يكاد لا يمر يوم دون أن نسمع عن حادث اطلاق نار أو حتى جريمة قتل، فمنذ بداية السنة، اجتاز مجتمعنا العربي الـ100 قتيل، في رقم قياسي غير مسبوق!
حول هذا الموضوع تحدث مراسلنا مع بعض الناشطين السياسيين والاجتماعين، ما الأسباب؟ وعلى من تقع المسؤولية؟ وأين تكمل الحلول؟
أرقام قياسية مذهلة
وفي حديث مع مدير مركز المساواة والمجتمع المشترك في غفعات حبيبة محمد دراوشة، قال" وصول مجتمعنا الى هذه الأرقام القياسية المذهلة هو امرٌ خطير، محزن، ومؤلم، نتحدث عن اكثر من 100 عائلة فقدت اغلى ما يمكن، وهو روح احد ابنائها او احدى بناتها. هذا الحجم من الضحايا يوازي ما يموت في اسرائيل في حرب طاحنه، ونحن ندفع هذا الثمن بشكل تراكمي يوماً بعد يوم.
نثور رفضاً لهذه المصيبة المتزايدة
وأضاف: بدل الاعتياد على القتل والجريمة، والموت والاصابات بجروح، والخمول المجتمعي الكامل امام هذه الجائحة يجب ان نثور رفضاً لهذه المصيبة المتزايدة، لأننا ان لم نقتلها ستستمر بقتلنا، عناوين اللوم واضحة، اولاً وقبل كل شيء نلوم الحكومة التي صنعت من بلداتنا احياء فقر، واحياء مكتظة، يختلف فيها الناس على متر ارض، او مصف سيارة، او تداخل مصالح بسبب عدم تنظيم الشوارع، وعدم وجود مراكز تربوية وتثقيفية، وعدم وجود جمعيات حاضنة للشباب، وعدم وجود ضبط للقوانين، ومعاقبة المجرمين الصغار قبل ان يصلوا درجة الجريمة المنظمة التي تفتك بنا.
لا ارى من الخطط الحكومية سوى زيادة الميزانيات للشرطة
وتابع دراوشة: "انا لا ارى من الخطط الحكومية سوى زيادة الميزانيات للشرطة لتخصصها الى وحدات هدم البيوت، ولا ارى حضوراً فعالاً وكافياً لأفرادها في داخل البلدات العربية لمكافحة العنف والسرقات والازعاج ومخالفات السير، وفرض نظام الوقوف في حواشي الشارع، ورمي النفايات في المناطق المفتوحة، مما يساهم في حالة الفوضى العارمة التي تهيمن على شوارع بلداتنا، الحكومة لوحدها قادرة على الحل الجذري لمأساتنا المتفاقمة، وبإمكانها الاستعانة بخطط قدمتها لجنة المتابعة، ولجنة رؤساء المجالس وخطط خبراء محليين وأجانب. ما ينقصهم هو النية بالتنفيذ، واقامة هيئة مشرفة ومراقبة على الشرطة لضمان النتائج المطلوبة.
لجان الصلح المحلية اصبحت اهم من السابق
وأضاف: لجان الصلح المحلية اصبحت اهم من السابق، وصناع الخير في مجتمعنا هم من يحمونا حالياً من الانزلاق الكامل الى الهاوية، ولكن بعض منها لا يملك المهارات اللازمة لحل النزاعات، ويصبح دورهم فقط اطفاء مرحلي للحرائق وليس علاج عميق للمشاكل التي تحدث. كذلك لا قدرة ولا صلاحية لهم للتعامل مع عصابات الاجرام المنظم، والتي تستدعي القوة لمواجهتها والقضاء عليها، اعتقد ان اقامة وحدات شرطة بلدية تعمل ليل نهار في البلدات العربية ستساهم في خلق قاعدة ملائمة لنجاعة عمل وحدات لجم الاجرام الخطير، وذلك بمتابعة التصرفات المنافية للمصلحة العامة في بدايتها. ولا يمكن من تقليل دور التربية، تربية الاهل وتربية المدرسة، واعطاء الصلاحيات للأهل والمعلمين لضبط التصرفات السيئة، بدل ملاحقتهم القانونية، احيانا فقط لتوبيخ طالب على فعلٍ مرفوض. تربية الأهل يجب ان تكون هي البوصلة لكل جهودنا، ولكن قسم منهم يحتاج الى الارشاد والمساندة من اقسام الرفاه الاجتماعي وجمعيات اهلية، لضمان الأداء والنتائج المطلوبة.
