من البديهي انه في اعقاب كل ازمة تمر بها المجتمعات المختلفة في العالم يحدث تغيير جذري في النهج والتفكير والتوجه على كافة الجوانب والاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومما لا شك فيه ان ازمة الكورونا في إسرائيل والمجتمع العربي بصورة خاصة أحدثت تغييرا على كافة المستويات نظرا للخصائص العميقة التي تمحورت بالأساس على قوميات ومعتقدات مختلفة وقضايا سياسية شائكة ومعقدة ذات دوافع رأسمالية او اقتصادية جعلت سيناريوهات عديدة تطفو على السطح لربما أهمها تفضيل الحكومة الإسرائيلية للسوق الإسرائيلية على حساب أرواح المواطنين خشية الكساد الاقتصادي وخسارة المليارات..
التغيير الذي قد يأتي به الازمة الحالية.. ثقافة الاستهلاك
المحاضر والباحث في العلوم الانسانية والقانون في الجامعة المفتوحة رامز عيد عقب ل "بكرا" عن التغيير المجتمعي الذي ممكن ان تحدثه هذه الازمة قال: لا بد لنا من مراجعة الذات بكل ما يتعلق بتفشي ثقافة الاستهلاك في حياتنا اليومية. علينا ان نتساءل ما هو تأثير انتشار هذه البيئة التجارية في قرانا الصغيرة وحتى المدن الأكبر؟ لا شك ان الديون الكبيرة التي يعاني منها البعض كان سببها الاعتماد على المستقبل فقط، املين ان يكون بإمكانهم سد العجز في الميزانية البيتية. هذه الازمة قد تعلم قيمة التوفير، وقيمة المثل "قرشك الأبيض ليومك الأسود". فلقد رأينا في التاريخ ان الانهيارات الاقتصادية قد تفاجئنا ونحن في القمة. وهذا ما حدث مجددا اليوم.
وتابع: على المستوى العالمي اعتقد ان ظروف الازمات الكبيرة تؤدي عادة الى مراجعة الذات، وتخلق لدى الناس الحاجة للبحث او تقبل أفكار راديكالية جديدة لإدارة المجتمع او الدولة. فكل التغييرات التي حدثت في أوروبا في العصر الحديث مثل الثورة الفرنسية او انتشار الديموقراطية او ظهور قيم ومبادئ حقوق الانسان وحقوق المرأة، كلها ظهرت على إثر ازمة اقتصادية اجتماعية كبيرة.
تطوير أنظمة الصحة، دعم المستشفيات وصناعة الادوية على حساب صناعة الأسلحة
ونوه: احدى الأفكار التي قد تطالب بها شعوب العالم قريبا هي تطوير أنظمة الصحة، دعم المستشفيات وصناعة الادوية على حساب صناعة الأسلحة، الاهتمام بنظام الصحة في الدول الفقيرة، لان المرض الذي يظهر في افريقيا سوف ينتشر حول العالم إذا لم يتم علاجه كما يجب منذ لحظة ظهوره. سوف يستنتج الكثيرون ان لا قيمة بعد اليوم لكل الحدود التي صنعتها الدول على مدى المئة سنة الاخيرة. ما يحدث في ووهان سيؤثر على نيويورك.
وقال: ازمة الكورونا تذكرنا مجددا انه علينا استعادة قيمة التضامن بين البشر، على المستوى المحلي وعلى المستوى العالمي. احدى الأفكار الراديكالية التي سنرى اهتماما متزايدا بها هي ما يسمى الدخل العالمي الأساسي universal basic income، وهو يعني ان تقوم الدولة بدفع مبلغ شهري لكل مواطن وبشكل مستمر، لتضمن له لقمة العيش والحرية من الاستغلال في بعض أماكن العمل، مما يمنحه القدرة على الاهتمام بأمور حياتيه ذات قيمة عالية مثل الاعتناء بعائلته. ربما صدفة، فلقد لقد بدأت بعض الدول بإجراء تجارب اجتماعية في بعض المدن تشمل تطبيق هذه الفكرة المبنية على أسس التضامن الاجتماعي وحتما سنسمع عنها قريبا على إثر الازمة العالمية الصعبة.
