يشير عدد من الكتب والباحثين إلا أنّ معاهدة السلام بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، التي تمَّ التوقيع عليها رسميًا في البيت الأبيض في 15 سبتمبر (أيلول) 2020، مثَّلت تحولاً استراتيجيًا مهمًا، وتغيّراً أساسياً في قِيَم الصراع.
ويؤكد العديد من الباحثين والكتّاب أنه ليس ثمة إجماع في منطقة الشرق الأوسط حول هذه الخطوة، والمتعلقة بأطول صراع في المنطقة؛ فقد رفضتها القيادة الفلسطينية، وتباينت حولها الآراء. في المقابل، يمكن الجدل بأنْ تكون لهذه المعاهدة انعكاسات مهمة؛ ليس فقط على علاقات الدولتين طرفَي المعاهدة، بل على منطقة الشرق الأوسط والساحة الدولية. وعلى الرغم من أن المعاهدة لم تدّعِ أنها جلبت الحلّ للقضية الفلسطينية - الإسرائيلية، فقد وُصِفَت المعاهدة الإماراتية - الإسرائيلية بأنها «لحظة تاريخية» أو «اختراق تاريخي». حول هذا الاتفاق وتداعياته، تحدث موقع "بكرا" إلى الدبلوماسيّة والمختصة في شؤون الشرق الأوسط، رون فيسرمان، والتي سبق وأنّ شغلت منصب دبلوماسية في السفارة الإسرائيلية في القاهرة.
الاتفاق يغير واقعًا
وفي تعليقها على الاتفاق قالت: أنّ الاتفاق يغير الواقع، عشت في مصر لمدة 3 سنوات كدبلوماسية في السفارة المصرية، مشاهدة وقراءة الصحف العربية الصادرة عن الإمارات العربية المتحدة والبحرين ما بعد الاتفاق تشير إلى واقع جديد، واقع مليء بالتفاؤل، واقع يؤكد أنّ إسرائيل ستكون قادرة على توقيع اتفاقيات إضافية مع دولا أخرى، وتتحول من دولة عدوة إلى دولة شريكة في بناء الشرق الأوسط، كما وأنها توقف حقبة طويلة من الزمن التي فيها وقعت رهينة لدى السلطة الفلسطينية التي لوحت بورقة التطبيع مع العالم العربي كشرط لتوقيع اتفاق سلام.
وأضافت فيسرمان: هذا لا يعني أنّ هذا الاتفاق سيتجاوز الفلسطينيين، على العكس، فالحديث لا يدور عن تكتيك أمريكي، إنما استراتيجية أوسع يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي ستشمل لاحقًا الطرف الفلسطيني إلا أنّه إلى حينه نعرف أي دور سيلعبه الفلسطيني ضمن هذه الاستراتيجية العامة.
اتفاق مرغوب وغير مفروض
ونفت فيسرمان أنّ يكون الاتفاق مفروضًا على الإمارات العربية المتحدة والبحرين، خاصةً وأنّ الحديث عن دولٍ لطالما ثقفت سكانها على الحقيقة أنّ إسرائيل دولة عدوة، وقالت في السياق: الإمارات العربية المتحدة والبحرين لم تتواصل مع إسرائيل من خلال الاتفاقية الحالية فقط، فعلى ارض الواقع كان هنالك تعامل وتعاون على عدة مستويات، ما جرى أنّ هذا التعاون تحول إلى علنيّ، وإسرائيل التي لعبت سابقًا دور "العشيقة السرية" للإمارات العربية المتحدة تتحول الآن إلى الزوجة المعروفة على الملأ.
إلى ذلك، اتفقت فيسرمان مع موقع "بكرا" أنه ورغم الاتفاق: هنالك الكثير مما يجب أن نقوم به لتحسين صورة إسرائيل على مستوى الوعي الجماهيري للسكان في الخليج، فقد نكون مقبولين على سكان الإمارات العربية المتحدة إلا أن الوضع ليس مشابهًا في بقية الدول الخليجية.
