تكشف نسبة العرب المهينة كموظفين واداريين في الشركات الحكومية النقاب عن التمييز الممنهج الذي تتبعه الحكومات الإسرائيلية المتتالية ضد المواطنين العرب. اذ ان هناك فقط 9 عرب من أصل 478 موظف في شركة عميدار للإسكان وفقط 255عربي من أصل 5.589 موظف في شركة بريد إسرائيل وفقط 137 عربي من أصل 11.800 موظف في شركة الكهرباء وفقط 81 عربي من أصل 3.331 موظف في شركة القطارات وهذه الا عينة صغيرة من مئات الشركات التي تنخر فيها العنصرية، وتمارس التمييز في التشغيل جهراً، وتفتخر باستعلاء اليهود العرقي المقيت فيها. هكذا عقب القيادي ومدير معهد جفعات حفيفة على هذه المعطيات.
في السياق ذاته صادقت امس على تحويل اقتراح النائب منصور عباس على جدول الأعمال حول عدم وجود تمثيل ملائم للموظفين العرب في أجهزة الدولة، للبحث في لجنة المالية البرلمانية. وقال النائب الدكتور عن القائمة المشتركة منصور عباس افتتح التقرير معقبا على الموضوع: هذه المعطيات، ومعطيات اخرى داخل منظومة سلك خدمات الدولة تدل على التمييز الفاضح والمستمر تجاه المواطنين العرب، على الرغم من ان القوانين المختلفة تمنع هذا التمييز لكن الحكومة واجهزتها والشركات العامة تصر على هضم حقوقنا كعرب في الوظائف العامة.
تمييز وتقسيم على أساس طائفي
رئيس نقابة العمال سابقا جهاد عقل بدوره رأى ان هذه المعطيات تكشف عمق التمييز القائم في سوق العمل بالقطاع العام (الحكومي) ، في أواسط سنوات التسعين من القرن الماضي تشكلت لجنة خاصة لمكافحة هذه الظاهرة وضمن نشاطها قررت الحكومة يومها وضع برنامج خاص لاستيعاب موظفين عرب في مختلف الشركات والوزارات الحكومية ، لكن القرار شيء والواقع شيء آخر وبقي التمييز على ما هو ، وفي حكومة إيهود أولمرت قررت الحكومة وضع خطة لاستيعاب الموظفين العرب في القطاع العام ، وكانت قبلها وبعدها قرارات حكومية أخرى ، لكن الوضع لم يتحسن ، بل على العكس سياسة التمييز الحكومية استمرت، والفجوات اتسعت، بسبب مواصلة استيعاب موظفين جدد دون رفع نسبة العرب منهم، والغريب أن المعطيات ومنها المذكورة تتحدث أن هذا العدد هو موظفين عرب وهنا نفتخر بأن مفوضية موظفي الدولة تؤكد على عروبة هؤلاء الموظفين في تقاريرها ، وفي حالات أخرى تقوم بتقسيمنا على أساس طائفي وللأسف .
وتابع: برأيي هذه السياسة وهذا التمييز لم ولن تكون أو يكون عفوياً، بل هو يتماهى مع سياسة الحركة الصهيونية التي رفعت شعار احتلال الأرض والعمل، والحكومات الإسرائيلية تواصل تنفيذها وتثبيتها وتعميقها، وعندما "تفتخر" مفوضية موظفي الدولة بأن معدل نسبة الموظفين العرب في القطاع العام تتعدى ال 10%، لا تكشف الحقيقة بأنه بفضل قطاع الصحة والرفاه الذي يعمل في عدد كبير من العرب تصل المفوضية لهذه النسبة، بينما معظم الشركات الحكومية والوزارات تتراوح النسبة فيها ما بين صفر وحتى 3%.
برأيي علينا مواصلة النضال بتضافر جميع القوى، أي البرلمانية ولجنة متابعة ومجتمع مدني والسلطات المحلية والنقابية وقوى شعبية لكسر هذه السياسة وهذا التمييز، بدون هذا النضال ستواصل الحكومات وعودها بلا رصيد، لأنها تواصل تنفيذ المخطط الصهيوني إياه.
