بينما تعاني البلاد من حالة الضبابية وعدم الوضوح ما قبل افتتاح العام الدراسي، يعاني المجتمع العربي من هذا الأمر بشكل مضاعف، ففي حين أن مشكلة المدارس الإسرائيلية تكمن في التقييدات التي قد تتسبب بها إصابات الكورونا بين الطلاب أو الطواقم التدريسية، فإن مشكلة المدارس العربية ما زالت أكثر تعقيدًا وصعوبة، حيث أن المدارس تعاني أصلًا نقصًا في الغرف الصفية، مما يعني أن إمكانية تقسيم الطلاب لمجموعات في المدارس العربية، لا تنجح في معظم الحالات، ناهيك أن إمكانية التعليم عن بعد في المجتمع العربي اثبتت عدم نجاعتها بشكل كافٍ بسبب عدم توفر الحواسيب بشكل كاف وضعف البنى التحتية في بعض البلدات وظروف أخرى، وكل هذا يأتي بالإضافة إلى الأزمة الموجودة أصلًا في المدارس العربية ما قبل الكورونا.

أزمتان

"من المهم التمييز بين أمرين، الوضع المتعلق بالكورونا، والفجوات الموجودة أصلًا ما قبل الكورونا" – هذا ما قاله رئيس لجنة متابعة التعليم العربي، د.شرف حسان، وأضاف: "هنالك فجوة كبيرة بين التعليم العربي واليهودي، فجوة تساوي 3 سنوات تعليمية حسب بحث بيزا العالمي، فحسب هذا البحث كل 30-50 نقطة فجوة بين الطلاب هي سنة تعليمية والفجوة بين المدارس العربية واليهودية تقريبًا بين 130-140 نقطة، لصالح المدارس اليهودية طبعًا، وهذا الامتحان هو امتحان عالمي يفحص لغة الأم، التفكير الكمي والعلوم، ويقيّم قدرات ومهارات الطلاب.

وعن أسباب هذه الفجوات الكبيرة، يقول حسان: "قبل كل شيء، المدارس العربية تعاني نقصًا في المعايير الأولية الأساسية، في عدد وكمية وحجم الغرف الدراسية مثلًا، ففي المدارس العربية يتم استخدام الملاجئ والمختبرات وغرف الحاسوب كغرف صفية بسبب نقص الآلاف من الغرف التدريسية، وهنالك نقص في ساعات التدريس، بما يقدّر بـ140 ألف ساعة وبالطبع فجوة كبيرة بين استثمار الدولة بالطالب اليهودي الذي يبلغ عشرات آلاف الشواقل، واستثمارها بالطالب العربي، بالذات في المرحلة الثانوية، وكل هذا ينعكس على التحصيل العلمي بلا أدنى شك وعلى مستوى المدارس والطلاب وبالتالي على موضوع التسرب وكل ما يتعلق بأزمات المدارس".

وبالإضافة لكل هذا، جاءت أزمة الكورونا، لتعمق الفجوات ولتبرز النقص في الجوانب التكنلوجية والبنى التحتية المتعلقة بالتكنولوجيا، يقول شرف حسان: " أكثر من نصف الطلاب العرب منقطعون كليًا عن المدارس، لا يوجد طريقة يتواصلون بها مع المدرسة، في بداية الكورونا أجرينا بحثًا أظهر أن 150 ألف طالب عربي لا يملكون حاسوبًا في بيتهم، وخضنا نضالًا جماهيريًا وقانوني في المحكمة وعرضنا الأمر على وزارة التربية والتعليم، وهذا أدى إلى تحصيل 55 ألف حاسوب للطلاب العرب من حوالي 150 ألف حاسوب تم توزيعها في البلاد.
وتابع: نحو 90 ألف طالب اليوم بدون حواسيب، والمشكلة أيضًا أن بعض البيوت لا تصلها شبكة الانترنت أصلًا، خصوصًا في الأحياء الجديدة في بعض البلدات، وفي النقب، حيث يعاني الطلاب من أقسى وأصعب الظروف، خصوصًا في القرى مسلوبة الاعتراف.