من الصعب استيعاب هذه الارقام
وتحدثت الناشطة النسوية ورئيسة مجلس نعمات في المثلث الجنوبي، ميسم جلجولي "من العصب استيعاب هذه الارقام ولكن الاهم ان وراء هذه الارقام عائلات ثكلى، أطفال، زوجات وأزواج، أمهات وأباء أخوات وأخوة فقدوا أعز ما لديهم، مجتمعنا في حالة انهيار أخلاقي والشعور هو أننا فقدنا البوصلة، بالطبع هناك مسؤولية مجتمعية، لقد غضضنا الطرف عن الكثير من الظواهر السلبية على مدار سنوات طويلة، سمحنا لعائلات الجريمة باختراقنا وبعضنا تعاون وما زال يتعاون مع هذه العائلات.
فشل الدولة ومؤسساتها
وتابعت: طبعا الفشل المركزي هو فشل الدولة ومؤسساتها ولكن وبما ان توقعاتنا من الدولة والتي ترى بنا خطر ديموغرافي ليست كبيرة، هذا لا يعني بأن نعفي الحكومة من مسؤولياتها بل علينا تكثيف الضغط الشعبي عليها، ولكن وبالأساس علينا بناء اليات مجتمعية بمشاركة المواطنات والمواطنين والسلطات المحلية والقيادات السياسية ولجنة المتابعة ومنظمات المجتمع المدني، على هذه الاليات وضع خطة تعمق من مشاركة الجمهور في مكافحة العنف.
الخطة الحكومية منقوصة ولا تفي بالتوقعات
وأضافت جلجولي: الخطة الحكومية منقوصة ولا تفي بالتوقعات ، وهي تركز على لوم الضحية بدلا من التركيز على التقصير الحكومي على مدار 72 عاما، هذا التقصير المتعمد جعلنا مجتمعنا ضعيفا اقتصاديا واجتماعيا بل وعمق الفوارق بين المجتمع العربي واليهودي. الاوضاع الاقتصادية الصعبة والاكتظاظ السكاني الكبير في كدننا وقرانا في ظل غياب خطط لتنظيم البناء، بل وهدم البيوت على رؤوس اصحابها تعتبر دفيئة للعنف، كل الابحاث تثبت ان الاكتظاظ السكاني والاوضاع الاقتصادية الصعبة هي من الاسباب المركزية في تفشي العنف والجريمة.
وقالت: الخطة الحكومية لا تعطي اجابات أو حلول لهذه المعضلات بالإضافة الى عدم الوضوح حول قضية الميزانيات المخصصة لمكافحة العنف، انا اعتقد أن هذه الخطة وكغيرها من الخطط الحكومية السابقة ستبقى حبرا على ورق الا اذا كثفنا الضغط الشعبي.
واختتمت بالقول " أعتقد أن كل مجتمع ناجح لديه اليات للصلح في حالات الخلاف، هذه الية معتمدة عالميا، ولكن مشكلتنا هي تركيبة هذه اللجان، هذه اللجان لا تمثل التنوع في مجتمعنا ولهذا السبب قرارتها في غالبية الحالات تفشل في حل النزاعات- كل أعضائها رجال كبار في السن، يتم اختيارهم على أسس عشائرية. وانا اعتقد انه ان الاوان للجان صلح تشمل النساء والرجال، الشباب وكبار السن، وعلى أعضاء هذه اللجان أن يكونوا ملمين بالقوانين والانظمة، هذه اللجان لا تحل محل الشرطة والمحاكم، بل هي اداة مكملة، ويجب عليها المساهمة في تطبيق القانون لا أن تحل مكان القانون.
يكاد لا يمر يوم دون حالة قتل جديدة بالمجتمع العربي
اما رئيس حركة "رايتنا" السياسية والخبير بموضوع العنف والجريمة السيد سامر عثامنه قال، قال: أنه يكاد لا يمر يوم دون حالة قتل جديدة بالمجتمع العربي بالبلاد، حتى الأن قتل 100 بعام 2020 من أبنائنا وبناتنا و 1508 منذ العام 2000، إن هذه الأعداد الكبيرة من حالات القتل والعنف تشير الى عمق الازمة المجتمعية التي نمر بها وانعدام الأمن والأمان بشكل كلي وباتت هذه الظاهرة تقض مضاجع الجميع.
