شتان ما بين وضع سوق الناصرة في الماضي خصوصا خلال فترة عيد الاضحى واليوم، حيث يعاني التجار في السوق الامرين يفتحون بسطاتهم مع بداية الصباح ويقفلونها في اول النهار بسبب انعدام المشترين، أزمة سوق البلدة القادمة بدأت منذ اعوام وبالتحديد في عام 1998 حين قررت بلدية الناصرة بدء العمل على تنفيذ ما يسمى بمشروع "الناصرة 2000" وكانت علامة مفصلية في تاريخ السوق، اضعفت مركزه الأثري والسياحي وسمحت لأيادي الغدر ان تمتد وتعبث به، قررت البلدية حينها تفريغه كليا من المحلات التجارية ونقل حوانيته إلى ميدان مؤقت في وسط المدينة من أجل ترميمه، ومن ثم إعادتها إليه مجددا، ولكن عملية الترميم استمرت لسنوات وسئم تجار السوق البقاء في "بسطاتهم" المؤقتة التي لا تقي حر الصيف، ولا برد الشتاء، وبدأت عملية انتقال تدريجية إما إلى أسواق خارج المدينة أو لفتح محلات جديدة على الشارع الرئيسي للمقتدرين منهم ، تزامنت عملية انتهاء الترميمات مع افتتاح مراكز تجارية ضخمة في البلدات والمدن اليهودية والعربية المجاورة شكّلت بدائل لسوق البلدة القديمة الذي كان القلب النابض لمدينة الناصرة. وساهمت بعملية "موت تدريجي" لسوق كانت الحياة تزهر بين جدرانه الاصيلة والصلبة وتحوله الى "جثة تصارع الموت".

200 من أصل 300 محل تجاري أغلقت لعدة أسباب

يوجد في سوق البلدة القديمة بالناصرة أكثر من 300 محل تجاري، جميعها كانت مفتوحة قبل عشرات السنوات وكانت تستقطب الآلاف يوميا ممن يصلون إليه من البلدات القريبة والبعيدة، وفي نهايات الأسبوع كانت تصل أعداد الوافدين إليه الى عشرات آلاف الزوار. بينما اليوم يختلف الحال، اصبح السوق يلفظ أنفاسه الأخيرة وقد خلى من السياح والزبائن على الرغم من كل المحاولات السابقة والمستمرة لمحاولة احياءه وانعاشه مجددا، فما ان تطأ قدمك في اوله من أي جهة تستطيع ان تلمس شحوبا وهما على وجوه أصحاب المحلات التجارية والبسطات القليلة المتبقية في السوق، وعلى الأطراف الممتدة من شارع توفيق زياد وصولا الى كنيسة البشارة حيث تعتبر المقصد الاول للسياح الأجانب الذين يساهم ولو بالقليل من عملية انعاش أخيرة لأرث وتاريخ وحضارة كانت عامرة في الماضي، فالداخل إلى سوق الناصرة يلاحظ أن معظم محاله التجارية مغلقة، 200 من أصل 300 محل تجاري أغلقت لعدة أسباب، وهو أمر يبعث على الحزن والكآبة في سوق كان ينبض بالحياة وأصبح موحشا وكأنه مكان أشباح.

لا يوجد انتعاش في سوق الناصرة على الاطلاق، السوق حزين جدا

يقول الشيخ أبو الانس أبو رحال امام المسجد الأبيض في سوق الناصرة وصاحب محل تجاري "لا يوجد انتعاش في سوق الناصرة على الاطلاق، السوق حزين جدا، يشكو الى الله ظلم الظالمين، معظم المحلات في السوق مغلقة وأسعار المحلات التجارية انخفض الى النصف، هناك محاولات فردية "غير منظمة" للمتاجرة بالسوق من خلال بيع عقارات وممتلكات".

محمد ابو رحال - رئيس لجنه التجار والحرفيين في سوق الناصرة يقول "هناك شائعات عديدة حول بيع بيوت وعقارات في السوق، ممكن ان يتم الامر من خلال عمليات شراء منفردة وبعدها يطلب الزبون اليهودي من البائع ان يبقى في المنزل لمدة زمنية معينة تصل أحيانا الى سنتين، وبعد الاستيلاء على عدة مبان يدخلون الى السوق ويحاولون استيطانه والاستيلاء عليه، قبل فترة سمعنا بحالات شراء ولكننا لم نتأكد من الامر".

مبادرات فردية لإنعاش السوق مستمرة

بالمقابل يتشبث عدد كبير من التجار والحرفيين والمواطنين بسوق البلدة القديمة ويباشرون بمشاريع ومبادرات فردية لا ينتج عنها مكسب مادي بقدر رمزيتها التي تهدف الى إعادة السوق لسابق عهده، حيث تتواصل المحاولات المستمرة لتنظيم نشاطات وفعاليات يوميا لجعل سوق الناصرة ينبض بالحياة مجددا بعد سنوات طويلة حيث أدرك بعض سكان المدينة أن لديهم كنز سياحي غير مستغل اسمه "البلدة القديمة" وبدأ عدد منهم ينفذ مبادرات فردية تهدف إلى إنعاش البلدة القديمة، من خلال ترميم بعض المباني القديمة وتحويلها إلى بيوت للضيافة بسبب النقص في عدد الغرف الفندقية، مبادرة لاقت استقطابا واسعا للسياح من كافة انحاء العالم خصوصا وان الأسعار في السوق تكون اقل من باقي الفنادق وتميزه الروائح المنبعثة من أزقته وبيوته القديمة والعريقة. يقول الشيخ انس "هناك ظاهرة افتتاح الفنادق الصغيرة وتنجح بطريقة ما الا انها تحتاج الى جهد ونفس طويل وتعاون الجميع من اجل احياء وانعاش السوق".

مها شحادة ابنة الناصرة التي ترفض اغلاق محلها البسيط "مستكة" المميز بالألوان والموجود على ناصية الطريق الممتد اول السوق على الرغم من محاولات الشرطة المستمرة للتضييق عليها اعتقالها وترحيلها "قررت ان افتتح محلي لأنني اردت ان اغير من طابع الناصرة قليلا، فتوجهت الى السوق لأنه المنطقة المعتمة الذي اردت ان اضيئها واضيف عليها بعض الألوان، اردت ان ادعم سوق البلدة القديمة بأي طريقة، في البداية اردت ان اغلق المحل ولكن بعد أسبوعين اصبح لدي زبائن يحبون الناصرة ويريدون ان يعود سوق البلدة القديمة الى ارثه التاريخي ومجده الحضاري، وانا على امل ان أكون جزءا من إعادة احياء السوق والمحافظة عليه من التهويد".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]