في الآونة الأخيرة، ومع تزايد احتمالات تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل بعد الاتفاق بين نتنياهو (الليكود) وجانتس (كاحول لافان) على تركيب هذه الحكومة، وفي سياق توزيع الحقائب الوزارية، جرى الحديث عن أن وزير الصحة الحالي، الحاخام يعكوف ليتسما قرر مغادرة وزارة الصحة والانطلاق إلى تجربة جديدة في مجال البناء والإسكان (وكل ذلك في ظل ما يدور من حديث عن المشاكل المستعصية التي يعاني منها الجهاز الصحي في إسرائيل والتي تكشفت الكثير منها خلال أزمة كورونا الحالية، رغم النجاح النسبي لإسرائيل في مواجهة الجائحة، إلا أن ذلك يأتي على حساب ثمن باهظ على المستوى الاقتصادي والاجتماعي). في هذه الحالة، لن تكون طريق ليتسمان مفروشة بالورود، ولن تكون المشاكل والقضايا التي عليه مواجهتها كوزير للبناء والإسكان أقل مما يواجهه اليوم كوزير للصحة، لا عددا ولا تعقيدا.
ما هي التحديات التي سيواجهها وزير البناء والإسكان الجديد؟!
إعادة تحريك عجلة فرع البناء والإسكان...
إذا كان هنالك من تحدٍّ مركزي وبالغ الأهمية أمام الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي من المزمع إقامتها، فإن هذا التحدي يتمثل بإعادة تحريك عجلة فرع العقارات والإسكان، والذي تلقى ضربة موجعة بسبب أزمة الكورونا ومن قبلها الدوامة السياسية غير المنتهية حتى الآن. فالأزمة الأخيرة سببت اهتزازات كبيرة من المتوقع الشعور بآثارها ونتائجها حتى بعد سنوات من الآن، حيث أدت هذه الأزمة إلى انخفاض حاد في نشاط الفرع، ونشأ نقص كبير في الأيدي العاملة والمواد الخام، وابتعد المشترون عن مكاتب المبيعات مما أدى بالشركات العاملة في المجال إلى إبطاء نشاطها، وتم وقف العمل في غالبية مواقع البناء.
كذلك، من المتوقع أن تسبب إقامة الحكومة الجديدة بعد أكثر من سنة من الشلل تحت حكومة انتقالية، حالة من عدم الاستقرار، حيث أن تشكيل حكومة جديدة يؤدي دائما إلى تغييرات، والتي من المتوقع أن تكون هذه المرة ملحوظة تماما. فقبل خمس سنوات تماما، أنشأ وزير المالية المنتهية ولايته، موشي كحلون، هيئة الإسكان وركّز تحت سقف واحد جميع المؤسسات الحكومة المسؤولة عن العمل في مجال الإسكان، وبضمنها دائرة أراضي إسرائيل، وزارة البناء ومديرية التخطيط.
من المتوقع – على سبيل المثال – تفكيك هيئة الإسكان المذكورة، أو فقدانها – على الأقل – للكثير من قوتها، وتوزيع مختلف الجهات التي كانت خاضعة لوزير المالية على عدد من الجهات السياسية في الائتلاف: يهدوت هتورا، شاس وكاحول لافان.
في مقابل الأزمة الشديدة التي تهدد فرع العقارات، تقف حقيقة أن نشاطه السليم يشكل عنصرا حيويا للمرافق الاقتصادية. فنشاطه لا يعتبر ضروريا بسبب الحاجة لتوفير الشقق الجديدة فحسب، وإنما بسبب الحاجة لإعادة تحريك الاقتصاد. يعمل في هذا الفرع 300 شخص بصورة مباشرة بالإضافة إلى عشرات الآلاف من مقدمي الخدمات. يبلغ الناتج المحلي للفرع حوالي 80 مليار شيكل، أي ما يشكل أكثر قليلا من 7% من الناتج المحلي الذي يقدّر بنحو 1.3 ترليون شيكل في السنة. وطبعا ناهيك عن النشاط الاقتصادي الذي يوفر للدولة مدخولات كبيرة من خلال الضرائب: عمال البناء، المهندسون، المخططون، المحامون، الباعة وغيرها.
