الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد :
قال ﷺ: كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه
قالوا: كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك؟ قال: تأخذون بما تعرفون وتدعون ما تنكرون وتقبلون على خاصتكم وتذرون أمر عوامكم .
وقال علي رضي الله عنه : الناسُ ثلاثة : فعالم رباني ، ومُتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباعُ كل ناعق ، يميلون مع كل ريح .
نعم إنه زمان الغربلة والتمحيص وزمان الشقلبة والتلبيس وزمان الردة والتنكيس وزمان اللغط والخلط والهرج والمرج ، هذا زمن اختلال الموازين وانحراف المعايير
فما كان بالأمس من العقيدة ومن الثوابت الراسيات بات اليوم محل شكٍ وسخرية وانتقاد ، فلم يعد مستهجناً على الواحد منا أن يستقبل في كل يوم خبراً مزلزلاً لجريمة
قتل او سرقة أو اختطاف أو أن يقرأ في الصحف مقالاً يدعو لحرية الشذوذ ولحقوق الشواذ ، أو أن يخرج علينا كل ناعق ينادي بحرية الكفر والإلحاد بل ويشكك
العوام بمعتقداتهم ويزعزع إيمانهم الراسخ بربهم وبدينهم الذي ارتضى لهم ، لو وقف واحدنا للحظة على الحياد ونظر الى مجتمعاتنا بعين المراقب وبعقل الناقد
سيجد أننا أمسينا قطيعاً يلهث وراء الشهوات والشبهات ويتبع كل ناعق ويصفق للرويبضة وينحني لكل غريب ، ويصغي لكل ضالّ مضل ويتأمّعُ لشذاذ الآفاق
ولدعاة الفتن والمحدثات ، كله بإسم التمدن والتحضر .. ففي زمن الفهلوة والتلبيس على الناس واللعب على أوتار التدين والإلتزام وبإسم العمامة والمشيخة ولزوم
المصلحة ودرء المفسدة ولأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ، يخرج علينا من يتاجر بالدين ويلوي أعناق النصوص ويحرف الكلم عن مواضعه
ويفتي بضرورة الإصطفاف خلف حزب بعينه ، فهو الواجب الشرعي والضرورة الوطنية القصوى ، بمنأى عن أي اعتبار شرعي أو أي ضابط أخلاقي حتى ولو
أن أرباب تلكم الأحزاب من المتسولين على موائد اللئام وهم الداعون إلى الانسلاخ عن الهوية والدين بل ويقدمون فروض الولاء والطاعة للحاكم والجلّاد ويسجدون
على أعتاب معابد الظلم والضرار ويقدمون كل ما تتطلبه مصالحهم من تنازلات ويمشون بخطى حثيثة نحو الانصهار في بوتقة الطغيان ، فلا صوت يعلو فوق صوت
المصلحة ولا يقدم على المنصب والكرسي والجاه والسلطان والمال أي شيء حتى لو اضطر واحدهم للقفز على الثوابت أو التنكر للدين والمبادئ بل ولإرتكاب
خطيئة كبرى بإسقاط النصوص الربانية الطاهرة المنزهة عن الخطأ والنقص على لعبة سياسية ملوثة بأموال الناس ومصالحهم وأمالهم وآلامهم وأحزانهم وحاجاتهم
ولله ذر القائل : تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها !!
لا أشك بأن كلامي هذا قد لا يعجب الكثيرين وسيثير امتعاضهم ولا يتماشى أبداً مع دعاة التصويت ومروجي الأحزاب السياسية ، لكنه واجب البلاغ واتقاء الكتمان
فلقد اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ، ثم إني وطائفة كبيرة من الناس نفتقد إلى الثقة بما يسمى بالنخب السياسية في مجتمعنا ،
ولا نراهم أكثر من زمرة من المنتفعين ، أصواتهم عالية ووعودهم مبهرة وطموحاتهم لا سقف لها ولكنها مع بالغ الأسف لا تتعدى الكلام المعسول والوعود الزائفة
ودغدغة لمشاعر الناس ، ليس لأنهم لا يريدون تحقيق مطالب عامة الناس بل لأنهم بواقع الحال لا وزن لهم ولا يملكون التأثير في القرارات المفصلية المتعلقة
بقضايانا الأساسية ، وكعادة المرجفين ستخرج علينا بعض الأصوات مطالبة بالبديل عن التصويت والانتخابات والدخول في معترك السياسة ، والحاجة إلى من
يمثل تطلعات شعبنا ومشاكله ، وهم أنفسهم قد جربوا وعاشوا فترات لم تقدم الأخزاب العربية فيها إلا الشعارات الفارغة والخطب الرنانة ، ومع ذلك يصرون
على إعادة انتخابهم ، والمثل العام يقول : اللي بجرب المجرب عقله مخرب !!
إلى كل لبيب عاقل وإلى كل مؤمن بالله تبارك وتعالى وإلى كل حريص على المصلحة العامة وعلى مستقبل أمتنا أقول : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، ولا يجرمنكم
زيغ السياسيين والنخبة والمثقفين وتدليس بعض العمائم المأجورة والفتاوى المبتورة على الّا تعدلوا وتتقوا وتتبينوا وتميزوا الطيب من الخبيث والسمين من الغث
ولا تكونوا إمعات إن أحسن الناس أحسنتم وإن أساؤوا أسأتم .
ثم إلى الذين باعوا الدين بالدنيا واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير أقول : اتقوا الله في أنفسكم وفي الناس وأخوفكم الله وأحذركم من يوم تشخص فيه الأبصار
ومن موقف لا بيع فيه ولا خُلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون ، وعند الله تجتمع الخصوم .
وإلى كل صاحب قلم لا يخشى الله في قلمه ، مسترسل في الغي والضلال ، يغرف بما يعرف ويهرف بما لا يعرف ، لا أجد أبلغ من كلام الشاعر فاروق جويدة في
الرد عليهم :
في زمن الردة والبهتان ...
اكتب ما شئت ولا تخجل فالكفر مباح ...
لا تخش الله ولا تطلب صفح الرحمن ....
فزمان الردة نعرفه ، زمن العصيان بلا غفران ...
إن ضل القلب فلا تعجب أن يسكن فيه الشيطان ...
لا تخش خيول أبي بكر أجهضها جبن الفرسان ....
وبلال الصامت فوق المسجد أسكته سيف السجان ...
أتراه يؤذن بين الناس بلا استئذان ؟؟
أتراه يرتل باسم الله ولا يخشى بطش الكهان ....
فاكتب ما شئت ولا تخجل فالكل مهان ....
واكفر ما شئت ولا تسأل فالكل جبان ....
الأزهر يبكي أمجادًا ويعيد حكايا ما قد كان ....
والكعبة تصرخ في صمت بين القضبان ....
والشعب القابع في خوف ينتظر العفو من السلطان ....
والناس تهرول في الطرقات يطاردها عبث الفئران ....
والباب العالي يحرسه بطش الطغيان ....
أيام الأنس وبهجتها والكأس الراقص والغلمان ....
والمال الضائع في الحانات يسيل على أيدي الندمان ....
فالباب العالي ماخور يسكنه السفلة والصبيان ....
يحميه السارق والمأجور ويحكمه سرب الغربان ....
جلاد يعبث بالأديان وآخر يمتهن الإنسان ....
والكل يصلي للطغيان ....
[email protected]
أضف تعليق