"أبو ديس، كفر عقب، وشعفاط".. بلدات صغيرة ومتناثرة لا تتجاوز مساحة كل منها 4 كيلو متر مربع، تقع على أطراف مدينة القدس المحتلة، لا تواصل جغرافي بينها، يحاصرها جدار الفصل العنصري ويمزقها الاستيطان، هذا ما اقترحته "خطة ترمب للسلام"، لتكون عاصمة "الدولة الفلسطينية الجديدة" بديلًا عن مدينة القدس.

ووفق الخريطة الأمريكية التي نشرها ترمب ضمن بنود "صفقة القرن"، فإن ثلث سكان شرقي القدس سيتم عزلهم عن مدينة القدس، أي أن نحو 120 ألف مواطن مقدسي سيفقدون هويتهم المقدسية.

وتنص "صفقة ترمب" على أن تكون "أبو ديس وكفر عقب والجزء الشرقي من شعفاط"، عاصمة "فلسطين الجديدة"، بديلًا عن القدس، ويمكن تسميتها القدس أو أي اسم آخر تحدده دولة فلسطين، مع الإبقاء على جدار الفصل بين المدينة وأحيائها الشرقية كحدود للدولة الفلسطينية، وعلى سكان المدينة الفلسطينيين الاختيار ما بين الجنسية الفلسطينية أو الإسرائيلية.

ووفقًا للصفقة، فسيتم إقامة سفارات في العاصمة الجديدة، بالإضافة لمراكز سياحية في "عطاروت"، وكذلك إقامة شبكة سياحية مشتركة في البلدة القديمة من القدس مع بقائها خاضعة للسيادة الإسرائيلية الكاملة.

ويعيش نحو 140 ألف فلسطيني في مساحة 3.5 كيلو متر مربع، من أصل 63 كيلو متر مربع "ضمتها إسرائيل إلى القدس عام 1967"، في مناطق عزلها جدار الفصل العنصري، ويحمل أكثر من نصفهم "الهوية الزرقاء".

الجدار الفاصل 

وحسب وسائل إعلام عبرية، فإن" الجدار الفاصل الذي بُني سيكون بمثابة الحدود الفاصلة بين الدولتين فلسطين وإسرائيل، والتي تم تحديدها عبر الخريطة الأمريكية، مما سيمنح ذلك اليهود لأول مرة منذ سنوات كثافة سكانية أكبر في القدس على حساب الفلسطينيين، بما يحسن التوازن الديمغرافي لصالح اليهود".

ولفتت إلى أن مصير الفلسطينيين الآخرين الذين سيبقون ضمن "حدود دولة إسرائيل" -وفق الخريطة -سيتم تخييرهم ما بين البقاء في مناطقهم أو الانتقال لـ "الدولة الفلسطينية".

وأضافت أن" 6 بالمائة منهم فقط يملكون (الهوية الإسرائيلية)، وأنه قد يسمح ضمن ترتيبات معينة بالبقاء لهم تلك المنطقة ومنحهم الهوية التي حرموا منها لسنوات بسبب الإجراءات الأمنية المتبعة، أو أن يبقوا في وضعهم الحالي".

لكن بأي حال من الأحوال، لا يمكن أن تشكل المناطق الثلاث التي طرحها ترمب ضمن خطته، بديلًا عن القدس العاصمة الأبدية لفلسطين، باعتبارها مناطق صغيرة متباعدة ومتناثرة، ومحاصرة بالجدار العنصري والمستوطنات من كافة الجهات، ومكتظة بالسكان. حسب ما يرى مختصين

لا قيمة لها

ويصف المختص في شؤون القدس جمال عمرو ما طرحه ترمب ليكون عاصمة فلسطين بـ "الهراء والمهزلة"، ويمثل "استهزاءً واستهتارًا بالعقل الفلسطيني"، مشيرًا إلى أن هذه الخطة لا قيمة لها ولا يمكن القبول بها فلسطينيًا إطلاقًا.

وفي حديثه لوكالة "صفا"، يوضح عمرو أن ترمب طرح عاصمة فلسطين دون أي سيادة أو مطار أو حدود، بل سيتم ربطها بأنفاق وجسور، وستكون خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

وبحسبه، فإن ترمب ونتنياهو اختارا، ثلاث مناطق، ليس بينها أي تواصل جغرافي، وهي مناطق صغيرة وفقيرة ومتباعدة فيما بينها، ومحاصرة بالاستيطان.

ويبين أن بلدة أبو ديس لا تتجاوز مساحتها 4 كيلو متر مربع، ولا تتبع لمدينة القدس بل للضفة الغربية المحتلة، لا تحتوي على أي أثر ديني أو تاريخي، ويفصل جدار الفصل العنصري بينها وبين مركز المدينة.