الحوار البنّأء مع رؤساء السلطات المحلية
من أجل تحريك عجلة فرع البناء والإسكان، سيكون على الحكومة الجديدة العمل مع رؤساء السلطات المحلية، حيث أدى اعتراض هذه السلطات على البناء في مناطق نفوذها خلال الفترة الفائتة إلى إعاقة الكثير من المخططات لآلاف الشقق. يجب على الحكومة الجديدة أن تجد طرقا جديدة للحوار مع رؤساء البلديات وتلقي موافقتهم. على أمل أن تكون في الحكومة آذان صاغية للرؤساء ويتم طرح حلول للمشاكل التي نشأت في أعقاب استقبال آلاف السكان الجدد.
سيكون على الحكومة أن تدفع إلى الأمام عجلة بناء مئات آلاف الشقق الجديدة في منطقة الطلب العالي بين الخضيرة وجديرا، وخصوصا في منطقة غوش دان والقدس. شهد العام 2019 فشل العديد من المناقصات لبناء آلاف الشقق في مناطق الضواحي لأن أيا من شركات البناء لم تجد في ذلك مصلحة لها، لأنه ليس هنالك طلب على الشقق في تلك المناطق. وعلى الرغم من أن عرض الشقق في مناطق الضواحي يزيد عن الطلب، إلا أن سعرها ظل مرتفعا وآخذا بالارتفاع. حصل ذلك لأن الأزواج الشابة يبحثون عن شقق قريبة من أماكن العمل، المؤسسات التعليمية، الترفيهية والثقافية. والمشكلة الأكبر أنه بدون وجود منظومة مواصلات جماهيرية كبيرة وناجعة، لن يكون بالإمكان توفير شقق للجميع في مناطق الطلب.
التجديد المدني...
بالإضافة إلى ذلك، سيكون على الحكومة إيجاد طريقة للنهوض بنجاعة مشاريع التجديد المدني. يعتبر هذا الأمر بالغ الأهمية لأن هنالك مئات آلاف االشقق في بنايات لا تستوفي معايير الهزات الأرضية. المشكلة أن حالة عدم الوضوح التي تسود الفرع حاليا تدفع الشركات إلى محاولة الحد من المخاطر والابتعاد عن مثل هذه المشاريع طالما لم يكن بوسعها أن تتأكد من قدرتها على إتمامها.
الحل الذي يجب على الدولة السعي إليه هو حل عليه أن يحدّ من اعتراض رؤساء البلديات على مثل هذه المشاريع، يتيح للمدن إمكانية استيعاب زيادة البناء فيها، ألا يدخلها إلى عجز مالي ويسمح بملاءمة البنى التحتية للزيادة المتوقع في عدد السكان.
الإيجار طويل الأمد والإسكان الشعبي
تبرز الأزمة الاقتصادية التي من المتوقع أن تمر بها البلاد في أعقاب أزمة الكورونا، السيئات الكامنة في موضوع شراء شقة سكنية بواسطة قرض إسكاني (مشكنتا). ففي الأيام التي تشهد نسبا خيالية من البطالة والتي من الصعب فيها بيع الشقق، من شأن الالتزامات طويلة الأمد للبنوك أن يؤدي إلى انهيار اقتصادي لدى الكثيرين. كان بإمكان الدولة منع وتفادي ذلك لو كانت تشجع إنشاء آلاف الشقق المخصصة للإيجار لفترات طويلة، إلا أن وزير المالية المنتهية ولايته، كحلون، فضّل برنامج السعر للساكن الذي دفع بالكثير من الأزواج الشابة في بداية حياتهم لأخذ قروض إسكانية.
