يرى أكاديميون ان نتائج امتحانات البيزا التي كشفت عن فجوة لدى المجتمع العربي بما يتعلق بالتعليم ما هي الا انعكاس لسياسة التمييز الحكومية المستمرة منذ سنوات تجاه جهاز التعليم العربي في إسرائيل وتفضيل الطالب اليهودي على العربي من ناحية الميزانيات وجوانب أخرى.

سياسة التمييز الحكومية مستمرة وتعمل على ترك مؤسساتنا التعليمية

القيادي والأكاديمي د. ثابت أبو راس رأى ان نتائج امتحانات البيزا ما هو الا انعكاس الى ما ألت اليه اوضاع التربية والتعليم في وسطنا العربي ولا يمكن ان نعزو هذا التدهور الى سبب واحد فقط. وتابع: واضح ان سبب رئيسي لذلك هو الفجوات في الصرف على الطالب العربي مقابل الطالب اليهودي. سياسة التمييز الحكومية مستمرة وتعمل على ترك مؤسساتنا التعليمية واطفالنا الى الوراء. لكن لا يمكن اعفاء سلطاتنا المحلية ومنظومتنا الاجتماعية ومسؤولية الاهالي عن الموضوع.

ونوه: "العنوان على الجدار" كان واضحا ومنذ زمن بعيد. تحصيلات طلابنا لها علاقة في قلة اهتمام الاهالي بأبنائهم وعدم مراقبتهم في كيفية يقضون اوقاتهم. القراءة عند ابناءنا اصبحت لا تتعدى الفيسبوك والواتساب. القيمة المعرفية اصبحت سطحية. والاكثر ضررا هو عدم التربية الى الانتماء والهوية. يبقى دور كبير ملقى ايضا على السلطة المحلية بتوفير بيئة حاضنه أكثر للتربية والتعليم والقراءة وخاصة في كل ما يتعلق في ظروف المدارس والاستثمار في التربية اللامنهجية.

نتيجة متوقعة لدولة تضع التسلح والاستيطان والأمن في أعلى سلم أولوياتها

الناشطة الاجتماعية والمحاضرة الاكاديمية د. رنا زهر بدورها اشارت ل "بكرا": المعطيات المتوفرة من امتحان بيزا العالمي حول تحصيل جهاز التربية والتعليم في البلاد بشكل عام هي معطيات مقلقة وهي شهادة فقر لجهاز التعليم بأكمله. إذا أن إسرائيل تذيل القائمة مقارنة مع دول ال OECD الأخرى، وهي نتيجة متوقعة لدولة تضع التسلح والاستيطان والأمن في أعلى سلم أولوياتها الأيديولوجية والاقتصادية على حساب التعليم والرفاه الاجتماعي والصحة وسائر مرافق الحياة المهمة. 

وأضافت: النتيجة الأسوأ كانت من نصيب جهاز التعليم العربي الذي تراجع بشكل كبير من ناحية أداء طلابه وطالباته. والحقيقة أن من فشل هنا هو ليس الطلاب أو الطالبات أنفسهم، إنما الجهاز الذي من المفروض أنه مؤتمن عليهم. النتيجة هذه ليست مفاجئة لأنها استمرار لتدهور بدأ منذ عقود. الاسباب عديدة ومتشعبة وفي صلبها تقف سياسات الدولة العنصرية تجاه مجتمعنا وقلة الموارد والملكات وآليات التكنولوجيا الحديثة التي تشجع على التفكير والتحليل المستقل، فلطالما سعت أجهزة الدولة إلى السيطرة على الأقلية العربية في البلاد عن طريق جهاز التعليمة وسعت الى تجهيلنا كشعب. ولكن والأهم ربما أننا كمجتمع نزيد الطين بلة عندما نعتمد توظيف الأقارب في بلداتنا العربية ضاربين بعرض الحائط كفاءات هذا المعلم/ة، او عندما يختار أبناء وبنات مجتمعنا مهنة التعليم كمهنة مفهومة ضمنا ومضمونة وينظر إليها كمهنة سهلة ومريحة للأمهات بالذات دون الأخذ بعين الاعتبار إذا ما كان بالفعل هذا الإنسان أو هذه الأم كفء لهذه المهنة. وطالما يرى مجتمعنا مهنة التعليم كمهنة سهلة ومريحة بمعنى أنها لا تتطلب جهد كبير لطالما ستبقى نتائج اولادنا في الحضيض. وليس صدفة أن كليات تأهيل المعلمين تعج بالطلبات المقدمة لديها سنويا بشكل يفيض عن الحاجة الفعلية في الحقل، وخريجيها ينتظرون بالدور لمدة سنوات احيانا حتى تفرغ وظيفة ما في مدرسة ما. وفي هذا السياق، على دور المعلمين ايضا مراجعة أنفسها ومعايير قبولها للطلاب والطالبات. فالمعلم الجيد هو المفتاح للحل.

فقدنا البوصلة!

الناشطة الاجتماعية والأكاديمية غيداء ريناوي قالت: ما يفاجئني اننا نتفاجأ كل مرة من جديد. العنوان مكتوب وبشكل واضح في كل ما يتعلق بالمستوى المتردي لأساليب ومناهج ونتائج التعليم العربي في البلاد. الاشكاليات كثيرة ولكنني سأشير الى محورين اساسيين: ١. دور الدولة خاصة في تسويق خطة 922 صحيح أن الخطة جاءت بميزانيات جديدة في التربية ولكن ما جاءت به هو فقط ميزانيات في التربية اللامنهجية. التحدي الذي لم يوافق عليه وزير التربية والتعليم أنداك نفتالي بينيت هو تحدي ضخ ميزانيات لما يسمى في "תקצוב דיפרנציאלי" للثانويات العربية لان ترجمة هذه الميزانيات هي فعليا مليارات من الشواقل التي تنقص المدارس العربية الثانوية. كما ان دورنا نحن، كمجتمع وكمؤسسات وكقيادات وكمربين وأهالي. للأسف فقد تدهورت صورة المعلم والمعلمة في اذهاننا من ذاك المربي والراعي والقيادي الى دور يقتصر غلى تمرير مواد وامتحانات للطلاب. وفقدنا البوصلة " نعلم من اجل ماذا ونربي لكي نصل الى اين". والامر المحزن هو أن المعلمات والمعلمين في كثير من الأحيان قد ذوتوا هذا الانتقاص من دورهم.

