في ظل الفجوات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع العربي في إسرائيل عموما، تكبر وتزداد المخاوف خلال فترة كورونا لدى المواطنين العرب خصوصا بعد ان انضم نسبة كبيرة من العرب الى سوق البطالة ليطرح السؤال من سيحمي المجتمع بعد زوال كورونا وعودة الحياة الى طبيعتها، من سيعمل مجددا على رفع اقتصاد المجتمع العربي من جديد ومحاربة الآفات التي حاربها المجتمع لفترات طويلة منها العنف والخاوة والاجرام التي سترتفع وتيرتها اكثر ما بعد كورونا عدا عن العادات الخاطئة التي نتجت من هذه الازمة على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، عن تداعيات ازمة كورونا على المجتمع العربي والحال ما بعد الازمة تحدث "بكرا" مع عدد من المختصين والمتابعين.

ما بعد كرب كورونا يلفظ سوق العمل الشرائح الضعيفة

القيادي ومدير مركز "جفعات حبيبة"، محمد دراوشة، قال ل "بكرا" في هذا الصدد هذه الفترة العصيبة التي نعيشها تثقل كثيراً على كاهل المواطنين، ويتوقع المراقبون الاقتصاديون ان لا يعود الى العمل جزء كبير من الذين خرجوا من أماكن عملهم في عطلة غير مدفوعة. وعلى ما يبدو ستكون حصتنا كعرب من ازدياد البطالة أكبر من العادة، وسيتضرر بالأساس الشرائح التي دخلت أماكن العمل في السنوات الثلاثة الاخيرة وخاصةً النساء من بينهم، فالكثير من القوى العاملة الجديدة اعتمدت على الازدهار الاقتصادي الذي ساد في الدولة في العقد الأخير، وحين يشهد الاقتصاد تباطؤا، يلفظ سوق العمل الشرائح الضعيفة، وخاصةً اصحاب الدخل المنخفض، مما سيعمق الفقر والمعاناة لدى قطاعات كثيره في بلداتنا

من المهم السيطرة على الأمور قبل الخروج من الأزمة


وتابع ل "بكرا": هنالك من يتوقع ايضاً ازدياد في الجريمة والعنف الأسري، ولذلك من المهم محاولة ضبط هذه الأمور والسيطرة عليها قبل حدوثها. سنخرج من أزمة كورونا بأضرار كثيرة كمجتمع، ولذلك من المهم ان نكثف التضامن والتكافل الاجتماعي، لأنه شبكة الامان الوحيدة أمامنا حتى لا ننزلق ولا نعمق العنف والجريمة، الأحداث الجلل عادةً تساهم في خلق تجربة مشتركة تقرب الناس لبعضها البعض، وعلينا استغلال روح العطاء وروح التضامن التي نمت مؤخراً فيما بيننا

وأضاف ل "بكرا": كذلك وجود الطواقم الطبية العربية في خط مواجهة العدو المشترك للشعبين يعطينا مكانة اجتماعية مرموقة في الدولة، حيث اثبت أطباؤنا وممرضينا، وصيادلتنا، وعمال البناء والسائقون، وعمال المصانع العرب، اثبتوا قيمتهم وحيويتهم لإنقاذ البلاد في وقت الأزمة. آمل ان نحسن استغلال هذا الموقف للاندفاع أكثر في المجتمع الاسرائيلي من منطلق القدرات الذاتية وإمكانياتنا وقدراتنا، لعل وعسى تترسخ هذه القيم في ذهن المجتمع الاسرائيلي اليهودي.

وختاما نوه: هذه الفترة علينا التركيز على الوقاية، وحماية أفراد المجتمع صحياً، وخاصة كبار السن. وفي ذات الوقت التلاحم والتضامن الاجتماعي، حتى في ظروف التباعد الجسدي المفروض علينا لمنع انتشار العدوى في بلداتنا. سننجح ان شاء الله في القضاء على الوباء من خلال وحدتنا ورعايتنا لبعضنا البعض، وسنعرف كيف نتخطى التباطؤ الاقتصادي وأخطاره كما نجحنا سابقاً في تخطي المحن التي واجهناها..