يعتبر تقليص عدد الشقق المعروضة ضمن برنامج السعر للساكن وزيادة عدد الشقق المعروضة للإيجار للمدى الطويل أمرا بالغ الأهمية الآن، فالعقود طويلة الأمد توفر حالة من الاستقرار للعائلات الشابة، وفيها إمكانية جيدة لاستبدال الشقة بسهولة نسبية عند الحاجة إلى ذلك.
والقضية الأخرى التي تبرز أهميتها في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية هي موضوع الإسكان الشعبي. في أعقاب الإصلاحات التي تسمح للسكان في الإسكان الشعبي بشراء شقتهم بتخفيض معين، وحقيقة أن الحكومة لم تقم بما يكفي حتى الآن من أجل تجديد مخزونها من هذه الشقق، فإن عدد الشقق في الإسكان الشعبي يتقلص، بينما يزداد طابور المنتظرين دورهم طولاً. يبلغ عدد العائلات الموجودة على قائمة الانتظار للإسكان الشعبي حاليا 3690 عائلة، ومن المنطقي الاعتقاد أن عدد هذه العائلات المستحقة سيكبر كلما استمرت الازمة الاقتصادية لوقت أكبر.
إيجاد الحلول للمتدينين المتزمتين (الحريديم)
بحسب التوزيع المتوقع للحقائب الوزارية (وبضمن ذلك انتقال ليتسمان من وزارة الصحة إلى البناء والإسكان) فيبدو أنه لا شد بأن الإسكان في الوسط اليهودي المتدين (الحريديم) سيحظى بالأفضلية. يدور الحديث عن تحدٍّ ليس بسيطا حيث أن غالبية المتدينين المتزمتين يستطيعون شراء الشقق المخفّضة السعر فقط بسبب دخلهم المحدود، لكنهم يصرّون على السكن قريبا من القدس أو بني براك وليسوا مستعدين لمجرد التفكير بالسكن في مناطق الضواحي.
مع ذلك، يبدو أن جهود إنشاء مدينة حريدية جديدة غربي كريات جات ستزداد قريبا وهنالك شبه اتفاق على أن هذا الحل هو أفضل حل بسبب المكان المناسب نسبيا وقربه من أماكن العمل. كذلك، هنالك عشرات آلاف الشقق التي ما تزال في طور التخطيط والتي بالإمكان ملاءمتها لاحتياجات الجمهور المتدين. بكل الأحوال، سيكون على الحكومة ضمان أن تكون الأحياء الجديدة قريبة من أماكن العمل عبر المواصلات العامة، ولا يقل أهمية عن ذلك أيضا تشجيع اليهود المتزمتين (حريديم) على الانضمام إلى سوق العمل.
حل أزمة الإسكان في المجتمع العربي
من أجل حل أزمة الإسكان في المجتمع العربي، سيكون على الحكومة النهوض بمشاريع بناء على أراضي الدولة في البلدات العربية. عندما تكون الأرض بملكية الدولة، يكون بإمكانها القيام بالبناء المكتظ، وأن تقيم أحياء جديدة خلال سنوات قليلة. إلا أنه وحتى الآن لم تكن الكثير من هذه المشاريع، والمشاريع القليلة التي تم البدء فيها، تتقدم ببطء شديد.
وعلى سبيل المثال، في مدينة طمرة، ما يزالون منذ خمس سنوات بانتظار المصادقة على مخطط لبناء نحو 5000 شقة. كذلك الامر بالنسبة لتوسيع الجديدة – المكر، حيث هنالك حي بإمكانه ضم آلاف الشقق الجديدة، وكان قد تم تخطيطه في السابق ليكون مدينة جديدة، ما يزال عالقا ضمن إجراءات التخطيط منذ سنوات طويلة. يأتي هذا التأخير بالأساس بسبب الخلافات بين رؤساء السلطات المحلية من جهة والحكومة من الجهة الثانية.
[email protected]
أضف تعليق