في حديثٍ خاص لموقع "بكرا" مع الناشطة يارا حركي للاطلاع عن أوضاع لبنان، خاصةً مع تجدد الاحتجاجات في الشارع، قالت أنّ الأوضاع لا زالت مبهمة، ومن الصعب قراءتها أو التنبؤ بتداعياتها وإسقاطاتها على الشارع اللبناني، أخذًا بعين الاعتبار أنّ هنالك حالة غليان وسخط كبيرة إلا أنه ومقابلها هنالك تركيبة سياسية وطائفية ومذهبية للبنان التي قد تحول دون ترجمة هذا السخط إلى انقلاب حقيقيّ في النظام السياسي في لبنان نحو تطهيره من قوى الفساد.

وجاءت تقييمات الحركي وسط موجة من الاستقالات لعددٍ من النواب، كما وسلسلة اعتقالات طالت عدد من المسؤولين عن مرفأ بيروت إلا أنها اشارت أنّ هذه الخطوات ليست كافية واصفة اياها "بالمورفين" وحقن تهدئة للشعب اللبناني لامتصاص غضبه.

واشارت أنّ الأوضاع في لبنان محزنة للغاية، فقط ادت الكارثة إلى تدمير مناطق منها؛ بيروت الإدارية، الأشرفية، الجميزة، مار مخايل، وسط بيروت، الحمراء، الكرنتينا، وبرج حمود الخندق الغميق.

دون لجنة أضرار

وأوضحت أنّ كارثة لبنان لم تفضح فقط الفساد السياسي، انما الفشل التنظيمي الناتج عن هذا الفساد السياسي، فحتى اليوم على سبيل المثال لم تشكل أي لجنة مهنية تعمل على إحصاء الأضرار بشكل مهني، ففي لبنان هنالك لجنة مسؤولة عن الكوارث الطبيعية إلا أنّ عملها حتى الآن يقتصر على التقديرات، فقد قدرّت عدد المتضررين بـ 300 الف متضرر، بحساب الكثافة السكانية على المنطقة المتضررة، إلا أنّ هذه اللجنة لم تشكل طاقم مهني يستطلع منطقة الكارثة ويعمل على التفقد وإجراء إحصاء ومعاينة فورية.

وفي توضيح للنقطة الأخيرة أشارت الحركي أنه وعلى سبيل المثال، وهذا ما أكتشفه المتطوعون، أنه وبسبب الانفجار وقوته هنالك مبانٍ آيلة للسقوط، وعلى أحدهم أن يقوم بمعاينة هذا المباني وتحديد خطورتها، وهذا- حد تعبيرها- ليس فقط كلام شارع إنما شاهدنا انهيار عمارة سكنية أثناء عمل فرق المتطوعين بها.

وقالت الحركي أنّ ما حدث في مرفأ بيروت، رغم الأماني أن يكون لإسرائيل ضلع بالكارثة، إنما هو حادث جاء ليؤكد ما قلناه سابقًا عن الفساد في لبنان، وعن تواطأ منظومة سياسية بكاملها، فدخول "نيترات الألمنيوم" إلى المرفأ، وهو عادة أمر متعارف عليه دوليًا إذا ما تم تخزينه بالطريقة السليمة، تم بمصادقة ليس فقط اداريو المرفأ، انما وزارة النقل، ووزارة الداخلية، ووزارة القضاء، وغيرها من الوزارات التي علمت بوجود القنبلة الموقوتة إنما كملت المعاملات بطريقة عادية ولم تعترض وخضعت لأصحاب النفوذ مستخفة بحياة البشر.

وتطرقت إلى حالة الغليان في الشارع اللبناني والمظاهرات التي قام خلالها المتظاهرون بتعليق المشانق لعدد من القيادات مؤكدة أنه من غير الواضح كيف ستتطور الامور في الشارع اللبناني، والذي خرج محتجًا ليس بسبب الكارثة فقط، انما بسبب سياسة الأفقار والنهب الممنهجة، فليس فقط المرفأ قضيتنا انما هو الفساد، هو انعدام الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وأوضحت الحركي أنه ورغم حالة السخط التي يعيشها المواطن اللبناني علينا الا ننسى التركيبة السياسية للبنان، فلبنان تتشكل من مذاهب وطوائف وحركات وأحزاب وكل له تأثيره الخاص على الشارع، وكل له جمهور الخاص على الشارع، مما قد يحول حالة الغيان إلى مجرد تنفيس للحفاظ على النظام السياسي القائم.

وعللت الحركي وجود حراك شبابي فوق حزبي، او طائفي أو مذهبي قوي وقادر على التأثير والتغيير في الشارع اللبناني برغبة الشباب بالتغيير إلا أنّ هذه الرغبة يحيطها بوصلة موحدة تجمع كل الأطراف سوية، فالحراك القائم اليوم، وإن كان له إنجازات، هو يعكس التركيبة السياسية للبنان، فقسم منه شباب حركات أو أحزاب، سواءً انتموا سابقًا أو لا زالوا ضمن الكوارد.

زيارة الرئيس الفرنسي

وفي قراءة لزيارة الرئيس الفرنسي عمانوئيل مكرون إلى لبنان، وتواجده في الشارع اللبناني والعريضة التي تطالب بإعادة الإنتداب قالت الحركي أنه لا يوجد أي دولة منزوعة المطامع في لبنان، ومن السذاجة أنّ نعتقد ذلك، نحن نعي أنّ لفرنسا أهداف سياسية، سواءً بالتموضع بلبنان أو بفرض هيبتها على منطقة في الشرق الأوسط أسوة بالدول العظمى، ونتفق مع اليسار الفرنسي في رؤياه حول الموضوع، إلا أنّ هذه الزيارة، والتي ظهر فيها مكرون في الشارع اللبناني جاءت في الوقت الذي اختبأت فيه القيادات اللبنانية، وجاءت مع تغريدات بالعربية من قبل الرئيس، وجاءت مكللة بالمساعدات الإنسانية وهو أشد ما يحتاج إليها المواطن اللبناني اليوم.

وأكملت في السياق، لنضع مشروع فرنسا السياسي على الجنب للحظات، لننسى العلاقات التي تجمع الحكومة الفرنسية بقيادات لبنانية مثل عائلة الحريري وغيرها، هذه الزيارة تعد زيارة دبلوماسيّة كباقي الزيارات لأي رئيس دوليّ، وحملت جانب أنسانيّ.

وختامًا حذّرت الحركي الشارع اللبناني من مخاطر ما ينشر على العالم الافتراضي، وهو أخبار قد تتلاعب بمشاعر الناس، تكون منقوصة أو مشوهة مطالبة الشعب اللبناني خاصةً، والعربي عامةً، توخي الحذر في النشر وتداول الأخبار والتعامل مع لبنان، البلد الجريح، بالكثير من الحساسية. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]