العاملة الاجتماعية والاخصائية عبير عبد الحليم قالت في هذا الصدد: نحن نتكلم عن صدمة عالمية وهذه الصدمة مراحل واسقاطات إيجابية وسلبية ومن يظن ان العالم سيرجع لما كان علية قبل كورونا فهو مخطأ، هذه الصدمة أحدث زعزعة في داخل كل شخص واخر في هذا العالم كما وأحدث زعزعة في المنظومة العالمية. المرحلة الأولى: من منتصف فبراير حتى منتصف شهر اذار عشنا كلنا في حالة انكار، غير مدركين للوضع وخطورته ومع فكرة "لي لن يحدث شيء. كورونا لن تصلني!!"

وتابعت ل "بكرا": المرحلة الثانية من منتصف اذار وحتى اول هذا الأسبوع، تصرفاتنا ارتكزت على البقاء، وهذا ما رأيناه من الاندفاع للشراء الاكل والحاجيات الأساسية بكميات كبيرة جدا، المرحلة الثالثة والمقدمين علها هي مرحلة حزينة، سندخل مرحلة الحزن، سندخل مرحلة العزاء على المحلات المغلقة والشوارع شبة الخالية.

اسقاطات ايجابية

ورأت عبد الحليم ان هناك اسقاطات ايجابية في مرحلة ما بعد كورونا وقالت: اسقاطات إيجابية ستكون هنالك رجعة للعائلة كمصدر امان هذا يمكن ان نراه بشكل كبير بالعائلات الغربية ومع ذلك نحن أيضا بفترة قبل كورونا كان هنالك بًعد عن العائلة وانشغال كل فرد من افرادها بأموره الخاصة. هنالك رجوع لفعاليات عائلية والاستمتاع بها. نحن نحتاج الأمان في هذه الفترة وطبعا وجدناه في عائلاتنا وسنحافظ على ذلك لفترة ما بعد كورونا. الاستمتاع بالأمور الصغيرة، في فترة قبل كورونا حيث كانت هنالك حالة من الفيض من حيث السفر والشراء وقضاء أوقات بالمطاعم مما جعل قيمة هذه الأمور تقل داخلنا ويقل معها استمتاعنا الحقيقي باللحظات التي نعيشها. ما بعد كورونا سنعي صحوة لذاتنا ولتلك الأمور الصغيرة التي سنعيد تقديرها من جديد

اسقاطات سلبية

وعن الاسقاطات سلبية قالت: بالأساس نحن نتكلم عن الرهاب الاقتصادي (الخوف من الفقر) والذي سيجلب العديد من الانحرافات السلوكية مثل: النصب والاحتيال لتجميع المال. نسبة الجريمة ستزيد وخاصة في مجتمعنا العربي خاصة ان هنالك شريحة كبيرة في المجتمع تعمل بما يسمى (سوق سوداء) أي انها اليوم لا يوجد عندها مصدر دخل فهي فقدت عملها ولم تتلق أي تعويض. زيادة في حالات الانتحار: كما هو معروف فانه في فترة الحرب والأزمات ينخفض عدد حالات ومحاولات الانتحار، مع هذا فهي ترتفع بشكل كبير بعد الازمة.

وتابعت: زيادة في مستهلكي العقاقير المهدئة والأدوية النفسية: اليوم نحن كأشخاص نعمل في الصحة النفسية نتحضر لفترة ليست بالسهلة ولزيادة كبيرة بعدد المتوجهين لعيادات ولخدمات الصحة النفسية، زيادة في الإدمان على المخدرات والكحول كهروب من الواقع السيء ومن الخوف والاكتئاب الذي يجتاح قلوبهم.

