تقرير جديد تنشره جمعيّة أطباء لحقوق الإنسان، بمناسبة يوم حقوق الطفل (20.11) يكشف عن توثيق لمئات الحالات في كل سنة يخرج فيها أطفال غزّيون من قطاع غزة لغرض الخضوع للعلاج الطبّي من دون أهاليهم، وذلك جرّاء رفض السلطات الإسرائيليّة السماح بخروج هؤلاء. كما ويسلط التقرير الضوء على ظاهرة قيام أهالي لم يحصلوا على تصاريح خروج من غزة بإرسال أطفالهم إلى مستشفيات بعيدة برفقة أبناء عائلة آخرين، أو - وفي ظل غياب إمكانية أخرى- برفقة إنسان غريب.
ويستعرض التقرير معطيات جديدة بشأن الظاهرة المذكورة، كما ويقدم تحليلًا طبيا- نفسيًا حول آثار هذه الظاهرة على عملية شفاء القاصرين، ويوجّه التقرير إصبع الإدانة تجاه الجهات المسؤولة عن هذه الظاهرة.
المعطيات:
يتّضح من معطيات التقرير أن 56% من حالات خروج الأطفال والطفلات الذين تم تحويلهم للعلاج خارج قطاع غزة من دون أن يرافقهم أهاليهم، وذلك في الفترة الواقعة ما بين شباط حتى أيلول 2018، وقد بلغ متوسط عدد التصاريح الشهري الممنوح للقاصرين 486.25، في حين بلغ معدّل التصاريح الممنوحة للأهل الذين يرافقون القاصرين 2015 تصريحًا شهريا. أما في الفترة الواقعة ما بين شهري تشرين أول 2018 حتى حزيران 2019، فقد انخفضت نسبة الحالات التي اضطر فيها القاصرون من غزة للخضوع لعلاج طبي خارج غزة من دون مرافقة ذويهم إلى ما نسبته 21 %. ومن ناحية عدديّة، فقد ارتفع المعدل الشهري للتصاريح الممنوحة للقاصرين الغزيين في تلك الفترة إلى 536.4 تصريحًا في المعدّل، بحيث صار المعدّل الشهري التصاريح التي منحت للمرافقين 420.6 تصريحا. المعطيات المذكورة مستقاة من ردود منسق أعمال الحكومة في المناطق على طلبين مرتكزين إلى قانون حريّة المعلومات كانت جمعيّة أطباء لحقوق الإنسان قد قامت بتقديمهما ( يمكن الاطلاع عليهما هنا و هنا).
هذا، ويفسّر التقرير الارتفاع المذكور في عدد التصاريح بالشروع بالعمل بتصريح خروج جديد تحت مسمّى "تصريح مرافقة لأحد الوالدين" اعتبارًا من تاريخ 11.2.2018، حيث تفيد ردود منسق شؤون الحكومة في المناطق على الطلبات التي قدمتها أطباء لحقوق الإنسان بأنه ستتم معالجة طلبات الأهل المرافقين اعتبارًا من تاريخه بعمليّة مسرّعة، مع منحها مرتبة عالية على سلّم الأولويّات.
الآثار النفسيّة والطبيّة
يستعرض التقرير وجهة نظر أورن لاهاك، وهو اختصاصي نفسي طبي يتحدث عن آثار فصل الأطفال عن ذويهم أثناء الخضوع للعلاجات الطبيّة، على عمليّة الشفاء. "يواجه الطفل مرضًا مزمنًا أو إصابة، وكنتيجة للأمر يتعين عليه الخضوع للإجراءات الطبيّة في إطار المستشفى، وهذه الإجراءات تتضمن تسريرًا داخل المشفى، وتأهيل المريض أو المصاب، وتغيير الحالة التي اعتاد عليها، وبذا فإن الطفل يصير بحاجة إلى والديه لكي يحافظ على روتين يومي معروف قدر الإمكان، إن الحالة الخاضعة لتفسير علم النفس المرضي التي من شأنها أن تتخلّق نتيجة لغياب الوالدين".
يستعرض التقرير رأي أورن لاهاك، وهو عالم نفسيّ طبّي، حول عواقب المترتبة على عمليّة الشفاء، جرّاء فصل الأطفال عن والديهم أثناء العلاج الطبّي؟ "يتعيّن على الطفل الذي يتعامل مع مرض مزمن أو إصابة أن يخضع لإجراء طبّي في المستشفى، ويشمل هذا الإجراء تسريرًا داخل المشفى، وإعادة تأهيل وينطوي على تغيير للحالة التي اعتاد عليها الطفل، وهو يحتاج إلى والديه من أجل الحفاظ على روتين مألوف قدر الإمكان، وتجنب الاعتلال النفسي الذي قد ينشأ جرّاء غيابهما، إلى جانب تحسين فرص إعادة التأهيل (من ناحية نفسيّة وجسديّة)، والعودة إلى الروتين اليومي". حسبما ورد في وجهة نظر لاهاك.