تبدل الرئيس الأمريكي والاتفاق
وفي تعليق عن إمكانيّة تبدل السلطة في الولايات المتحدة، الأمر الذي يمس بالاتفاق أوضحت فيسرمان أنّ: الاتفاق وقع، ولا يوجد طريق للرجعة، العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة تطور بعد إتفاقيات "أوسلو" وتراجع لاحقًا، إلا أنه فعليًا موجود على أرض الواقع، ما حدث حاليًا هو إخراجه على الملأ، إذا ما تبدلت إدارة الولايات المتحدة في الانتخابات القريبة قد نشهد، تراجع معين في الاتفاق إلا أنه من المؤكد لا يمكن تغييره أو التراجع عنه.
وعن تفاصيل التعاون بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدةـ قالت فيسرمان أن: الاتفاق يشمل تعاون في عدة مجالات، سواءً أكاديمية أو اقتصادية أو في مجال الهايتك، أو الفن أو الأبحاث والصحة والعديد من المجالات التي يرغب الإسرائيليون تطويرها أمام العالم العربي.
وأكدت فيسرمان أنّ: هذا الاتفاق لا يعود بالفائدة فقط على السكان في الإمارات وإسرائيل، إنما ايضًا على العرب في إسرائيل الذي ستفتح لهم أبواب الاستثمار والتعاون مع العالم العربي.
اتفاق عسكري وليس فقط تكتيك مهني
ولم تنفِ فيسرمان أنّ التعاون يشمل علاقات عسكرية، وفي السياق أوضحت: الصراع في العالم اليوم ينقسم بين معسكرين مع هوية دينية، المعسكر السني والمعسكر الشيعي، ولا يخفى على أحد أنّ هنالك إصطفافات ترغب بها الدول السنية لمواجهة المد الشيعي، عليه ايضًا هذا الاتفاق يأتي ليمد جسور التواصل على عدة أصعدة معنية، ويحمل بذلك خطوة تعاون تكتيكية، إلا أنه وفي المقابل يحمل مستوى ابعد وهو استراتيجي لمواجهة ايران وخطرها على الشرق الأوسط، مع التشديد أنّ أيران تهدد أمن إسرائيل، بجميع سكانها، سواءً من اليهود أو العرب.
وأوضحت فيسرمان في السياق: أنّ الاتفاق مع الإمارات العربية المتحدة، يختلف عن الاتفاق مع مصر والأردن، الذي ارتكز فقط على الجانب الأمني مع تنسيق عالي، فمصر والأردن لها تواصل جغرافي حدودي مع إسرائيل، إلا أن الإمارات لا يوجد هذا التواصل، مما يعني أنّ الحاجة إلى اتفاق مع الإمارات أبعد من الجانب الأمني دون التقليل من الجانب الأمني خاصة وأنّ موقع الإمارات العربية المتحدة هو موقع مهم- جانب مضيق هرمز .
عملية السلام مع الجانب الفلسطيني
وختمت فيسرمان حديثها عن الجانب الفلسطيني، وعن إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية بالقول: الفلسطينيون يمكن الربح من هذا الاتفاق، واكثر من هذا هم لاعب مركزي في هذا الاتفاق، على الرغم من أنهم قرروا المعارضة، إلا أنّ قطار السلام انطلق، ولاحقًا سيجد أنفسهم الفلسطينيون مستفيدون من الاتفاق وسينضمون إليه، إلا أنّ المعادلة لذلك غير واضحة بعد. الفلسطينيون لا زالوا في المرحلة الحالية يعيشون حالة غضب من فقدان "البطاقة الرابحة لهم- علاقتهم بالعالم العربي"، إلا أنّ مجرد الفكرة أنّ هذا الاتفاق سيقوض كل فكرة الضم هو أمر على الفلسطيني أن يجد به فوز مهم لهم ويدفعهم إلى التعاون والعمل مع هذا الاتفاق.
[email protected]
أضف تعليق