- تقرير: مركز " شومريم" الذي يُعنى بقضايا الإعلام والديمقراطية
- ترجمة: موقع " بُـكرا "
كعادته في صباح كل يوم، خرج إياد الحلاق (32 عامًا)، صبيحة 30.05.2020 من منزله في حي " وادي الجوز" بالقدس، متوجهًا إلى مركز " ايفلين" الذي يرعى ذوي الاحتياجات الخاصة، بصفته مصابًا باضطراب التوحد. وليس بعيدًا عن هنالك، وعلى مقربة من باب الأسباط، شاهده شرطيان من حرس الحدود، فاشتبها بتصرفاته وأمره بالتوقف، فأصيب إياد بالذعر وراح يركض بينما لاحقه الشرطيان وهما يطلقان النار باتجاهه. وعلى بعد عشرات الأمتار شاهد إياد مرشدته في المركز، وردة محمود أبو حديد، وهي تختبئ من الرصاص أحد الشرطيان يلاحقانه إلى داخل الحجرة، وهنالك أصيب برصاص أحد الشرطيين، فقُتل، رغم أنه لم يكن مسلحًا، ورغم صراخ المرشدة للشرطيين بأن الشاب مريض وأعزل.
أثار مقتل إياد الحلاق نقاشًا وجدلاً حول العلاج والرعاية الممنوحة لذوي الاحتياجات الخاصة في القدس. وبدا واضحًا أن التمييز لا يقتصر فقط على عنف الشرطة، بل يشمل جميع الهيئات الرسمية التي يُفترض أن تعتني وترعى ذوي الاحتياجات الخاصة.
فعلى سبيل المثال، لا تتوفر لدى مؤسسة التأمين الوطني وقسم الرفاه الاجتماعي في بلدية القدس، ووزارة الرفاه نفسها، وحتى دائرة الإحصاء المركزية- معطيات أساسية مثل عدد التلاميذ المقدسيين العرب من ذوي الإعاقات، ولا حتى قائمة تشمل الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بمعالجة ورعاية هذه الفئة. ويرى الخبراء والمختصون الذين قابلهم معدو تقرير " شومريم"، أن عددًا لا يستهان به من ذوي الاحتياجات الخاصة بالقدس العربية لا يتلقون العناية والرعاية في أطر مهنية متخصصة، ولا تعرف السُلطات المختصة أي شيء عنهم- ناهيك عن الفجوات والفوارق الشاسعة بين المؤسسات في شرقي القدس وغربها، من جميع النواحي. وبقعة الضوء الوحيدة في هذا المشهد القاتم هو البرنامج الهادف إلى سدّ الفجوات في القدس العربية، والذي تم التصديق عليه عام 2017، واشتمل على ضخ الميزانيات للمؤسسات التربوية عمومًا، ولمؤسسات التعليم الخاص بقدر كبير. ورغم ذلك، ما زال الوضع يبدو بائسًا، وبحاجة إلى جهد يمتد عشرات السنين إلى حين بلوغ شيء من التساوي والمساواة " بين الشرق والغرب" في القدس.
عامل اجتماعي لكل (339) محتاجًا
قبل أن ينهي مهام عمله العام الماضي، نشر مراقب الدولة، القاضي يوسيف شابيرا تقريرًا حادًا بشأن تصرف الحكومة الإسرائيلية في القدس العربية، فذكر أن سكان المدينة تعيش في فقر شديد، وأن هنالك فجوات عميقة بينهم وبين سكان الطرف الغربي في كافة مجالات الحياة، بينما تتقاعس السُلطات عن تلبية احتياجات المواطنين العرب، ولا تفي بواجباتها ومسؤولياتها تجاههم.
وتطرق مراقب الدولة إلى قضايا الخدمات الاجتماعية، فأشار إلى النقص الصارخ للعاملين الاجتماعيين ودوائر الخدمات الاجتماعية بما في ذلك الخدمات المقدمة للأولاد في فئة الخطر ولذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين والعجزة. وجاء في التقرير أن حصة سكان القدس العربية من موارد الخدمات الاجتماعية لا تتعدى 25% رغم أنهم يشكلون 37% من تعداد سكان المدينة بالمجمل، ويشكلون 61% من مجمل الفقراء في المدينة.
خمس جمعيات في القدس العربية مقابل (74) جمعية في القدس الغربية
وتتفاقم المشكلة حين يتعلق الأمر بذوي الإعاقات العقلية، إذ أن 9% فقط من مجمل المصابين باضطراب التوحّد في إسرائيل هم من العرب، بينما تبلغ نسبة المواطنين العرب في البلاد توازي 21%، لكن الوضع في القدس العربية من ناحية معرفة السُلطات المختصة بذوي الاحتياجات الخاصة لا يختلف عن هذه الحالة، ومن المؤكد أن بالإمكان القول إنه أسوأ. ويعتقد المسؤولن في هذا المجال، في مؤسسة التأمين الوطني وفي جمعيات القدس العربية أن الفجوات والفوارق في رفع التقارير نابعة من انعدام الرغبة لدى السُلطات المختصة برصد وتشخيص الفوارق الثقافية، ويدعى هؤلاء المسؤولون أن عائلات عربية كثيرة تفضل رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة منزليًا، داخل الأسرة، من باب التستّر والحرج من المجتمع. وعلى أية حال، لا تتوفر لدى العاملين الاجتماعيين المقدسيين العرب الذين يرزحون تحت أعباء العمل في مكاتب الرفاه المحدودة العدد بالقدس العربية- الأدوات والوقت لمعاينة وتشخيص حالات الأشخاص المحتاجين للعناية والرعاية، ولذا يبقى المئات من هؤلاء خارج الأطر العلاجية، مع الإشارة إلى أنه تنشط في هذا المجال بالقدس العربية خمس جمعيات معترف بها، مقابل (74) جمعية من هذا النوع في القدس الغربية، ما يعني أن المجتمع العربي في القدس بحاجة إلى (37) جمعية لتحقيق التكافؤ والمساواة مع المجتمع اليهودي في المدينة.
وتجدر الإشارة إلى ان إحدى الجمعيات العربية في شرقي القدس هي جمعية " ايفلين " التي تضم حوالي ألف نزيل من ذوي الاحتياجات الخاصة، من مختلف الأعمار، ويعمل منها حوالي (400) موظف، وكان المرحوم إياد الحلاّق واحدًا من نزلاء المركز التابع لها. وفي حديث مع " شومريم " قال مدير الجمعية، عصام جمّال، أن المركز فقد في الأشهر القليلة الماضية اثنين من ذوي الاحتياجات الخاصة، مضيفًا أن لدى وزارة الأمن الداخلي ما يكفي من أصحاب المهنة والاختصاصيين القادرين على وضع برامج لحماية العناية والرعاية الشديدتين.
[email protected]
أضف تعليق