دليل إضافي جرى تقديمه في التقرير بخصوص الضرر المترتب على السيرورة الطبيّة، بالاستناد إلى تصريح ابتسام غريب، مسؤولة الممرضين والممرضات في قسم العناية المركزة للأطفال في مستشفى المقاصد. وتفيد غريب أنه يمكن ملاحظة الاختلاف في استجابة الطفل للعلاج لدى الأطفال من غزة ممن يأتون من دون مرافقة أحد والديهم لهم، وذلك مقارنة بأطفال آخرين يصلون برفقة ذويهم (على سبيل المثال، الأطفال الذين يأتون من الضفة الغربيّة). إن الأطفال الذين يأتون برفقة ذويهم يستجيبون للعلاج بشكل أسرع، وتكون العلامات الحيويّة لديهم أقوى. وتشير غريب أيضًا إلى ظواهر مرتبطة بحالات فصل الأطفال عن والديهم أثناء العلاج، ومن ضمن هذه الحالات الفصل المفاجئ للأطفال الرضّع عن أمهاتهم، وهذا ما يتسبب في عواقب نفسيّة وخيمة، إلى جانب إطالة أمد عمليّة العلاج.
المسؤولون عن الظاهرة
يلقي التقرير بالقسم الأكبر من المسؤوليّة، في ظاهرة فصل الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم أثناء خضوعهم للعلاج الطبي خارج قطاع غزة، على عاتق السلطات الإسرائيليّة. وذلك نظرًا لأن الأمر يشكل جزءًا من سياسة الحصار الإسرائيليّة المفروضة على القطاع. وتشير العشرات من حالات انفصال الأطفال عن ذويهم ممن قامت جمعيّة أطباء لحقوق الإنسان بمعالجتها خلال العام الماضي بأن تأخر الجيش في الاستجابة لطلبات الأهل، وتقديم الردود بتأخير ملحوظ، أو غياب الإجابة أو الرفض المطلق تعدّ من ضمن الأسباب الأساسيّة التي تؤدي إلى عدم قدرة الأهل على مرافقة أطفالهم أثناء خضوعهم للعلاجات الطبيّة.
أصابع الاتهام توجه في هذا التقرير أيضًا إلى اللجنة المدنيّة الفلسطينيّة، وهي الجهة الرسميّة الفلسطينيّة التي يتم من خلالها تقديم طلبات سكان غزة لاستصدار التصاريح، وهي الجهة التي تقوم بتقديم الطلبات إلى وحدة الارتباط والتنسيق على حاجز إيرز. إذ يشير التقرير إلى أن اللجنة تقوم في الكثير من الحالات بالإشارة على للأهالي بعدم تقديم طلبات لاستصدار تصاريح لمرافقة أطفالهم، وذلك بسبب انخفاض احتماليّة إقرار هذه الطلبات؛ وبدلًا من ذلك، تقوم اللجنة بتشجيع العائلات على تقديم طلبات المرافقة باسم الجد أو الجدة. وفي حالات أخرى، تتأخر اللجنة في تقديم الطلبات الخاصة بالأهالي المرافقين في الحين الذي يكون فيه الطفل أو الطفلة خاضعين أصلًا للعلاج في مستشفى في الضفة الغربيّة أو إسرائيل.
هذا، ولا يوفّر التقرير من انتقاداته المستشفيات الإسرائيليّة أيضا، فهو يدّعي بأن هذه المستشفيات لا تصرّ بما يكفي أمام السلطات الإسرائيليّة للمطالبة بالسماح بمرور أهالي القاصرين الذين يخضعون للعلاج داخلها. كما أن هنالك ادّعاء إضافي تجاه المستشفيات الفلسطينيّة الموجودة في شرقي القدس، مفاده أنها تمرر رسالة للأهالي المرافقين بأنهم لن يتمكنوا من المكوث أثناء فترة تسرير أطفالهم، وذلك بسبب نقص في أماكن المبيت المنظمة.
اقتباس أطباء لحقوق الإنسان
"إن سياسة فصل الأطفال عن ذويهم أثناء خضوعهم للعلاج الطبّي تمس بشكل منهجي ومتواصل بحق الأطفال والطفلات الغزّيين والغزّيات في الصحة، كما ويمسّ بفرص شفائهم"، حسبما تقول غادة مجادلة، مديرة قسم الأراضي المحتلة في جمعيّة أطباء لحقوق الإنسان. "على جميع الجهات ذات العلاقة أن تضع الأمر على رأس سلّم أولوياته: على اللجنة المدنيّة الفلسطينيّة أن تعمل من أجل السماح بخروج الأهالي مع أطفالهم للعلاجات الطبيّة، من دون علاقة للأمر بالتوجيهات الإسرائيليّة؛ على المشافي الإسرائيليّة أن تطالب بشكل حثيث بالسماح للأهل بمرافقة أطفالهم، وعلى المستشفيات الفلسطينيّة في القدس الشرقيّة العمل على العثور على حلول لإسكان الأهالي في مناطق قريبة من المستشفيات أثناء العلاج. والأهم من هذا كله فإن على إسرائيل أن تضمن وصول الأطفال والطفلات الذين واللواتي يتم توجيههم وتوجيههن للخضوع للعلاج الطبي خارج القطاع، للعلاج في الموعد المحدد، وبرفقة واحد على الأقل من الوالدين".
[email protected]
أضف تعليق