في مثل هذا اليوم من العام 2017، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسميًا اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، في خطوة خطيرة أثارت موجة واسعة من الإدانات والانتقادات العربية والدولية.

وأنهت هذه الخطوة تقاليد السياسة الخارجية الأميركية التي امتدت لعقود وكانت تتجنب إعلان القدس عاصمة لـ"إسرائيل" في ظل غياب اتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي.



ثلاثة أعوام مرت على قرار ترمب، ولا تزال الحكومة الإسرائيلية تواصل بوتيرة متسارعة تنفيذ مخططاتها التهويدية والاستيطانية بحق مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، في مسعى خطير لطرد سكانها الأصليين وجعلهم أقلية لا تتجاوز نسبتهم الـ 12%.

ففي السادس من ديسمبر عام 2017، قرر ترمب نقل السفارة الأميركية من "تل أبيب" إلى القدس كاعتراف بها عاصمة لإسرائيل ضاربًا بذلك كل التحذيرات العربية والإسلامية والدولية عرض الحائط.

وقال ترمب في كلمته من البيت الأبيض حينها: "آن الأوان للاعتراف رسميًا بالقدس عاصمة لإسرائيل"، مضيفًا أن القرار يعكس مقاربة جديدة إزاء النزاع العربي الإسرائيلي"، معتبرًا أنه يعترف أصلًا بـ"واقع" قائم.

وفي 14 مايو/أيار 2018، نفّذ ترمب وعده وافتتح السفارة في حفل أقيم بالعاصمة الفلسطينية، شارك فيه ممثلون أوفدهم الرئيس الأمريكي، وسط مقاطعة 54 سفيرًا أجنبيًا من 86 آخرين رفضت بلادهم قرار واشنطن.

وأثار قرار ترمب ردود فعل عربية ودولية، وخرجت المظاهرات الغاضبة والاحتجاجات في الأراضي الفلسطينية وعدة بلدان عربية ودولية تنديدًا بتلك الخطوة، وتصاعدت "انتفاضة القدس"، من خلال عمليات الطعن المنفذة من قبل الشبان الفلسطينيين ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه بالضفة الغربية والقدس.

ورفض غالبية قادة العالم القرار، مؤكدين وجوب إيجاد حل سياسي يستند إلى حل الدولتين بما يشمل إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس على حدود 1967.

ولم يكن القرار بالأمر المرحّب به لدى الاتحاد الأوروبي، وقال في بيان له: إنّ" الدول الأعضاء موحّدة حول الموقف من القدس، وأكّدوا التزامهم بقيام دولة فلسطينيّة عاصمتها القدس الشّرقية، وإنّ أيّ بعثات دبلوماسيّة ينبغي ألّا تنقل إلى القدس في وقت لا يزال الوضع النّهائي للمدينة محلّ نزاع".

وعلى إثر هذا القرار، قطعت القيادة الفلسطينية اتصالاتها السياسية مع الإدارة الأمريكية، وأبقت الاتصالات الأمنية، وقلصت واشنطن الدعم المالي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" كنوع من الضغط، وأغلقت مكتب منظمة التحرير في واشنطن.

وفي يوم 7 ديسمبر 2017، عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماعًا طارئًا دان فيه 14 عضوًا من أصل 15 قرار ترمب، واعتبروه انتهاكًا للقانون الدولي، وصوتت 151 دولة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة على رفض العلاقات الإسرائيلية بالقدس.

وتوعدت واشنطن عددًا كبيرًا من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، والتي صوتت لصالح قرار يدعو ترمب للتراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، في 21 ديسمبر 2017، وهددتهم بالعقاب.

وكانت واشنطن و"إسرائيل" مارستا الكثير من الضغوط، وقدمتا الكثير من المغريات إلى دول العالم من أجل الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" ونقل سفاراتها إلى المدينة، لكن دون جدوى.

وعرضت "إسرائيل" على الدول الغربية، وخاصة في أمريكا الجنوبية وأوروبا وأفريقيا، امتيازات من أجل نقل سفاراتها إلى القدس.

وعلى عكس ما كانت تأمله واشتطن، خالفت دول العالم الإدارة الأمريكية في قرارها الذي ظل مقتصرًا فقط على غواتيمالا بعد أن تراجعت بارغواي وأرجعت سفارتها إلى "تل أبيب" بعد أربعة شهور فقط على افتتاحها بالقدس.

وقرار ترمب بشأن القدس، أعطى "إسرائيل" الضوء الأخضر للتغول في ممارساتها وجرائمها بحق المدينة وسكانها لأجل إحكام سيطرتها الكاملة على المدينة، من خلال زيادة وتيرة هدم المنازل، والاستيلاء على الأراضي والمنازل الفلسطينية، وفرض المخالفات والضرائب على المقدسيين، وتشديد قبضتها على كافة مناحي حياتهم.

وسارعت حكومة الاحتلال لمنع جميع الأنشطة الثقافية والاجتماعية في المدينة المقدسة، وحاولت فرض مناهجها الدراسية على المدارس الفلسطينية، بالإضافة إلى زيادة اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، ومحاولات الاحتلال لتنفيذ مخططاته التهويدية بحق المسجد.

ومنذ إعلان ترمب القدس عاصمة للاحتلال، صادقت حكومة الاحتلال على آلاف المشاريع الاستيطانية والتهويدية بالمدينة، منها "مركز مدينة القدس"، "وادي السيليكون"، "عجلة القدس"، و"الحدائق التوراتية" ومشروع "القدس الكبرى"، وغيرها.

وتهدف سلطات الاحتلال من خلال مشاريعها، لتغيير طابع المدينة العربي الإسلامي وهويتها، وطمس معالمها وتزوير تاريخها وحضارتها العريقة، وتطويقها من الخارج بحزام استيطاني متصل، لجعلها مدينة يهودية بحتة.

واليوم تسارع حكومة الاحتلال الخطى لأجل تنفيذ مشاريعها بالقدس، مستغلة ما تبقى من ولاية الرئيس ترمب، وقبيل تولي الرئيس المنتخب الجديد جون بايدن الحكم في الولايات المتحدة في يناير المقبل.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]