قال رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، محمد بركة، إن إسرائيل والحركة الصهيونية تسعيان لتفتيت المجتمعات الفلسطينية أينما وجدت، ونحن بحاجة الى برنامج استراتيجي عام ينهي هذه الحالة، ويرتكز على الثوابت السياسية والكفاحية الشعبية الواسعة. كما قال بركة، إن الرد الفلسطيني الشعبي والرسمي لم يكن بمستوى القرار الأميركي الأخير بشأن الاستيطان.
وجاء هذا في مداخلة مركزية لرئيس المتابعة بركة الى جانب الددكتور نصر القدوة رئيس مؤسسة ياسر عرفات وعضو اللجنة المركززية لحركة فتح في ندوة عقدت في مدينة القدس أمس الثلاثاء بدعوة من وحدة الدراسات الدينية، في الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية "باسيا"، تحت عنوان بين تشاؤم العقل، وتفاؤل الإرادة وقد ادار الندوة الدكتور مهدي عبد الهادي وجرى حووار حيوي م جمهور الحاضرين ااالذي ضم نخبا سياسيية واجتاعية فلسطينيية إضافة الى حضور لافت من جهات دبلوماسية خارجية وممثلي منظمات دولية.
من جهته طرح د. ناصر القدوة رؤية شاملة مؤكدا ان الدولة الفلسطينية قائمة بفعل الانها من أصحاب الأرض وبفعل الاعتراف بها دوليا ولذلك فان المعركة ليست لاقامة دولة فلسطينية انما لدحر الاحتلال الجاثم على الدولة الفلسطينية واكد على ضروة استعمال القانون الدولي بفهمه العملي وليس فطط بمكوّن الشرعية فقط مثل ضرورة تحريم التعاطي مع الاستيطان ومنتجاته مشيدا بالتقدم البطيء في موقف الاتحاد الأوروبي.
بركة، إن الوضع الذي تعاني منه القدس المحتلة، من تغييب للعمل السياسي، منه ما فرضه الاحتلال بالقوة والقمع والملاحقة، ومنه ما انتجه الاحتلال من تغييب للقضية الأساسية وبث العدمية والتضييق الاقتصادي والاجتماعي، ومنه ما هو نتائجا لإخفاقاتنا نحن الشعب الفلسطيني. فمن المهم ضخ الدم والمقدرات لتنشيط العمل السياسي في المدينة بوصفه موف وبوصفه تعبئة وبوصفه مواجهة.
مشهد سياسي مقلق
لا شك أن هناك أسئلة في غاية الخطورة، اليوم (أمس) أعلن يوم غضب في الضفة على القرار الأميركي بشأن الاستيطان، وباعتقادي أن هذا الرد كان مهما وجاء متأخرا وليس كافيا، وأعتقد أن تصريح بومبيو كان بمثابة المسمار الأخير في النعش المسمى صفقة القرن.
صفقة القرن لم تعلن بعد بكاملها ولكن اذا تتبعنا ملامحها الكارثية على شعبنا الفلسطيني. مثل الاعتراف باحتلال وضم القدس ونقل السفرة الامريكية، وضرب وكالة غوث اللاجئين الاونروا، وحتى انكار أعداد اللاجئين. وموضوع الحدود وفق صفقتهم بات واضحا، بالاعتراف بالكتل الاستيطانية، بمعنى اسقاط حدود 1967 بين دولتين. وبقي أمر واحد، غامض بعض الشيء وهو أن ترامب قال بشأن موقفه من حل الدولتين، إنه إذا "اتفق" الإسرائيليون والفلسطينيون على حل الدولتين، فلا بأس، ولا مانع عنده.
والآن جاء تصريح وزير الخارجية بومبيو ليوضح أنه لا مكان لدولة فلسطينية. هذا التصريح جاء ليقضي على كل ما تبقى للتفاوض حوله بشأن الحل الدائم. وعمليا فإن الرد الفلسطيني والرد الدولي لم يكن بمستوى خطورة الموقف على حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى مبادئ الشرعية الدولية.
وبالتزامن مع هذا المسعى الأميركي، في ولاية ترامب، هناك تشظية وتفتيت للمجتمعات الفلسطينية في كافة أماكن تواجد شعبنا كجزء من عملية التفتيت الإقليمية الشاملة.
ففي غزة، باتت الحياة مرتبطة بموعد دخول مبعوث قطر الى القطاع، وبالموعد الذي تسمح فيه إسرائيل ادخال حقائب المال. وأعتقد أن سلطة حماس أصبحت بمثابة رهينة القرار في إسرائيل وفي أميركا وفي قطر، وهذا يدفع بالتالي الى تحول سقف طموحات المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية منصبّ على تصريف احتياجاته اليومية.
وتابع بركة قائلا، في الضفة الغربية، واضح قضية الاستيطان واصابعه الطويلة بين كل مدينة ومدينة. ورهن الحياة الاقتصادية بحرية التنقل التي يتحكم بها الاحتلال، وتصريح بومبيو، جاء ليثبت هذا التفتيت.
وفي القدس حدث ولا حرج، فمن ناحية انحسار الخطاب السياسي من ناحية، والذهاب عميقا في قضية الخدمات وتصريف الحياة اليومية بسبب التضييق الاحتلالي الخانق في الحياة التجارية والاقتصادية وفي احتياجات السكنوفي التمدد الاستيطاني في المدينة، بيما يتحول حديثنا عن القدس في السياق العام، الى حديث في سياق العبادة وليس في سياق السيادة. وهذا أمر خطير، ولا يقلل من مكانة القدس كمدينة مقدسة للمسلمين والمسيحيين، لكن سؤال السيادة يضمن العبادة وليس العكس، وصار الحديث حول الرواية الدينية مقابل رواية دينية أخرى، وهذا ما دأبت عليه الحركة الصهيونية لتحويل الصراع على القدس الى صراع على الرواية الدينية.
