كما كان متوقعاً فقد قررت اللجنة التنفيذية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أمس الإثنين، طرد زعيم الحزب السابق، ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو و4 من المقربين منه.

وجاء القرار بعد الانتقادات العنيفة التي وجّهها داوود أوغلو إلى الرئيس رجب طيب إردوغان في ما يتعلق بالسياستين الداخلية والخارجية، وهدده بالكشف عن أسرار هذه السياسات، وخاصة موضوع سوريا والعلاقة بداعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى.

وجاء القرار عشية المعلومات التي تتوقع لداوود أوغلو أن يعلن إنشاء حزبه الجديد، وسوف يستنفر إردوغان كل إمكاناته وإمكانات الدولة لعرقلته، وإلا فسيتصدّى له بأساليبه الخاصة. وتوقعت المصادر المقربة من إردوغان أن يغري المقربين من داوود أوغلو بمناصب عليا في الدولة مع امتيازات مالية كبيرة، وإلّا فسيهددهم عبر الملاحقات القضائية، أي عبر اتهامهم بالعلاقة مع الداعية فتح الله غولان، الذي يحمّله إردوغان مسؤولية محاولة الإنقلاب الفاشلة في 15 تموز/يوليو 2016.

فيما تتجه الأنظار صوب الرئيس السابق عبد الله غول، الذي يقف إلى جانب وزير الاقتصاد السابق علي باباجان، ويستمر هو أيضاً في إجراء اتصالاته مع عدد كبير من الشخصيات ذات الميول السياسية المختلفة لإنشاء حزبه "الليبرالي الديمقراطي" قبل نهاية العام الحاليّ.

وكانت استطلاعات الرأي قد توقعت لهذا الحزب أن يحظى بتأييد نحو 10٪ من الأصوات بعد الإعلان عنه فورا،ً مقابل 4٪ لحزب أحمد داوود أوغلو، الذي لم يكن سياسياً بالأصل، وجاء به عبدالله غول من الجامعة وجعل منه مستشاراً للسياسة الخارجية، عندما أصبح رئيساً للوزراء بعد انتخابات 2002، ثم عيّنه إردوغان وزيراً للخارجية في أيار/مايو 2009 ثم رئيساً للوزراء وزعيماً للحزب في آب/أغسطس 2014. وسعت الأوساط الأميركية إلى تسويق داوود أوغلو للمنطقة، وقالت عنه إنه "كيسنجر الشرق الأوسط"، فأدى دوراً أساسياً في مخططات أنقرة الخاصة بالربيع العربي.

وكان أحد أهدافه تسويق النموذج "التركي الإسلامي العلماني الديمقراطي" للإسلاميين العرب، فراح هو ضحية هذه الديمقراطية، التي لم ترحم حتى الرئيس السابق عبد الله غول ومعظم مؤسسي حزب العدالة والتنمية، الذين تخلص منهم إردوغان خلال السنوات الماضية بأساليبه الخاصة. فقد حطت مروحية عسكرية تقل خلوصي آكار (رئيس الأركان ووزير الدفاع الحالي) وإبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس إردوغان فوق سطح منزل غول بعد انتقادات عنيفة وجّهها إلى إردوغان قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية في حزيران/يونيو العام الماضي، حيث أصبح إردوغان رئيساً للجمهورية وزعيماً للحزب، بعدما ألغى النظام البرلماني، وأقام نظاماً رئاسياً استطاع من خلاله أن يسيطر على جميع مؤسسات الدولة التركية ومرافقها، وفي مقدمتها الجيش والأمن والاستخبارات والقضاء والإعلام الحكومي، وعلى 95٪ من الإعلام الخاص، وهو سلاحه القوي في الحرب ضد منافسيه ومعارضيه، بمن فيهم غول وداوود أوغلو وباباجان، الذين يتعرضون الآن لحملات مسعورة من هذا الإعلام، الذي كان ذات يوم في خدمتهم جميعاً.

وتختلف الرهانات على مخططات إردوغان في الحرب على مختلف الجبهات بعدما أصبح في وضع لا يحسد عليه في السياستين الداخلية والخارجية.

فقد فشل في مشروعه العقائدي لأسلمة الدولة والأمة التركية، وهُزم هزيمة نكراء في الانتخابات البلدية، وخسر إسطنبول ذات المعنى الخاص بالنسبة إليه لأنه كان رئيساً لبلديتها قبل 25 عاماً. كما فشلت جميع سياساته الخارجية وخاصة في سوريا ذات المعنى التاريخي والعقائدي، لأنه قال بداية 2012 إنه "سيصلي قريباً في الجامع الأموي"، ليُحييَ بذلك أحلام الخلافة والسلطنة العثمانية، مذكِّراً الجميع بالسلطان سليم الذي دخل سوريا في 24 آب/أغسطس 1516، كما دخل الجيش التركي جرابلس في اليوم نفسه من العام 2016 وبضوء أخضر روسي.

وكانت هذه السياسات الفاشلة في سوريا والربيع العربي وتدهور العلاقات مع أميركا وأوروبا لأسباب متعددة كافية لإيصال تركيا إلى وضع مالي واقتصادي خطير، بعدما ازدادت ديونها الخارجية عن 460 مليار دولار، ولا أحد في الغرب يفكر في مساعدتها على الخروج من هذه الأزمة والسبب بسيط جداً:

انعدام الديمقراطية والقضاء على استقلالية القضاء، الذي تقول عنه المعارضة إنه يصدر أحكامه وفق تعليمات الرئيس إردوغان، الذي يسعى عبر المحاكم للتخلص من جميع معارضيه من السياسيين والإعلاميين والمحامين والمثقفين، وقد يلحق بهم داوود أوغلو ومن هم في فلكه بحسب توقعات الأوساط السياسية، التي تذكّر بمقولة سابقة لإردوغان، الذي وصف فيها الديمقراطية عام 1997 بأنها "وسيلة لا هدف"، وشبّهها بالقطار، وقال "سننزل منه عندما نصل إلى المحطة التي نريدها".

المصدر : الميادين نت

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]