وأضافت: انا أتكلم عن ازمة اقتصادية وعن رهاب الفقر الذي سنشهده بعد كرب كورونا، مجتمعنا العربي أكثر من غيرة ستكون له حصة الأسد من الاسقاطات السلبية من ارتفاع في الجريمة، العنف وزيادة نسب الإدمان مصالح كثيرة منها الصغيرة والمتوسطة في مجتمعنا العربي لن تستطيع ان تعبر هذه الازمة وهذا سينعكس على نفسيتنا وسلوكياتنا بشكل سلبي كما ذكرت سابقا.

تحدي كبير مع بطالة وصلت الى حوالي 27%، الاعلى منذ قيام الدولة

مدير صندوق إبراهيم والقيادي ثابت أبو راس بدأ حديثه ل "بكرا" عن الازمه الحقيقية في العالم اليوم حيث رأى انها بالأساس اقتصادية. التوتر بين الولايات المتحدة والصين على الهيمنة والصدارة قائم قبل جائحة كورونا. الازمه الصحية في العالم عززت هذا التوتر حيث بدأنا نرى محاولة تحميل الصين مسؤولية كورونا وتهادن منظمة الصحة العالمية معه

وتابع: الدمار الاقتصادي للعالم الصناعي في العالم وخاصة في الولايات المتحدة حاصل. انعكاسات الازمة الاقتصادية اليوم تطال كل دول العالم وممكن ان يؤدي الى حروب جديدة اسرائيل كجزء من المنظومة العالمية تواجه تحدي كبير مع بطالة وصلت الى حوالي 27%، الاعلى منذ قيام الدولة. هناك احتمال، فيما إذا طالت فترة تعطيل المرافق الاقتصادية، الى انهيار اقتصادي، ولو جزئي، وخاصة للمستقلين والقطاع الخاص. هؤلاء وبطبيعة عملهم يعتمدون على البنوك الى حد كبير والتي لن تستطيع دعمهم الى ما لها نهاية. امام افلاس شركات كثيره بسبب النقص في الدعم الحكومي وقلة العمل ستتوجه الى الاقتراض من السوق السوداء. مع مرور الوقت وبسبب عدم قدرتها على ارجاع ديونها سيكون هناك من يطالب هذه الشركات واصحابها بأجورهم وديونهم. في حالات كثيره وبسبب الحاجة الى المال السريع سنرى ان هؤلاء سيتوجهون الى "شركات جباية" اصحابها عصابات اجرام لتحصيل ديونهم

واختتم: اعتقد اننا سنشهد ارتفاع كبير في نسبة العنف والجريمة خلال السنة القادمة في المجتمع الاسرائيلي. وللأسف سنرى ذلك بالأساس في مجتمعنا العربي لقلة السيولة ودعم البنوك وغياب القانون وانتشار مثل هذه العصابات في بلداتنا

ديون متراكمة، نقص الأمن والأمان

العاملة الاجتماعية عبير وتد قالت: اقتصاديا هنالك عائلات تضررت اقتصاديا بشكل كبير جدا فترة كورونا وهنالك عائلات تضررت جزئيا وعائلات حظيّت بمستوى اقتصادي جيد والذي لم يتضرر بتاتا حتى الان الواقع الان يتحدث عن نسبة بطالة كبيره في الدولة والتي تتعدى ال 20% من سكان الدولة

وتابعت: التوقعات من خبراء الاقتصاد انه في اليوم الذي يتم به زوال الفايروس والرجوع الى الحياة الطبيعية والاعتيادية، اسرائيل كغيرها من دول العالم سوف تكون مشغولة بتغطية وسد الديون المتراكمة، بالأخص تكاليف وزارة الصحة بكل ما يختص بالقضاء على فايروس كورونا. من جهة اخرى، الافراد ايضا المتضررين اقتصاديا سوف يكونون مشغولين بالبحث عن عمل اولا، لان اماكن العمل قد تكون تضررت وليس بإمكان مشغّلهم استرجاعهم للعمل، وثانيا انشغال الفرد الاساسي سيكون بسد ديونه والتي تراكمت خلال فتره كورونا - كل ذلك يتعلق بمدة مكوث كورونا في البلاد، كلما طالت هذه الفترة كلما زادت وتراكمت الديون وذلك بالطبع يؤثر سلباً على الفرد المتضرر اقتصادياً بمواجهة هذه المحنه