نسبة ضحايا العنف تتعدى 40%
وتابع: لا ينبغي على المواطن العربي أن يكون باحثا او خبيرا بمجال العنف والجريمة كي يقر بهول هذه الظاهرة الفتاكة التي باتت تأكل الأخضر واليابس وإن استمرار هذا الانفلات له تبعيات وإسقاطات خطيرة على حياة الجميع، مع أن المجتمع العربي يشكل 20 % من السكان إلا إن نسبة ضحايا العنف المستشري تتعدي نسبة ال 40 % من مجمل ضحايا العنف بالدولة كلها .
السلاح غير المرخص منتشر بجميع القرى والبلدات العربية
وقال: لقد بات من المؤكد أن السلاح غير المرخص المنتشر بجميع القرى والبلدات العربية يشكل الخطر الأول على حياة الجميع. إزاء هذا الخطر الكبير والقتل اليومي نلاحظ عجز المؤسسات وتخاذلها بإعطاء الحلول وعلى رأسها جهاز الشرطة المسؤول الأول والأخير عن القبض على تجار السلاح ومن يمتلكونه من المواطنين ،أمام عجز المؤسسات بمعالجته والحد من امتداده رأيت أن جميع النداءات والمناشدات الصادرة عني شخصيا وعن الكثير من الزملاء المهنيين والقيادة العربية لم تحقق الهدف، بل إن النتائج جاءت عكسية طالما لم يتم معالجة الظاهرة من الأعماق ووضع خطط بعيدة الأمد واولها جمع السلاح بدون اي تهاون مع اي مجرم. وإلى جانب جمع السلاح يجب ان تكون هناك خطط استراتيجية وأهمها إيجاد وبناء الأطر التربوية للتأهيل والعلاج للشباب، من الجديد بالذكر أن نسبة 28 % من الشباب بين الأعمار 18- 22 سنة غير موجودة بأي إطار تعليمي أو عمل وما ذكرت سابقا من بناء الأطر التربوية والعلاجية سوف يسد احتياجات هذه الشريحة ويمنع تدهورها الى عالم العنف والجريمة، كما ان زيادة مناطق وأطر التشغيل ببلداتنا بإمكانه تجسين الأوضاع الاقتصادية وبالتالي يحد من توجه الشباب العاطل عن العمل للانخراط بعالم الجريمة وغيرها من الأمور الهدامة لها الجيل.
واختتم: " علينا كمجتمع يتوق للحياة الخروج لنضال واسع ضد سياسات تقصير الحكومة بعملها للحد من هذه الظاهرة وبالمقابل علينا ملقى الواجب بتعزيز جهاز التربية والتعليم والاطر الغير منهجية للشباب وتطوير المرافق الاقتصادية التي بإمكانها استقطاب الشباب.
تغلغل جذور الاجرام
اما المحامي احمد المالك فقال: " لا شك ان المجتمع العربي ينزف الدم في اعقاب تغلغل جذور الاجرام في الوسط ،حيث اصبح موضوع الاجرام يأخذ الحيز الاكبر وذو الأهمية من جميع الاتجاهات، مما افقدنا البوصلة وعدم النظر وعلاج مشاكل اخرى في داخل مجتمعنا فان حصد ل 100 قتيل خلال عام هي الكارثة الحقيقة التي لا نحمد عليها، حيث اصبح الخوف يطرق باب الجميع، من احداث عنف استشرت في مجتمعنا من قتل واطلاق نار وتهديد وترويع، وعدم كبح افة الاجرام هي مسؤوليتنا اولا ومن ثم نوجه اصابع الاتهام بالتقاعس والتماطل من قبل جهاز الشرطة لعدم العمل لجمع السلاح غير المرخص في الوسط العربي
منذ سنين وننتظر بلورة الخطة والمصادقة عليها
واكمل الحديث: اما بالنسبة للحديث عن خطة الحكومة المقترحة لا سيما واننا منذ سنين وننتظر بلورة الخطة والمصادقة عليها واخراجها حيز التنفيذ، ولكن سنين تتلو سنين والمجتمع العربي بانتظار وضع خطة هادفة لتساهم بكبح الجريمة والعنف، انني لا اعول على الخطة من اجل اخراجنا من دائرة العنف والاجرام ما دمنا لم نزرع بأنفسنا وقلوبنا ثقافة التسامح والتفاهم والعفو، انما وضع خطة مدروسة التي تعمل لأنشاء اجيال ذوي ثقافة وتربيه للتعلم لغة التسامح والتأخي انها حتما ضرورية وملزمة، خطة تعليمية من دورات ولقاءات في داخل المدرسة والاحياء والنوادي لإرشاد الشباب والجيل الصاعد وتعميق حب الغير والعفو التسامح انها ضرورية للغاية، وضع مراكز للشباب وللجيل الصاعد لتوعيته لعدم الانخراط والانجراف لطرق غير شرعية وأخلاقية، انها حتما مهمة، في حالة انعدام خطة مدروسة من قبل مؤهلين ومختصين في مجال منع الجريمة وغيرها، وعدم العمل الجاد والملح وتماطل المسؤولين في اخراج تلك الخطة وايداع الميزانيات الكافية من اجل اخراجها الى حيز التنفيذ، فان ستساهم بالمفهوم العكسي في زيادة حالة الفلتان وانتشار الجريمة في مجتمعنا.
