يمكن الاعتقاد بأن أي مواطن إسرائيلي يتساءل عن هوية الهيئة الحكومية التي تمتلك اكبر قدر من المعلومات الشخصية والخاصة عن كل مواطن ومواطنة، سيجيب بكثير من الثقة ان هذه الهيئة هي إما جهاز الشاباك أو الشرطة، او ربما مؤسسة التأمين الوطني. لكن يتبين ان هذه الهيئة ما هي الا دائرة الإحصاء المركزية!

يعلم الكثيرون ان "الدائرة" تستمد ايضاً معلومات من عدد كبير من السلطات العاملة في الدولة، وليس هذا فحسب، بل انها تصر على تلقي هذه المعلومات وهي مرفقة بالأسماء وأرقام الهويات، ما يعني انه تتركز لديها معلومات هائلة عن كل مواطن ومواطنة في الدولة: متى ولدا ومتى توفيا، وما هي ديانتهما، مع من تزوجا وممّن تطلقا، وكم ولداً لديهما وأين يتعلمون، وما هو طراز سيارتهما وكم كيلومتراً قطعت كل سيارة وكم غرفة في شقتهما وما مساحتها، وزيادة على ذلك فإن دائرة الإحصاء المركزية تستمد معلومات أيضاً من ضريبة الدخل ومؤسسة التأمين الوطني ومن السلطات المحلية، ما يعني انها تعلم كم تكسبون من عملكم، وما اذا كان عمل مصلحتكم التجارية مربحاً او خاسراً، وما هو صندوق المرضى الذي تنتمون اليه، ومتى انضممتم اليه، وتعلم سبب حصولكم على تخفيض في ضريبة الأرنونا، وكم مرة تسجلتم في مصلحة الاستخدام (مكاتب العمل) للحصول على مخصصات البطالة، وغير ذلك كثير.

عناصر معادية وعصابات الجريمة
وقد صرّح مسؤول في "الدائرة" في حديث مع "شومريم" انه كان سيشعر بالرضى والسعادة لو توفرت لديهم معلومات عن الميول الجنسية لكل مواطن، لكن الإدارة تنازلت عن هذا الأمر لأنها توصلت الى استنتاج مفاده ان طرح هذا السؤال يمكن ان يعّرض الشخص للخطر في بعض القطاعات والمجتمعات. ناهيك عن انه من الصعب الاعتماد على مصداقية الأجوبة. 

ويبدو ان نهج دائرة الإحصاء المركزية في جمع هذا الكم الهائل والدقيق من المعلومات مستمر منذ عشرات السنين، وأصبح الآن في العهد الديغتالي يشكل خطراً ملموساً بسبب سهولة الحصول على المعلومات عن كل فرد وعن كل مواطن، حتى من باب إطلاق الشائعات او للابتزاز والتغيير والتعييب ("التنمّر")، وحتى من اجل إساءة استغلال تلك المعلومات من جهات مختلفة. والأسوأ من هذا كله – احتمال تسرب المعلومات الى جهات معادية او جهات خارجة عن القانون، كعصابات الجريمة، وقد حصل مثل هذا الأمر. 

لا خلاف حول أهمية دائرة الإحصاء المركزية وابحاثها لصالح مختلف الدوائر الحكومية والكنيست والقطاع الخاص. لكن السؤال المركزي النابع من تحقيق "شومريم" يتمحور حول سبب إصرار "الدائرة؟" على الحصول على معلومات لا علاقة لها بالتقارير والمعطيات الإحصائية. يقول أحد الخبراء رداً على هذا السؤال ان الغرض من تصرفها هو إغناء المعلومات وتثبيتها (مثلاً، ما يتعلق بتخفيضات الأرنونا الممنوحة لمعاق حسب درجة اعاقته بموجب معايير التأمين الوطني). وإذا كان هذا هو السبب حقاً، فان المساس بالخصوصيات يصبح أشد وأخطر، ذلك ان هذا يدل على قدرة دائرة الإحصاء المركزية على تشبيك وتقاطع معطيات شخص معين مع عدد لا يُحصى من مخزونات المعلومات المتوفرة لديها. ورداً على سؤال "شومريم" اكتفت "الدائرة" بجواب مبهم حين ذكرت "ان المنظومة الإحصائية المعتمدة على معطيات إدارية وسجلات إحصائية ترتكز على القدرة على الترويج الأحادي القيمة للمعطيات الإدارية المستمدة من مصادر المعلومات المختلفة".

سلطتان محليتان رفضتا طلب دائرة الإحصاء

وللمرة الأولى يواجه طلب دائرة الإحصاء للمعلومات المفصلة من سلطتين محليتين، هما "غان رفيه" و "زخرون يعقوف"، حيث طلبت منهما معلومات حول ضريبة الأرنونا، بما في ذلك المواطنون الحاصلون على تخفيضات وسبب نسبة التخفيض ونوع العقار. والمعروف ان التخفيضات تُمنح عادة لاعتبارات مختلفة مثل الإعاقة والدخل المتدني والحالة الشخصية (أحادية الوالدية مثلاً)، وما الى ذلك، وهي بالتأكيد معلومات شخصية خاصة لا يرغب صاحبها في نشرها، بينما طلبت الدائرة معلومات ذاتها.

وجاء في رد السلطة المحلية في "غان رفيه" انها تنظر بعين الخطورة الى طلب دائرة الإحصاء بجمع معلومات لا علاقة لها بالإحصاء، خلافاُ لوظيفتها وبدون توضيح الدوافع وبدون الاعتماد على تخويل قضائي من الجهة المعنية (المقصود: سلطة حماية الخصوصيات التابعة لوزارة القضاء).

وحتى هذه اللحظة ما زال تبادل الرسائل مستمراً بين السلطتين المحليتين المذكورتين ودائرة الإحصاء، بينما هاتان السلطتان مصرتان على الرفض، خلافاً لمعظم السلطات التي لا تعترض على أي طلب للدائرة.

وردت دائرة الإحصاء بالقول ان من حقها الحصول على معلومات إحصائية وفقاً للقانون، لكنها تجاهلت الرد على سؤال حول سبب طلبها بالحصول على معلومات تكشف عن هوية المواطنين وعلاقتهم بعقار محدد. وتلخيصاً لردها على أسئلة وتساؤلات السلطة المحلية في "غان رفيه" يمكن اجماله بعبارة صريحة واحدة: "نحن أدري بالإحصاء، وليس انتم". 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]