ونوهت ل "بكرا": التوقعات ايضا تقول ان الاشخاص ذوي المصالح المستقلة هم المتضررين الاكبر، خاصة من بنيّت مشارعهم على قروض بنكية او تلك التي ليس بإمكانها تفعّيل مشاريعها عن بعد كالمطاعم، المحلات الترفيهية وغيرها

اما على المستوى الاجتماعي فرأت ان للوضع الاقتصادي تأثير كبير على حياتنا الاجتماعية اذ انه عائلات قد تضررت اقتصاديا بشكل كبير. اتوقع ان تضرر ايضا اجتماعيا، فالوضع الاقتصادي الصعب قد يوّلد مشاعر سلبيه مثل الضغط، الغضب والحزن لدى الوالدين، هذه المشاعر قد تنتقل الى الاطفال داخل البيت وتسبب وضع نفسي صعب لديهم ايضا، ولربما يكون الاهل قادرين على السيطرة عل مشاعرهم تلك ومع كل ذلك، سيكون هنالك نقص في سد احتياجات الطفل كالعاطفية، الفسيولوجية، الاجتماعية والشعور بالأمن والامان

توقف نظام التربية والتعليم والانتقال الى منظمة التعلم عن بعد- هذه المنظومة متاحه للعائلات ذوات مستوى اقتصادي وتعليمي جيد بحيث انها تعتمد على وجود شبكه عنكبوتيه واجهزه الكترونيه داخل البيت- جميعنا نعلم عدم توافر هذه الاليات بالكثير من عائلات المجتمع العربي في اسرائيل

التعوّد على التواصل عن طريق الشاشة سوف يحّد من قدرة الافراد

تقليص الروابط الاجتماعية وعدم الانخراط في المجتمع ونوهت: بصرف النظر عن الجانب الاقتصادي سببت كورونا اضرارا اجتماعية وتربوية منها تباعد علاقة الاطفال والاجداد، من منتصف شهر مارس وحتى هذه اللحظة لم ير الاطفال اجدادهم التواصل عبر الشاشات الالكترونية: ربما لم نلمس الضرر بعد ولكن التعوّد على التواصل عن طريق الشاشة سوف يحّد من قدرة الافراد على التواصل المباشر خاصةً لدى الافراد لفترة كورونا ايضا جوانب إيجابية توطيد علاقة الابناء بالوالدين بسبب مكوثهم مع بعض لفتره طويله.

وتابعت مفصلة: شراكة الام والاب بتربية الاولاد، رغم ان ذلك ولّد تضارب اراء حول انماط التربية ولكن هنالك طابعٌ ايجابيٌ من هذه الشراكة كسب مهارات جديده لدى افراد العائلة: مهارات تكنولوجية، منظومات التعلم والعمل عن بعد، مهارة الابتكار وخلق فعاليات داخل البيت، مهارة الطهي لدى النساء وغيرها

واختتمت: الاكتفاء الذاتي: خلال هذه الفترة لمستُ لدى الكثير من العائلات من خلال عملي او حياتي الشخصي الحديث عن تعلم الاكتفاء الذاتي وعدم البزخ في المصاريف الى جانب كل ذلك، وعند زوال غيمة كورونا من هذا العالم عامةً ومن دولة اسرائيل خاصةً سوف تفتح لكل شخص منا صفحة بيضاء من خلالها سوف يختار، قدر الامكان، اي سلوكيات ونهج حياه سيضم اليها وايها سوف يتخلى عنها. بلا شك ان فترة كورونا هي مدرسة علمت الكثير منا الكثير من العِبّر - وهنا تقع كل مسؤولية فرد منا حول ماذا يريد ان يأخذ الى مساره من هذه التجربة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]