ميزانية الطالب اليهودي أعلى تقريبا ب 40% من الطالب العربي

سامر عثامنه مدير قسم التربية بجفعات حبيبه قال بدوره: انخفاض التحصيل عند الطلاب العرب بامتحانات البيزا لسنة 2018 مقارنة مع الطلاب اليهود وطلاب من دول مختلفة بالعالم مقلقة جدا. بداية عليها ان تقلق متخذي القرار بوزارة التربية التعليم وكذلك القيادة العربية القطرية والمحلية والقيادات والمسؤولين التربويين من مدراء أقسام التربية ومدراء المدارس ومعلمين وكل من يعمل بهذا الجهاز. طبعا كانت هناك مؤشرات كثيرة لوصولنا لهذا الحال وهي لا تفاجئني بشكل خاص وعلينا تغيير ما يجب تغييره من أجل تحسين الجهاز التربوي بالمجتمع العربي. لكن عند تحليل حقيقة انخفاض التحصيل عند الطلاب لا يمكننا تجاهل عدة عوامل مهمة وعلى رأسها شح الميزانيات والموارد لجهاز التعليم العربي فهناك تمييز قوي بهذا المضمار بحيث ميزانية الطالب اليهودي أعلى تقريبا ب 40% من الطالب العربي. هذا التمييز بالميزانيات يؤثر سلبا على السيرورة التعليمية بمدارسنا بشكل قوي، بحيث عناك اكتظاظ بالصفوف وهناك حاجة لبناء مدارس جديدة للتخفيف منه. هذا الاكتظاظ يصعب على المعلم بتمرير المواد لجميع الطلاب وخاصة للضعفاء منهم كما ان شح الميزانيات يؤدي الى عدم التجديد بالبرامج التعليمية وغيرها. 

وتابع: نقطة مهمة اخرى يجب التنويه إليها وهي نوعية وجودة العاملين بسلك التعليم العربي. للأسف الشديد العديد من المعلمين لا يستوفون الشروط الأساسية من أجل إشغالهم بهذا الجهاز المهم والمقدس وذلك لعدة عوامل منها التعيينات الغير مبنية على القدرات والمهارات الشخصية لهم وانما بسبب قربهم وقرابتهم من رؤساء المجالس ومدراء المدارس والمفتشين واولئك الذين يستحقون ما زالوا ينتظرون الوظيفة بالبيت. إن صعوبة إيجاد وظيفة بجهاز التربية والتعليم وتواجد 11 ألف خريج وخريجة ينتظرون الوظيفة أدى الى أن الطلاب الممتازين توقفوا عن التوجه للجامعات لدراسة مواضيع تؤهلهم ليصبحوا معلمين بسبب صعوبة التوظيف بعد ذلك والمعاشات فبالتالي توجه لدراسة هذه المهنة المهمة الطلاب الضعاف والعير أكفاء. النقطة الاخيرة التي بودي ان أشير إليها والتي هي أحد الأسباب المهمة لتدني جهاز التعليم العربي وتدني التحصيل فيما بعد ذلك وهو ان معظم البرامج التعليمية والتربوية التي تلقى علينا من قبل وزارة التعليم ونجبر على تطبيقها، غالبا تتجاهل خصوصيات ومميزات مجتمعنا الحضارية والقومية. تلك البرامج غير ملائمة لنا ومن هنا يجب دمج الخبراء التربويين العرب باللجان التي تقوم على تطوير المناهج الخاصة بمجتمعنا.

ما أفرزته نتائج امتحانات البيزا، هو نتاج سنوات من الفشل، العنصرية والفساد

الناشط الاجتماعي إيهاب جبارين قال لـ "بكرا": بدون شك أن ما أفرزته نتائج امتحانات البيزا، هو نتاج سنوات من الفشل، العنصرية والفساد المتفشية ما بين وزارة التربية والتعليم والسلطات المحلية، بل يجدر الإشارة أنه بمثابة راية حمراء رفعت يجب الوقوف عندها ومحاسبة للذات. بلا شك أن المدارس هي بمثابة مرآة مستقبلية لمجتمعنا، ومن هنا يمكن القول إنه ينتظرنا سنين عجاف. ولكن هذا الفشل لا نحمل عواقبه لقدرات الطلاب.
وتابع: بل يجب محاسبة للذات كمجتمع وأهل أين أخفقنا كجهاز متابع لتحصيل طلابنا، ومراقب للأجهزة القائمة على تعليمهم. وذلك لأن هذه النتائج هي بمثابة شهادة فشل لوزارة المعارف بقسمها العربي، وهي فرصة ممتازة لفتح كل ملفات الفساد في هذه الوزارة من تمييز، ومحسوبيات وتوظيفات غير مهنية، ومناهج لا تليق بالقرن الواحد والعشرون. ما ننتظره الآن كأهالي هو أن تتحمل الوزارة مسؤوليتها، ونأمل أن نرى محاسبة وترتيبات جديدة، وليس مجرد لجنة لجم غضب.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]