يتساءل الجميع عن نسبة التمثيل البرلماني العربي في الكنيست الـ21 وذلك قبل الانتخابات الاسرائيليّة العامَة التي ستجرى في التاسع من نيسان.

وبحسب استطلاعات الرأي الاسرائيليّة، فانّ تحالف الـعربيّة للتغيير يحصل دائما على 5 مقاعد كحدّ أدنى وتسعة مقاعد كحدّ أقصى فيما يحصل تحالف التجمع والموّحدة على خمسة مقاعد كحدّ أقصى.

وقال الباحث في الشؤون الاسرائيليّة - انطوان شلحت لـبكرا :" يتأكد يوماً بعد يوم مع الاقتراب من انتخابات الكنيست الـ21، التي ستجري يوم 9 نيسان، أنه من ناحية عملية لم يعد هناك اليوم في المشهد السياسي الإسرائيلي شيء اسمه "يسار". فهذا المشهد يحتوي مكونًا يمينيًا شبه جارف، ومكونًا وسطيًا يفتقر في جوهره إلى إيديولوجيا أو رؤية معينة، ومكونًا هزيلًا جدًا يسمي نفسه يسار، لا توجد بينه وبين مصطلح "يسار" أي صلة أو علاقة".

وتابع:" يمكن القول إن هناك مجموعات صغيرة للغاية ومبعثرة يجوز اعتبارها يسارًا. فضلاً عن ذلك هناك من يعتقد أن اليسار الإسرائيلي بشكل عام لم يكن حركة اجتماعية أصيلة، وإنما كان "معسكر سلام". لكن حتى "معسكر السلام" هذا لم يعد قائمًا في إسرائيل في الوقت الحالي. والذي قضى على هذا المعسكر لم يكن يغئال عمير (الذي قام باغتيال رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين)، وإنما إيهود باراك (رئيس الحكومة الأسبق والرئيس السابق لحزب العمل)، الذي أعلن (في إثر قمة كامب ديفيد في العام 2000) أنه "لا يوجد شريك فلسطيني للسلام". في العام 1992 لاحت، في الظاهر، فرصة لـ"معسكر السلام" تمثلت في شخص رابين الذي نجح في تحقيق فوز حاسم في الانتخابات، التي جرت في ذلك العام. لكن رابين لم يكن رجل يسار في أي سياق، لا في السياق الاقتصادي- الاجتماعي، ولا في السياق السياسي، على الرغم من اتفاق المبادئ الذي صنعه في أوسلو. كذلك هي الحال بالنسبة لإيهود باراك".

غير دقيقة

عن استطلاعات الرأي، قال:" من ناحية وقائعية لم تكن استطلاعات الرأي العام دقيقة في توقع نتائج التصويت داخل المجتمع العربي. ولأسباب عديدة لا يمكن الخوض فيها هنا، لا تشكل الاستطلاعات قاعدة بيانات للاستدلال على أنماط تصويت المجتمع العربي.

لعل الأمر الواضح شبه الأكيد هو أن نسبة التصويت من طرف أصحاب حق الاقتراع العرب ستشهد انخفاضًا مقارنة بما كانت عليه في الانتخابات السابقة عام 2015.

وهذا التوقع مستند إلى عدة عوامل أهمها: انفراط عقد القائمة المشتركة التي بالرغم من تجربتها القصيرة والمتواضعة تسببت بقدر من الزخم الداعم للعمل السياسي العربي يبدو أنه تلاشى جراء انقسامها، وهذا إلى جانب تعاظم قوة الحركة الداعية إلى مقاطعة الانتخابات والتي تقوم رسالتها على قاعدة أنه لا فائدة ترجى للمجتمع العربي من وجود الأعضاء العرب في الكنيست، وهذه رسالة تعتمد على ما بات الكنيست الإسرائيلي يتسم به من سياسة عنصرية إقصائية، ومن انسداد للأفق حتى فيما يتعلق بتحصيل الحقوق المدنية فما بالك بالقومية".