واضاف الى هذا، فإنه في الرواية الدينية لا توجد حلول وسط، بعكس الصراع السياسي. ولهذا فإن تحويل قضية القدس الى قضية دينية، وانجرار مكونات من شعبنا الى ذلك الحيز، من حيث لا تدري، تكون تخدم الخطاب الإسرائيلي الصهيوني.
وقال بركة، في الشتات، فإنه كل أزمة في العالم العربي يدفع ثمنها اللاجئون الفلسطينيون، مثل لبنان وسورية، وبالأساس تفتيت الحياة في المخيمات مثل تدمير مخيم اليرموك في سوريا والنهر البارد في لبنان وغيرهما.
بالنسبة لنا نحن فلسطينيو الداخل، فإن مستويات التفتيت سجلت ذروة خطيرة في السنوات الأخيرة، بتفشي الجريمة المنظمة والعنف، وبتواطؤ السلطة الحكمة وأذرعها، الشرطة وغيرها، حتى بات طموح الانسان الفلسطيني أن يخرج من بيته ويعود اليه سالما.
وشدد بركة على أن هذا المشهد الفلسطيني العام لتمرير شطب الشعب الفلسطيني يستوجب مخططا فلسطينيا استراتيجيا للخروج من هذا الوضع العام. فالانتخابات الفلسطينية هي أمر مهم، والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية هو أمر مهم أساس، وانهاء الانقسام شرط لا يمكن تجاوزه، إذ لا يمكن التقدم في أي مسار في ظل استمرار الانقسام.
وقال بركة، إن احدى الكوارث الناجمة عن اتفاقيات أوسلو، بغض النظر عن الموقف منها، هو تحييد الموقف الشعبي الدولي، والرأي العام الدولي عن القضية الفلسطينية، وهذا ليس فقط في العالم، فهذا بات يسري على حركات السلام الإسرائيلية، بغض النظر عن مدى جدية بعضها أو قوالب بعضها السياسية.
ولست بصدد نسخ تجربة الى تجربة، ولكن في ظروف تنشأ فيها كل مقومات الابرتهايد في إسرائيل، من خلال الممارسة على الأرض، والنهج التشريعي الإسرائيلي مثل قانون القومية، المؤسس للأبرتهايد الاسرائيلي، باعتقادي اننا لم ننجح في ادخال هذه الفكرة الى الأوساط الشعبية في العالم، لتضغط على حكومات دولها لتتخذ موقفا من إسرائيل في هذا المجال أيضا.
وقال بركة، هناك حديث لدى بعض الأوساط حول اتباع نهج جديد، ولكن أي نهج يجب أن يرتكز بشكل واقعي على حل الدولتين، خاصة وان البعض يتلاعب بحكاية حل الدولة الواحدة، وباعتقادي أن الدولة الواحدة هو عمليا الإقرار بسلطة واحدة على كل فلسطين التاريخية، وهذا ما هو قائم من ناحية عملية، ويصبح النضال من أجل حقوق مدنية. فتجربة 70 عاما لنضال الجماهير العربية في إسرائيل يقول الكثير في هذا المجال.
الهروب الى الامام
وقال بركة، أنا ضد فكرة الهروب إلى الأمام، فأولا يجب أن يقوم الكيان الفلسطيني ومن ثم من الممكن التفكير، حول المستقبل بعد ذلك، ولكن لا يجوز اختزال مسيرة نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر وبناء كيانه المستقبل، الى معركة من أجل حقوق مدنية يومية. ففي مجتمعنا في الداخل، بدأ التداول بديباجات في العقدين الأخيرين، وأبرزها، ماذا فعل لنا أعضاء الكنيست، وما هي الفائدة من الحياة السياسية والاحزاب، فهذا جزء من عملية التفتيت، ولكن في ذات الوقت تهدف الى تخفيض سقف النضال ليقتصر على الشأن الخدماتي.
ما نحتاجه اليوم، هو العودة الثوابت الاستراتيجية، السياسية والكفاحية، وبالأساس أساليب الكفاح الجماهيري الواسع والحاشدة، فعندنا من يحاول تقزيم وزن المظاهرات الجماهيرية، الكفيلة الأكثر بتفاعل الجماهير. والتمسك بالثوابت السياسية الاستراتيجية، لا تعني التنازل عن الحقوق المدنية، بل هذا مرتبط بذاك. والمعادلة بين الاحتياجات اليومية للناس، والقضية الأساس، يجب صقلها بإبداع كفاحي.
وقال بركة، إن على السلطة الفلسطينية، أن تتخلص من فكرة، أنها مفاوض أمام إسرائيل، وسلطة على شعبها، بمعنى أن السلطة الفلسطينية يجب ان تكوّن مع شعبها حالة كفاحية، وليس فقط من أجل تنظيم الحياة اليومية. فعندما يتم اقتلاع فكرة الثورة من العلاقة بين الشعب وبين القيادة، تصبح السلطة مقاول ثانوي لتصريف الحياة اليومية الامر الذي يصبّ في صالح الاحتلال، وهذا كلام لا يجوز، ولا مكان له لدى شعب يناضل لانهاء الاحتلال ويتوق الى الحرية.
[email protected]
أضف تعليق