرائب الجديدة المزمع تمريرها خلال أكتوبر القريب. حيث اعتاد الناس على أسعار معيّنة، والتي هي بطبيعة الحال ليست بالرخيصة مقارنة بأوضاع المجتمع العربي الّذي ما يزال يعاني تبعات الكورونا الاقتصادية، لتفرض الدولة قوانين ترفع من خلالها غلاء المعيشة إلى سقف لم تعرفه البلاد من قبل، مثل ضريبة السكر، ورفع أسعار الأدوات البلاستيكية المستخدمة لمرّة واحدة، رفع أسعار المحروقات الكيماوية المستخدمة للتدفئة (هذه مواد مستخدمة جدًّا في المناطق العربية النائية)، وغيرها من الضرائب.
ومن أكثر الضرائب ضربًا للسوق الاستهلاكي العربي هي "ضريبة السكّر"، والّتي ترفع أسعار المشروبات الخفيفة وفقًا لنسبة السكّر بالمشروب. وقد اعتاد السوق الاستهلاكي العربي على مشروبات تقليدية، مثل جلن الشراب التقليدي، والّذي يحوي تركيزًا عاليًا من السكّر، الأمر الّذي سيؤدّي إلى ارتفاع سعره بصورة كبيرة تصل إلى أكثر من 50 شاقلًا، رغم أنّ هذه النسبة من السكّر مموّهة، حيث يُشرب هذا المشروب بعد تخفيفه بالمياه الباردة، ممّا يعني أنّ المواطن يدفع سعرًا عاليًا نظرًا لنسبة سكّر لا يستهلكها. ومن المشروبات التقليدية الّتي اعتادها السوق العربي كيس الشراب (تروبيت)، والّذي سيصل سعره إلى 5 شواقل بدلًا من شاقل واحد. هذه المشروبات كلّها تصنّع محلّيًّا، الأمر الّذي سيقلّل من مبيعات هذه المصانع، وبالتالي قد تبقى هذه المنتوجات على رفوف الحوانيت، وتلزم أصحاب المصانع إلى تقليص أعمالهم أو إلى إغلاق المصانع.
كذلك فإنّ ضريبة السكّر ترفع من أسعار المشروبات المستوردة والمنتشرة بكثرة في الأسواق العربيّة، مثل المشروبات العصائر المستوردة والمشروبات الغازية التركية، من فريش وغيرها. وبنفس المقياس، فإنّ ارتفاع الأسعار يفقد هذه المشروبات إمكانيّات المبيعات والربحيّة، ليضطرّ المستوردون لإيقاف شركات الاستيراد.
في محصّلة الأمر، فإنّ ضريبة السكّر تضرّ بالمجتمع العربي مرّتين، الأولى يالمستهلك البسيط الّذي يعاني صعوبات اقتصاديّة، وتأتي هذه الضريبة لتفرض عليه ثقلًا آخر. والثانية بالمستورد والمصنّع العربي، والّذي لا يقوى على منافسة الشركات الكبرى العالمية.
هذا وقد قام العديد من خبراء الاقتصاد، من ضمنهم الخبير الاقتصادي د. رمزي حلبي، بالحديث عن ضرورة تهيئة السوق الاستهلاكي للتعامل مع مثل هذه الضرائب، سواءً المستهلكين أو المستوردين الّذين تنزل عليهم هذه الضرائب بصورة مباغتة ومفاجئة، دون أن يهيّئوا أنفسهم لاستراتيجيات تسويقية أو لربّما لتغييرات في مجالات تصنيعهم واستيرادهم. وتحسن الدولة صنعًا -كما بيّن الخبراء- إن منحت السوق الاستهلاكي المحلّي بكافّة مركّباته فرصة للتأقلم مع هذه الضرائب منعًا لإغلاق المصانع والشركات، والّتي ستؤدّي لتضخّم في سوق البطالة، وبالتالي لارتفاع نسب الفقر في البلاد. وهذا يتوافق مع مطلب المصنّعين والمستوردين الّذين طالبوا بفترة سنة لتهيئة مصالحهم لمجابهة الضرائب الجديدة وبناء خطّة للتعامل معها كي لا تؤدّي لتدمير مصالحهم.
[email protected]
أضف تعليق