موازنة على أساس حسابات رأسمالية
وتطرق د. ياسر عواد المحاضر الاقتصادي الى عمل الحكومة الإسرائيلية في الازمة مشيرا الى انها تحاول الموازنة حفاظا على الاقتصاد الإسرائيلي وقال: كل برنامج الحكومة لاحتواء الوباء له علاقة كبيرة جدا بالوضع الاقتصادي والرأسمالي لأنه واضح للحكومة ان هناك علاقة ما بين احتواء الازمة وعدم ادخال السوق الإسرائيلية الى كساد اقتصادي، لأنه اذا أغلقت الحكومة بشكل كامل السوق الإسرائيلية فانه حتى اخر السنة ممكن ان يخسر الإنتاج القومي حوالي 7% أي مئة مليار شيكل، والحكومة تقف بين ان تحوي الازمة وبين ان تخسر الكثير من الأموال في السوق الإسرائيلي والبطالة والكساد الاقتصادي عليها ان تجد المسار الصحيح حتى تحتفظ، ويطرح السؤال الأخلاقي هل خسارة 130 مليار شاقل يساوي ان يتوفى عشرة الاف انسان بسبب الوباء، الدولة تحاول ان توازن بين الامرين وبالرغم من أهمية حياة الانسان الا ان الحكومة تحاول ان تحافظ على أسس مهمة جدا في السوق الإسرائيلي مع إمكانية الدفع اكثر في قضية الوباء وعدد الوفيات، أي ان تحافظ على أسس مهمة حتى ننهض مرة أخرى في السوق الإسرائيلية
سوق سوداء..
المحاضرة والناشطة السياسية د. رنا زهر قالت بدورها: مما لا شك فيه أنه هناك تضارب ما بين المصلحة العامة والمصلحة الشخصية الضيقة لبعض الساسة وعلى رأسهم نتنياهو الذي استغل الأزمة لمآربه الشخصية ونجح بذلك. ولا شك أن هناك تضارب ما بين المستوى الطبي المهني، والمستوى السياسي والاقتصادي، الأمر الذي قد ينتج عنه خلل ما في عملية اتخاذ القرارات. وعندما اتخذ القرار بالإغلاق شبه التام كان من الصعب السيطرة على الوضع وإقناع المواطنين بضرورة الحجر المنزلي لاحتواء الازمة. كثرة الاحداث وتسارعها (بين انتخابات، ومفاوضات، واخبار عن الفيروس، ومستجدات العمل من البيت وغيره) جعلت من الناس مشتتة وغير قادرة على استيعاب الكم الهائل من المعلومات والمتطلبات والتعليمات الجديدة وبسرعة.
بالنسبة للسؤال عما إذا كانت أنماط تصرفاتنا سوف تتغير بعد عبورنا لهذه الازمة اجابت زهر قائلة: اعتقد اننا قد نفعل ذلك، وآمل أننا سنفعل ذلك. اقتصاديا لربما سندخر أكثر، أو سننتبه لمصروفاتنا أكثر. اجتماعيا سنعود تدريجيا لحياتنا السابقة وآمل أننا سنقدر العلاقات الأسرية وصداقاتنا أكثر ولا نأخذها كمفهومة ضمنا. مهنيا، هناك من سيعود إلى عمله وهناك من سيغير من نوعية عمله بحيث يضمن لنفسه استقرارا ماديا أكثر، وهناك من سيدفع ثمنا باهظا اثر الأزمة هذه، ما أخشاه هو وقوع العديد من أبناء شعبنا ضحية لشبكات السوق السوداء، التي ستحوم حولهم وستغريهم بالمال لسد حاجاتهم المادية الخانقة، لتقلب حياتهم جحيما بعد ذلك. وأخشى من العنف الذي قد تولده البطالة والفقر. علينا أن نكون مستعدين لما قد تخلفه هذه الازمة. سنعبر أزمة الفيروس عاجلا ام اجلا، ولكنه سيتركنا مع دروس حياة كثيرة، وملامح أزمات اقتصادية-اجتماعية جديدة.
مناهضة العنصرية التي افرزها هذا الفيروس تحولات ايجابية
الناشطة النسوية والسياسية سماح سلايمة اكدت انها لا تؤمن بنظريات المؤامرة الكونية، ولكن في كل ازمة عالميه هناك من يستغل الفرص ويتسلق ويطور مصلحته الشخصية، ازمة الكورونا كشفت للبشرية اننا ضعفاء امام الوباء وان جهوزية العالم ومنظومة الصحة متخلفة ومفككة، واكتشفنا ايضا اننا مرتبطين ببعض ومصيرنا واضح. الرأسمالية ترى بالحرب على الفيروس تهدي. اقتصادي عالمي قد تنهار أمامه الدول الصغير والأنظمة الاقتصادية الركيكة في الدول الضعيفة.