عزوف عن التصويت

تطرّق الى الانتخابات القادمة قائلا:" اعتقد ان هذه الانتخابات راكمت أسبابًا لعزوف الناس عن التصويت أكثر من أي انتخابات سابقة. لقد ذكرت أعلاه تعاظم قوة حركة المقاطعة على خلفية آخر المستجدات المرتبطة بسياسة إسرائيل حيال القضية الفلسطينية والمواطنين الفلسطينيين في الداخل، وما آلت إليه القائمة المشتركة من حال يضعف ثقة الناس بالعمل البرلماني والسياسي. وهذا كله يُضاف إلى حالة لامبالاة متأصلة إزاء الانتخابات لدى نسبة لا بأس بها من أصحاب حق الاقتراع العرب ترافق كل انتخابات وتعبّر عن حالة يأس من احتمال وجود أي أفق لتجاوز ظلم إسرائيل وسياستها الآثمة، وهي حالة تقترب من حافة اليأس لرؤية حال الفلسطينيين خصوصًا وحال الدول والشعوب العربية عمومًا.ولا بّد من أن نضيف إلى ما ذُكر عامل آخر هو ضعف العمل المجتمعي من طرف الأحزاب كافة لمواجهة الآفات الاجتماعية التي تنهش مجتمعنا، وهو ضعف ناجم من بين أسباب أخرى عن تحوّل هذه الأحزاب إلى أحزاب انتخابات فقط بما يحيل إلى كونها تحوّلت إلى "مشروع سلطة" وليست حاملة لهم وطنيّ سياسيّ- اجتماعيّ. يتعيّن عليّ هنا أن أنوّه بأن هذه الأحزاب قد تكون تتطرق في برامجها إلى هذه المسألة، ويجب التنويه على وجه الخصوص بأن تحالف الموحدة – التجمّع أعطى برنامجه الشعار الوجيه "نحو مجتمع آمن وقادر". هذا جيّد. يبقى أن تُترجم هذا البرامج ميدانيًا، ما من شأنه أن يعيد الثقة بين الأحزاب والمواطن الفرد، بينها وبين المجتمع ككل".

تغيير يطول نتنياهو


وأسهب عن امكانيّة إسقاط اليمين:" مع أنه من طبيعة أي انتخابات أن تبعث بعض الأمل في احتمال التغيير، فإنه في حال حدوث تغيير كهذا قد يطول بنيامين نتنياهو الخاضع للتحقيق في ملفات فساد، لا حُكم اليمين. وما تزال أغلب استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي تدلّ على أن كتلة أحزاب اليمين متفوقّة على كتلة أحزاب الوسط، ناهيك عن أن هذا الوسط لا يمتّ بأي صلة إلى ما يُفترض أن يناقض اليمين في شتى طروحاته. وفي هذا الشأن، بالوسع الموافقة على ما كتبه حتى بعض المحللين الإسرائيليين وفحواه أن ما يجري في نظام إسرائيل السياسي قبيل الانتخابات يمكن وصفه فقط كما يلي: لا وجود لليسار، ولا حتى نصف يسار، هناك فقط يمين، بأشكال متعددة. وعلى الرغم من ذلك يتحدثون عن "استقطاب" في إسرائيل، وعن أنها قريبة في أي لحظة من نشوب حرب أهلية، ومن الصعب التفكير بشيء أسخف من ذلك.اسمح لي هنا توضيح ما يلي: تتبنى أوساط كثيرة حتى بين مجتمعنا فكرة تقول إن سبب رسوخ السياسة العامة، التي تنتهجها إسرائيل حيال قضية فلسطين، يعود بالأساس إلى هيمنة اليمين على المؤسّسة السياسيّة".