لجان الصلح
وتابع: طرح موضوع لجان الصلح والقضاء العشائري، اعتقد ان هذه المسالة شائكه، من جهة وجود لجان الصلح امر ضروري وفعال وقد أُثبت على ارض الواقع، حيث استطاعت ببذل كل قواها لمنع تدهور وتفاقم احداث عديده او منع حصولها، ولكن للأسف عمل تلك اللجان محدود ولا تملك كل الصلاحيات وفق القوانين، فهي لجان ترغيب وليست ترهيب، وان فرض قضاء عشائري في دولة قانون لا تملك تلك العشائر الصلاحيات القانونية هذا امر غير ممكن، ولكن اذا كان العمل بالقضاء بحكم الدية وما شبة ذلك لاحتواء الجريمة او منعها فلا مانع، لكن ما دام حكمها ترغيب وموافقه وتخويل من الطرفين. واخيرا اسأل الله ان يصلح حالنا ويرشدنا الى الصواب وما يصب من اجل مصلحة مجتمعنا، واناشد الجميع، بالتروي والعقلانية، حيث ان العنف والقتل ما هو إلا من عمل الشيطان، وما ينتج عنه إلا تدمير بيوت ومجتمع بكامله.
الناشطة الاجتماعية منال باسم، قالت: للأسف 100 قتيل حتى الان اي 100 عائلة منكوبة ومئات اليتامى وارامل وامهات ثكالى، ومئة قضية لم تُفك رموزها و100 قاتل حر طليق عدد يدق مليون ناقوس أن الوضع مقلق.
الدالة التصاعدية هذه تدل على تدهور الوضع
وتابعت: الحديث مع الاسف الدالة التصاعدية هذه ان دلت تدل على تدهور الوضع في وسطنا العربي والتطبيع الخطير مع ظواهر الجريمة والعنف، لهذا يجب مكافحتها بكل الوسائل حتى تبقى منبوذة ومرفوضه، لا شك ان تقاعس الدولة والسلطات بأداء واجباتها اتجاه المواطنين بالوسط العربي، هو احدى اسباب تفشي ظواهر العنف واستفحالها وعدم وجود رادع وعدم بسط سلطة القانون واحقاق الحقوق وترك الحبل على غاربه لحملة السلاح سهل الوصول، هو ما يجعل القانون السائد هو قانون الغاب ويزيد الطين بله.
وأضافت: مع تقاعس الشرطة في محاربة الجريمة نراها تضرب بيد من حديد كل ما يمس بالوسط اليهودي، وتوظف اجهزتها التكنولوجية المتطورة وتبلغ كل ما بوسعها لتقوم بألقاء القبض بشكل سريع على كل من تسول له نفسه الاقتراب من المدن اليهودية او الوسط اليهودي بدون حاجه للاستعانة بأي احد، بل ونلاحظ ان عدد مراكز الشرطة في ازدياد داخل المدن العربية، نعم نحن بحاجه لخطة استراتيجية لمحاربة العنف وفك رموز الجرائم، وتقديم الجناة للعدالة.
[email protected]
أضف تعليق