التعليم عن بعد .. اثبت فشله

وزارة التربية والتعليم قد تغيّر تعليماتها في كل لحظة، ولكن في المجمل هنالك برنامج نهائي لافتتاح السنة الدراسية، فهل المدارس العربية جاهزة وفق هذا البرنامج؟ يقول شرف حسان وفق مراقبتهم في لجنة متابعة قضايا التعليم للأمر: "المدارس التي سيكون التعليم فيها وجاهيًا، معظمها شبه جاهزة فقد بذلك السلطات المحلية كل جهدها لهذا، لكن في حال انتقلنا للتعليم عن بعد سنعود إلى نفس المشكلة ونسجد قسم كبير من الطلاب بدون تعليم، وهؤلاء يمكن إضافتهم إلى آلاف الطلاب الذين لا يستطيعون التعلم عن بعد بسبب عسر تعليمي أو بسبب كونهم مع إعاقة معينة.

"بما أن التعلم عن بعد يتأثر بشكل مباشر من الوضع الاقتصادي الاجتماعي للعائلة وبحاجة لشروط عديدة لنجاحه، بعض هذه الشروط لا تتوفر في بيوتنا" ويتابع حسّان موضحًا هذا الادعاء: "أن التعليم عن بعد يضر بالطبقة الفقيرة والمسحوقة في كل البلاد، اليهود والعرب على حد سواء، ولكن ما يجب ذكره أن معظم العائلات في هذه الطبقة هي عائلات عربية، فأكثر من ثلثي الطلاب المعرب يعرفون على أنهم تحت خط الفقر، وعلى هذا، نحن نطالب الوزارة بوضع خطة كاملة لتقليص الفجوات، وليس قصة جزئية كالتي وضعت مؤخرًا ولم تعوض الطلاب ما خسروه، فالخسارة التي تعرض لها الطلاب قد تؤثر على حياتهم كلها، خصوصًا الفئات المبكرة مثل الصف الأول والثاني وجيل تعلّم القراءة والكتابة، والفجوة على هذا الحال ستتعمق أكثر وأكثر، خصوصًا وأن قسم من البلدات العربية ما زالت مصنفة كحمراء، أي أن التعليم بها لن يكون وجاهيًا.

مطلب لوزارة التربية والتعليم

وتحدث حسّان عن المطلب الذي توجهوا به وبالتعاون مع لجنة الأهالي القطرية إلى وزارة التربية والتعليم ولم يصلهم حتى الآن أي رد: "في حال الانتقال للتعلم عن بعد، الطلاب الذين يعانون من عدم توفر الانترنت او لديهم احتياجات خاصة، أن يتم تعليمهم من المدرسة، لأن هذه الفئة خسرت كثيرًا ومعرضة للخسارة اكثر".

تعليمات بعيدة كل البعد عن المنطق

"بلا أدنى شك فإن الوضع ليس سهلًا لإدارات المدارس، ما زلنا نعيش نفس التخبطات، وكل يوم هنالك تعليمات جديدة"- يلخص مدير مدرسة "جبل سيخ" من عين ماهل، الأستاذ حارث أبو ليل، ويقول: "حتى يوم الأحد لم يكن تطعيم المعلمين شرطًا، اليوم غيروا التعليمات، وكل يوم منذ أسبوع نعيش في نفس هذه الحالة، مثلًا الآن يتحدثون عن الفحوصات البيتية التي نوزعها الآن على الطلاب، مع كل تكلفة جلبها ونقلها وتوزيعها، هي فحوصات لمرة واحدة; حسنًا، ماذا بعد ذلك؟ ماذا نفعل باليوم الذي يليه؟ ماذا نفعل اذا تبين أن الطالب كان مريضًا لكن أصيب بعد قيامه بالفحص؟ كل التعليمات بعيدة كل البعد عن المنطق".