هيمنة ليست عابرة

ويرى شلحت :" وفي هذا السياق يُشار إلى كونها هيمنة ليست عابرة، فضلًا عن أنها تمتد على أغلبية سنوات قيام إسرائيل، وبدأت عام 1977 مع صعود حزب الليكود إلى سدّة الحكم. كما أنه داخل تلك الفكرة العامة يمكن العثور على تفاصيل خاصة مهمّة، منها أن هذه الهيمنة استحالت في الوقت الراهن إلى نفوذ ما نطلق عليه توصيف اليمين الإسرائيلي الجديد، والذي يدمج بين تصورات قومية مقطوعة عن مقاربات ذات طابع ليبرالي رفع رايتها اليمين التقليدي، وبالأساس فيما يخص الشأن المدني، وبين توجهات دينية ترى في الدين جزءًا لا يتجزأ من منظومة فكره. وقد أمسى واضحًا أكثر فأكثر أن هذا اليمين الجديد يعمل على ضم الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وعلى الصعيد الداخليّ يكره دولة الرفاه وحركة الاحتجاج الاجتماعي التي قامت من أجل تحسينها قبل 7 أعوام، ويسعى لاستيراد الأفكار المحافظة الأميركية وتطبيقها. كما يعمل على تقويض إنجازات ليبرالية، في طليعتها إنجازات لها طابع دستوري وغيرها. وهو يبني نفسه ليس كبديل لـ"الوسط- اليسار" فحسب، بل أيضًا لليمين القديم، الذي رأى في المحكمة العليا مثلًا سلطة مرجعيّة يجب أخذ آرائها في الاعتبار وقد تنطوي هذه الفكرة على قدر ما من صحة التشخيص والاستحصال على حدّ سواء، لكن تقف بموازاتها فكرة أخرى لا تقل صحّة عنها، مؤداها أن المؤسسة السياسية الإسرائيلية لا تجد لنفسها فكاكًا من تلك الهيمنة اليمينيّة أيضًا من جرّاء تبدُّد البديل الجادّ، الذي يمكن أن يُحسب على يسار الخارطة الحزبية، وفقًا للمعايير الإسرائيلية، بالارتباط مع قضية فلسطين.

ولعلّ في الوقائع المُتراكمة من الأعوام الأخيرة، خلال ولايات حكومات نتنياهو المتعاقبة منذ عام 2009، ما يؤكد هذا التبدّد. غير أن نُذره بدأت تلوح في أواسط تسعينيات القرن العشرين الفائت، وبلغت نقطتين حاسمتين: الأولى، في قمة كامب ديفيد التي عقدت في الولايات المتحدة عام 2000، وكتب الكثير بشأنها. والثانية، في أجواء انتخابات الكنيست الـ16، التي جرت في كانون الثاني/ يناير 2003، بين حزب الليكود الذي خاض تلك الانتخابات وكان بزعامة أريئيل شارون (باعتباره ممثّل اليمين)، وحزب العمل الذي خاضها وكان بزعامة عمرام ميتسناع (باعتباره ممثّل "اليسار").

في تلك الانتخابات وعد شارون، الذي على ما يبدو فهم الوجهة التي تميل الأكثريّة نحوها، بالخروج من أراض فلسطينيّة محتلّة منذ 1967".


واختتم كلامه قائلا:" ودلّت استطلاعات الرأي العامّ، التي أجريتْ عشيّة تلك الانتخابات، على أنّ نسبة المؤيّدين لشارون- نحو 60 بالمئة- تؤمن في الوقت ذاته بأنّه سيخرج من تلك الأراضي ويفكّك مستوطنات. وبذا ذرّ شارون رمادًا يساريًّا في العيون، ودارت دعايته الانتخابيّة حول إنهاء الاحتلال (وإن لم يكن ذلك من خلال هذا التعبير تحديدًا) وإخلاء مستوطنات، بينما في برنامج ميتسناع انزاح جانبًا الخروجُ من الأراضي المحتلّة، في حين كفّ هو ذاته عن الحديث حول انسحاب فوريّ مكرّرًا أنّه ينبغي التفاوض. وبدا أنّ البرنامجين متماثلان، بل إنّ ميتسناع بدأ بالحديث عن إنشاء الجدار الفاصل.

وكما تشير تحليلات إسرائيلية حول تلك الفترة، عُدت إليها أخيرًا، أصبح ميتسناع رويدًا رويدًا غير مختلف كثيرًا عن شارون، وعلى وجه التحديد بالنسبة للموقف إزاء مستقبل الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة منذ 1967. وبلغة البعض، في اللحظة التي يكون فيها الخيار الماثل أمام المتردّدين أو ما يُعرف بالأصوات العائمة في تلك الانتخابات هو بين يمينٍ واضح ونهجٍ مماثل لكن مُتبَّل ببلاغة يساريّة جوفاء، فإنّ ذلك يسعف في إقناع هؤلاء بأنّ طريق اليمين هي الطريق الوحيدة عمليًّا. أمّا إذا كان الخيار محاربة الفلسطينيّين والسعي لطردهم أو حصارهم، ففي مقدور شارون أن يفعل ذلك أفضل بكثير".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]