الحكومة تتجنب تطبيق القانون على المواطنين العرب لمنع التمثيل الملائم
الباحثة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية نسرين حاج يحيى قالت بدورها: في الشركات الحكومية، كما في العديد من الوزارات الحكومية، لا يزال هناك تمثيل ناقص للموظفين من المجتمع العربي. على الرغم من أن قانون الشركات الحكومية ينص منذ عام 2000 على أن مجلس إدارة شركة حكومية سيشمل تمثيلا ملائما للعرب، إلا أن اليوم ليس التزامًا قانونيًا بتعزيز تمثيلها بين موظفي الشركات الحكومية، في الواقع، فإن نسبة العرب العاملين هناك ضئيلة تقترب من الصفر.
وتابعت حاج يحيى: ينص تعديل قانون منذ عام 2012 على واجب التمثيل لأعضاء الطائفة الدرزية بين موظفي الشركات الحكومية. ومع ذلك، في هذا السياق بالتحديد، اختارت الهيئة التشريعية الانحراف عن الممارسة التي ترسخت في ترتيبات التمثيل المناسبة أي تعريف المجموعة المرجعية ذات الصلة على أنها "السكان العرب، بما في ذلك الدروز والشركس" وتجنب تطبيق الترتيب على السكان العرب ككل. سعى مشروع قانون من قبل عضو الكنيست يوسف جبارين (القائمة المشتركة) إلى تصحيح التشويه ومطالبة الشركات الحكومية بضمان وجود تمثيل كافٍ لجميع السكان العرب بين موظفيها ما يعتبر دعم للشركات الحكومية أيضا وليس فقط للمواطنين العرب بسبب الخبرات الموجودة لدينا.
انخراط أم اندماج أم لقمة عيش؟
المستشار الاقتصادي خالد حسن قال لـ "بكرا": تتعالى الأصوات العربية في أوقاتٍ متباعدة حول نسبة تشغيل القوى البشرية العربية في مؤسسات الدولة الرسمية وبالشركات الحكومية. غالباً ما يدفع تلك الأصوات بالصراخ هو محاولة إبراز سياسات التمييز ضد العرب حتى في مجال التوظيف وخاصةً في الوظائف الرفيعة والمؤثرة بالدولة. نحن لا ينقصنا أصحاب العقول والقدرات في شتى المجالات وقد رأينا نجاحات فردية لذوي اختصاصات عرب في مجالاتٍ عده في الدولة، وبالتأكيد هناك الكثيرون منهم من لم تسنح لهم الفرصة بإثبات قدراتهم. من جهة اقتصاد الدولة فإن المعادلة واضحة وتهدف إلى تشغيل عدد أكبر من العرب لكي ترتفع نسبة الناتج القومي المحلي والعام، ولكن من ناحية سياسة الدولة فإنّ هنالك الكثير من الحواجز والمعضلات لتشغيل أكبر عدد من العرب في جميع مرافق الدولة. نحن نطالب باعتلاء الوظائف والمناصب الرفيعة في الدولة وهم يطلبون منا الثمن، والثمن معروف، ولكن من المهم جداً بالنسبة لي الإشارة إلى التقصير من جانبنا كقيادة عربية وكخبراء لأن يعمل فقط بالوظائف ومجالس الأمناء والشركات الحكومية ما لا تتعدى نسبته ال 12% وأن يتقلد المناصب الرفيعة ما لا يتعدى نسبته ال 3% من العرب.
لماذا أعتبره تقصير منا؟
ونوه قائلا: في العام 2000 اتخذت الحكومة قرارًا بتعديل قانون التشغيل بالشركات الحكومية وخدمة الدولة، ذلك التعديل الذي ينص على رفع نسبة الموظفين العرب في صفوفها. طبعاً هذا التعديل جاء بناءً على نضال قياداتنا العربية ضد سياسات التمييز بحقنا، ولكن منذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تكن هناك مطالبات بزيادة التشغيل بناءً على خطط اقتصادية تطويرية لمجتمعنا العربي. فلنأخذ خطة 922 من العام 2016، هذه الخطة مبنية على طلب المزيد والمزيد من الأموال والتي تصرف بمعظمها على البنى التحتية والمباني وما إلى ذلك، ولكنها وللأسف الشديد لا تحمل بطياتها أي رؤية اقتصادية والتي من شأنها أن تشمل موضوع التشغيل والتوظيف في جميع المجالات وبشتى الدرجات.