وتابع: "ببساطة تقول الوزارة أنه في حال وجود عدد معين من المصابين، علينا الانتقال لتعليم في منطقة مفتوحة، عن أي منطقة مفتوحة يتحدثون؟ لنذهب في جولة بالبلدات العربية ونبحث عن مناطق مفتوحة وحدائق في المدارس، أو في البلدات بشكل عام. مدارسنا عبارة عن بناية وساحة صغيرة ليس إلًا، نحن نعاني من اهمال متواصل منذ سنوات، ويجب أن نشكر الكورونا التي جعلت هذه المشاكل تطفو على السطح، والحكومات تعطينا فقط مسكّنات "أكمول" ولا تحل المشاكل، الحل يجب أن يكون بإصلاح البنى التحتية، تجديد المباني، وحل مشكلة الاكتظاظ بشكل جذري، لا باقتراحات بعيدة كل البعد ع الواقع، يريدوننا أن نعلم طلابنا في كبسولات؟ من أين نجد الكبسولات ونحن حتى المختبرات والملاجئ وغرف الحواسيب قمنا بتحويلها إلى صفوف منذ سنوات؟ نلوم الحكومة ونلوم أيضًا لجنة المتابعة وأعضاء الكنيست العرب وأعضاء الكنيست من الموحدة الذين يجلسون داخل الائتلاف الحكومي، كلهم لا يتواجدون معنا في هذه الأزمة كما يجب، والأصعب من ذلك، في 6.9 ستخرج المدارس اليهودية إلى عطلات الأعياد، ومعها ستخرج وزارة التربية والتعليم، أما مشاكل المدارس العربية، فستبقى فوق رأس المديرين، دون أي دعم ولا حلول".

معاناة الأهل

كل هذه الأزمات التي تعاني منها المدارس العربية، مفهومة بالنسبة للأهل ويمكنهم تحملها، أو أنهم اعتادوا عليها، لكن الذي لم يعتادوا عليه هو التعليمات الجديدة، التي تتغيّر كل يوم، تقول أميرة اغبارية، وهي أم لثلاثة طلاب: "انتظرنا بداية العام الدراسي، واعتقدنا أنه وأخيرًا سيعود أولادنا بشكل طبيعي إلى مقاعد دراستهم، فجاءت الموجة الرابعة، وجاءت بكمية بلبلة مخيفة مقارنة بما كان سابقًا، كل يوم هنالك تعليمات جديدة وبتنا لا نفهم ما الذي يجب أن نفعله مع أولادنا، أي فحوصات، وهل فعلًا العودة إلى المدرسة آمنة؟ يقال أن الطفرات الجديدة تؤثر على الأجيال الصغيرة، كيف سنتعامل مع هذا الأمر وكيف سنسمح عودة أولادنا للمدارس مع وجود خطر إصابتهم؟ الحقيقة أن الضرر الذي تعرض له أولادي وكل أبناء جيلهم، لا يمكن تقديره، التعليم عن بعد الذي اثبت عدم نجاعته وكل التغييرات التي تحصل، وضعت هؤلاء الطلاب في مرحلة حرجة بمسيرتهم التعليمية.

تخوف الأهالي والشعور بالضياع الذي يشعرون به صار شعورًا عامًا، فلا يمكن أن تسأل أحد من أولياء الأمور عن افتتاح السنة الدراسية إلّا وسيجيبك بأن الأمور غير مفهومة، يقول الناطق بلسام الاتحاد المحلي لأولياء أمور الطلاب في الناصرة، وائل عمري: "تعودنا في هذه المرحلة من العام، أن نعمل على تحسين ظروف المدارس ونضغط على البلديات والمجالس المحلية لبدء العام الدراسي بشكل مثالي، ولكن هذا العام كما في العام السابق، الاهتمام كه بموضوع الكورونا، حالة من البلبلة من التعليمات ومن المصطلحات الجديدة، وكل يوم هنالك المزيد من المصطلحات في تعليمات الوزارة، والأهل ينتظرون، وبدورنا ننصحهم بأن يهتموا بأن يحصل أولادهم على اللقاح ونعمل على رفع الوعي في الموضوع لأن هذا هو الحل الوحيد لعودة التعليم الوجاهي، فبدون التعليم الوجاهي لن يتعلم الطلاب العرب، فالتعليم عن بعد اثبت عدم نجاعته ونحو 60% من الطلاب العرب لم يتعلموا ولم يستفيدوا".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]