معمارية عالمية آمنت بالحداثة والحرية في البناء، صممت مبانٍ مستقبلية تحدت قوانين الجاذبية بفضل تكنولوجيا متطورة، كما أبدعت في استخدام مواد بناء جديدة بآفاق جديدة، وابتكرت أشكالا مذهلة كانت تبدو صعبة التجسيد، إنها المهندسة البريطانية ذات الأصول العراقية، زها حديد.

أنتجت زها حديد ما يزيد عن 950 مشروعًا في 44 دولة، وتعتبر أول امرأة عربية تحصل على جائزة “لريتزكر” عام 2004، وهي جائزة تُمنح سنويًا لتكريم أحد المعماريين الذين لا زالوا على قيد الحياة.

مسيرة حافلة
ولدت زها حديد يوم 31 تشرين الأول 1950 في بغداد، ودرست الرياضيات في الجامعة الأميركية في بيروت قبل أن تلتحق بالجمعية المعمارية في لندن، وتنال منها إجازة عام 1977، وأصبحت لاحقًا مدرسة في الجمعية.

تنقلت من طالبة للعلم في لندن إلى واحدة من أبرز المهندسين المعماريين الذين غيروا نظرة الناس للعالم من خلال الأبنية.

وتقول زها حديد في الفيلم الوثائقي الذي أنتج قبل وفاتها بأشهر “كنت طفلة فضولية جدًا، العراق كان آنذاك مكانًا رائعًا، والناس فيه رائعون، والمجتمع منفتح”، وتضيف “تعلمت في مدرسة للراهبات، وكنت فتاة مسلمة في مدرسة للراهبات، كان وقتًا مثيرًا للاهتمام في بغداد آنذاك، كانت الحرية حاضرة بشكل جميل، وأنا صغيرة أردت أن أصبح مهندسة، كان لأهلي عقل منفتح، وفي عام 1972 سافرت إلى لندن”.

في أوائل الثمانينيات عرفت حديد باسم مهندسة الورق، مما يعني أن تصميماتها كانت حداثية وطموحة جدًا، بحيث لا يمكن أن تتجاوز مرحلة الرسم، ليتم تنفيذها بالفعل، زاد هذا الانطباع بعدما عرضت تصميماتها بشكل منفصل كلوحات تجريدية ملونة بالمتاحف الكبرى.

حتى بعد أن عززت نفسها في عالم الهندسة المعمارية، واجهت مبانيها مشاكل عدة في مراحل التنفيذ، أبرزها التكلفة المالية العالية لتحويل الرسوم إلى واقع معماري، بالإضافة إلى عدم أخذها في الاعتبار تفاصيل تتعلق بالاستخدام الجماهيري للمباني، الذي يحتاج إلى الوضوح في أماكن الممرات والأبواب، عكس الغموض الذي يكتنف الكثير من تصميمات حديد.

كان لها شهرة في الأوساط المعمارية الغربية، وبدأت نشاطها المعماري في مكتب ريم كولاس وإليا زنجليس، ثم أنشأت مكتبها الخاص عام 1978، وفي عام 1994 عُينت أستاذة في قسم التصميم في “جامعة هارفارد” وأستاذة في “جامعة شيكاغو“.

رأت أن مجال الهندسة المعمارية ليس حكرًا على الرجال فوصفت بأنها أقوى مهندسة في العالم، وحققت إنجازات عربية وعالمية، ولم تكتفِ بالتصميمات المعمارية بل صممت أيضًا الأثاث وصولًا لالأحذية، واختيرت كرابع أقوى امرأة في العالم عام 2010.

كما عملت معيدة في كلية العمارة في لندن عام 1987، وانتظمت كأستاذة زائرة في عدة جامعات في أوروبا وأميركا منها “هارفرد” و”شيكاغو” و”هامبورغ” و”أوهايو” و”كولومبيا و”نيويورك” و”ييل“.

كما كانت أيضًا عضوًا شرف في “الأكاديمية الأمريكية للفنون والأدب” و”المعهد الأميركي للعمارة“.