وأشارت الى ان ما يحرك قرارات السياسيين في الدول الرأسمالية هو المصلحة والمال وليس صحة الشعب وحق الانسان الضعيف والفقير مثل القوي والغني بالعيش والرعاية الصحية. وفي الدول الرأسمالية يلقى بالضعفاء الى التهلكة ويكون الوباء هو العجل المحرك للاقتصاد، والخوف الأكبر ان القرارات والمصالح الاقتصادية تتغلب على الآراء المهنية الصحية، مثلا حجر صحي كامل اثبت انه أنجع وسيله السيطرة على انتشار الفيروس.
وعن التغيير في النهج قالت: سوف تغير الكورونا جوانب عديده من حياتنا وعلاقتنا ببعض ولكن تعود الحال كما كانت الا بعد سنوات. سياسة التباعد الاجتماعي، منظومة التعلم عن بعد، سوق العمل والتوظيف والبطالة، علاقة الناس بالبنوك والإدارة المالية لكل أسره ستتغير. أتمنى ان تحول الكورونا الفكر الاستهلاكي بفكر إنتاجي، ان تطور العمل والحلول الإبداعية لمشاكل اجتماعية وان تعزز الشعور بالمساواة بين البشر فعلا، تماما كما لا يفرق الفيروس بين ابيض واسود بين عربي ويهودي، كلنا بشر. رغم بساطة هذه الفكرة فان تعزيز التكافل الاجتماعي والترابط بين المصائر ومناهضة العنصرية التي افرزها هذا الفيروس قد تكون تحولات ايجابيه في المجتمعات المختلفة.
أزمة مالية خانقة ستؤدي إلى ازدهار السوق السوداء
الناشط الاجتماعي والسياسي المحامي باسل دراوشة قال بدوره: حكومات اسرائيل المتعاقبة وضعت في سلم أولوياتها موضوع الأمن وزرع المخاوف في الشارع الإسرائيلي من الدول العربية وبهذا أهملت الجانب الصحي وأمور الصحة واهتمامات واحتياجات المواطنين في الدولة في عدة مجالات، الصحة والأمن الداخلي ومواجهة التحديات الطبيعية من فيضانات وحرائق وكوارث طبيعية، وهذه الكوارث الطبيعية تثبت اهمال الجوانب الإنسانية ووسط سكوت الشارع الإسرائيلي. هنالك جهات وشركات اقتصادية تحاول استثمار الأزمة الحالية لكسب المال بكل الوسائل.
ونوه عن التغيير في النهج والتفكير في اعقاب الازمة قائلا: لا شك أن الأزمة الحالية ستحدث تغيير في نمط الحياة المواطن وخاصة في الوسط العربي، فسيحدث تغيير من ناحية السلوكيات للمواطنين في الحياة الاجتماعية من حيث تخفيف الاختلاط وعادة التقبيل والسلام حتى في المناسبات الاجتماعية، أضف إلى ذلك ستكون أزمة مالية خانقة ستؤدي إلى ازدهار السوق السوداء وازدياد الديون على المواطنين وبالتالي سنشهد ازدياد في حالات العنف والسلاح والجريمة في الوسط العربي وخاصة على أسباب مالية وجباية الديون.
فترة زمنية لم تتخذ فيها اجراءات صارمة ولذلك تمكن الفيروس من الانتشار
الناشط السياسي والاجتماعي رضا جابر نوه بدوره قائلا: اليوم يمكن ان نقول بأن رد الفعل للحكومة ووزارة الصحة جاء متأخرا نوعا ما. هناك فترة زمنية لم تتخذ فيها اجراءات صارمة ولذلك تمكن الفيروس من الانتشار. باعتقادي لو تم ذلك منذ اللحظة الاولى لتم تدارك الوضع والان لكنا بمرحلة تقليل الاجراءات تدريجيا. المشكلة بأن المسألة وضعت في اسرائيل كما في الولايات المتحدة في الميزان الاقتصادي. لم تتحرر هذه الدول بالتوقيت الصحيح من سطوة رأس المال ونظامه.
وتابع: طبعا لهذه المرحلة تأثيرات على مناح متعددة من حياتنا وأيضا العلاقات بين الدول، بين توجهات مختلفة لمصير النظام العالمي ولكن أستطيع ان اتوقع: اولا، الصين، سياسيا واقتصاديا، ستعزز موقعها في العالم على حساب الولايات المتحدة واوروبا. هذا له اسقاطات كبيرة على مواطني هذه الدول واقتصادهم. ثانيا، الفجوات بين الاغنياء والفقراء ستزداد حده ولذلك التوترات بين الدول وبين المواطنين داخل الدول ستزداد. الانظمة الهشة ستواجه مجتمعات ناقمة ومطالبة بتغيير ظروفها.
[email protected]
أضف تعليق