سلطات الاحتلال صادرت آلاف الدونمات من أراضيها لبناء الجدار والمستوطنات، وقسم سكانها إلى قسمين، ما أدى إلى خنقها وزيادة معاناتها.

وأما كفر عقب، فإن مساحتها لا تتجاوز 3 كيلو متر مربع، وتشهد اكتظاظًا سكانيًا شديدًا نتيجة إجراءات الاحتلال، وتتبع إداريًا لمحافظة القدس، وتتولى بلدية كفر عقب مسؤولية الخدمات والبنى التحتية فيها، وهي معزولة أيضًا خارج الجدار ومحاطة بالمستوطنات.

وعن شعفاط، يوضح عمرو أن مساحتها تبلغ 4 كيلو متر مربع، وتعاني من نقص في الخدمات الأساسية والبنية التحتية الصالحة، والاكتظاظ السكاني، كما خنقها الاحتلال بعدد من المستوطنات مثل "بسغات زئيف"، و"رمات شلومو"، و"التلة الفرنسية"، كما يفصل حاجزًا عسكريًا فوق أراضيه بين المخيم والقدس.

لذلك، لا تصلح هذه المناطق الثلاث لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية، بحسب عمرو، ولا مقرًا للسفارات ولا للوفود ولا غيرها.

ويؤكد أن "خطة ترمب" تريد تقطيع أوصال المقدسيين وتحويل حياتهم إلى جحيم لا يطاق، عبر التطهير العرقي، وجعل "القدس الموحدة" عاصمة لـ"إسرائيل".

"فنحن اليوم أمام مرحلة مفصلية وهامة في تاريخ الصراع مع إسرائيل"، ينبه عمرو هنا إلى خطورة "صفقة ترمب" على القدس والأقصى، وطبيعة المرحلة القادمة، والتي "قد تكون صعبة وحاسمة إزاء الإمعان في الاعتداء على المقدسيين، ووضع قدم يهودي حقيقي في المسجد الأقصى على مدار الساعة".

عزل السكان

وأما المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب، فيقول: إن" ما تضمنته خطة ترمب للسلام بشأن مدينة القدس هو "ضرب من الخيال وذر للرماد في العيون".

ويضيف "من المستحيل أن تكون العاصمة الفلسطينية في أبو ديس أو شعفاط أو كفر عقب، لأن القدس ستبقى كما هي بحدودها ومعالمها وبلداتها وأحيائها هي العاصمة الأبدية لفلسطين، ولا يمكن تجزئتها وتقسيمها، مهما ضخوا من أموال وامكانيات اقتصادية".

"ترمب اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، ومن ثم أعلن بنود صفقة القرن وأراد تغيير خارطة فلسطين وإعطاء حق للفلسطينيين خارج الجدار، لكن لا ترمب ولا نتنياهو لا غيره يستطيع أن يغير الواقع التاريخي والجغرافي والديني لمدينة القدس وقلبها البلدة القديمة والمسجد الأقصى".

ويؤكد أن القدس تتعرض منذ سنوات طويلة لتطهير عرقي ممنهج، "فالهدف من جعل المناطق الثلاث عاصمة فلسطين الجديدة عزل السكان وترحيلهم لإحلال المستوطنين مكانهم".

ووفق الخطة الأمريكية، يوضح أبو دياب أن 30% من المقدسيين أي نحو 120 ألف مقدسي، سيتم عزلهم خارج الجدار، وسيفقدون هويتهم المقدسية.

ويضيف "بحسب تلك الخطة، فإنهم يريدون إبعاد خط الدفاع الأول عن الأقصى وحماة المقدسات والهوية والأرض عن القدس وإيجاد خلل في التوازن الديمغرافي وإفراغها من سكانها بشكل كامل، لإتاحة المجال للاحتلال الانقضاض على الأقصى وتغيير الواقع فيه".

لكنه رغم ذلك، يؤكد أبو دياب أن أهل القدس بصمودهم وثباتهم ورباطهم سيفشلون "صفقة القرن"، ومخططات تفريغها وتغيير واقعها، مثلما أفشلوا عشرات المخططات الإسرائيلية ضد الأقصى والقدس، لأنهم يعتبرون "اللبنة الأساسية لإفشال أي مخططات".

وعن البلدات المقترحة لكي تكون عاصمة فلسطين، يقول أبو دياب إن هذه البلدات متباعدة فيما بينها ولا يربطها أي تواصل جغرافي، وتفتقر لأدنى مقومات الحياة، وتعاني من الاكتظاظ السكان والإهمال والتهميش والعزل خارج الجدار.

ويشير إلى أن هناك أكثر من 95% من سكان مخيم شعفاط وكفر عقب يحملون الهوية المقدسية، و20% من سكان أبو ديس.

المصدر: رنا شمعة - صفا

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]