أما عن معارضها
فأقامت العديد من المعارض الدولية لأعمالها الفنية التي شملت التصاميم المعمارية والرسومات واللوحات الفنية في لندن ونيويورك وطوكيو، وشكلت أعمالها جزءًا من المعارض الدائمة في متحف الفن الحديث في نيويورك ومتحف العمارة الألمانية في فرانكفورت.

حياتها الشخصية
لم تتزوَّج زها قط، ولم تُرزَق بأي أطفال، فقد كَرَّست جُلَّ حياتها لعملها، دون مبالاة بأي عادات اجتماعية سائدة، وكانت أعلى المعماريين أجرًا على مستوى العالم، وفي وقت وفاتها، كانت ثروتها تُقَدَّر بـ215 مليون دولار، شاملة ممتلكاتها العقارية واستثمارتها في الأسهم، ومشاريعها في مجالات التجميل، والمطاعم، وفريق لكرة القدم، والعطور، وخط أزياء.

الجوائز التي نالتها زها حديد
حازت على جائزة “بريتزكر” في الهندسة المعمارية عام 2004، و جائزة “ستيرلينج“، ووسام الإمبراطورية البريطانية والوسام الإمبراطوري الياباني عام 2012، كما حازت على الميدالية الذهبية الملكية ضمن جائزة “ريبا” للفنون الهندسية عام 2016، كما صُنفت كأقوى مُهندسة في العالم.

ما يميز زها حديد وأعمالها
عند معاينة أعمال زها نلاحظ للوهلة الأولى القلق وعدم الاستقرار صريحًا على محيا تلك الأعمال، والاسترسال إلى الفضاءات الخارجية بشكل لا متناه مما يعكس حالة الخلفية الإسلامية لنشأتها بين الفضاءات الداخلية والخارجية للعمارة الإسلامية.

وقد ربط البعض استرسال وانسيابية خطوط الخط العربي ناهيك من حالة التجريد الزخرفي، وثمة تشعيبات من التفكيكية تقوم باستعارة الأشكال التراثية التقليدية, ويمكن بهذا السياق اعتبار زها حديد لا تمت بصلة بشكل مباشر للعمارة التراثية التي تشكل خلفيتها العربية الإسلامية، بقدر ما يمكن أن تكون إحدى جوانبها متأتية من المؤثرات للخلفية الثقافية.

لا يمكن التشيع لتفكيكية زها لكونها عربية أو حتى الوقوف ضد تيارها يثير فينا التساؤل عن كم من الوقت ستستغرق هذه الشطحة.

أبرز ما صممت
من أبرز ما صممت زها حديد محطة إطفاء الحريق في ألمانيا عام 1993، ومبنى متحف الفن الإيطالي في روما عام 2009 والأمريكي في سينسياتي، ومركز لندن للرياضات البحرية، الذي تم تخصيصه للألعاب الأولمبية التي أقيمت عام 2012، ومحطة الأنفاق في ستراسبورج، والمركز الثقافي في أذربيجان.

بالإضافة إلى المركز العلمي في ولسبورج، ومحطة البواخر في سالرينو، ومركز للتزحلق على الجليد في إنسبروك، ومركز حيدر علييف الثقافي في باكو عام 2013 من أبرز المشاريع التي أوصلت حديد بجدارة إلى الساحة العالمية.

ولم تقتصر أعمال زها على الغرب، لكن العالم العربي كان له نصيب منها؛ حيث صممت دار الأوبرا في دبي، وجسر أبوظبي بالإمارات.

كما نجحت في تصميم مركز للألعاب الأوليمبية في لندن عام 2012، وكان من المفترض أن تشرف على بناء الملعب الأوليمبي للألعاب الأوليمبية في طوكيو عام 2020، والذي صممته ليسع 80 ألف مقعد، غير أنه لم تتم الموافقة عليه بسبب تكلفته الباهظة الذي وصل إلى أكثر من مليار دولار.

وفاة زها حديد
تُوفِيَّت زها حديد في 31 آذار 2016، عن عمر يناهز 56 عامًا، في مستشفى ميامي، إثر إصابتها بأزمة قلبية، وكانت تخضع لعلاج من الالتهاب الرئوي في وقت وفاتها.

المصدر: الاتحاد 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]