ونوه قائلا: التطوير الاقتصادي لمجتمعنا العربي يأتي عن طريق توظيف خبراء عرب بمناصب حكومية رفيعة حيث بإمكانهم تقديم الحلول ودعم خطط وبرامج تطويرية. جذب مكاتب ومؤسسات حكومية إلى داخل التجمعات العربية لكي نمكن التوظيف ونسهل الخدمات. التطوير الاقتصادي لا يأتي فقط عن طريق ضخ الأموال عن طريق السلطات المحلية إنما يأتي عن طريق الاستعانة بأصحاب خبرات واقتصاديين لبناء برامج اقتصادية طويلة الأمد. خطة 922 هدفت إلى تطوير البلدات العربية اقتصادياً ولكنها وللأسف الشديد خالية من المضمون الاقتصادي لأنها لم تعتمد بحث اقتصادي إنما اعتمدت بحث حسابي. وعليه، فأنا على يقين، إذا ما استبدلنا قوانين المناكفات السياسية مع الحكومة الحالية وغيرها من الحكومات بمطالبات تعتمد الأبحاث الموضوعية فإننا سوف نتغلب على الكثير من المعضلات بضمنها التوظيف واعتلاء المناصب الرفيعة في الدولة بدون أن يكون الثمن المعهود وهو الخدمة الإلزامية. تحويل الخطاب من سياسي محارب للتمييز إلى اقتصادي داعم للتطوير من شأنه أن يأتي بنتائج أفضل، ومن شأنه أن يعطي المجال للكثير من شبابنا العمل ضمن مجالات اختصاصهم بتميز لا مجرد البحث عن لقمة العيش تحت سياسات التمييز.
تغيير السياسات المُميزة ضد العرب
الحقوقي ومستشار المرافعة البرلمانية والحكومية وسيم حصري بدوره نوه قائلا: لا تتعدى نسبة الموظفين والعاملين العرب في الشركات الحكومية 2% (معطيات العام 2018). وتعود هذه النسبة المنخفضة الى وجود معيقات بنوية في وزارة المالية وسلطة الشركات الحكومية واهمها عدم وجود نص قانوني يضمن تمثيلا ملائمًا للعرب بعكس الوضع القانوني القائم في مفوضية خدمات الدولة كمثال. هناك امكانية لزيادة نسبة تمثيل العرب في الشركات الحكومية، وهذا متوقف على احداث تغير نوعي في السياسات الحكومية وعلى مدى الضغط الذي نمارسه كمواطنين ومؤسسات حقوقية ومدنية على مراكز اتخاذ القرار، بالمرافعة والمطالبة القانونية.
وتابع: أستطيع القول إن التوزيع الجغرافي لاماكن الشركات الحكومية في الشمال والجنوب يشكل فرصة لتجاوز عائق الجغرافيا وسيمكن العرب من العمل قريبا من اماكن سكناهم، هذا عوضًا عن أن متوسط الاجر في هذه الشركات يكون اعلى من متوسط الاجر العام. علينا التحدث والمطالبة بحق التوظيف والعمل في هذه الشركات رفعًا للغبن واحقاقا للمساواة الجوهرية في توزيع الموارد. ليس تمثيلا عدديا فحسب بل ايضا في مراكز اتخاذ القرار والمناصب الادارية في هذه الشركات. للمواطنين العرب كل الحق في ان يعملوا في الموانئ والقطارات وشركة الكهرباء وشركات الاسكان الحكومية. نحن نسعى في سيكوي للتأثير وتغيير السياسات المُميزة ضد العرب بالمرافعة والمناصرة المهنية امام المكاتب الحكومية، وعبر الوسائل القانونية والادوات البرلمانية بالبحث العلمي وعبر الاعلام.
[email protected]
أضف تعليق