نشهد في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ثابتاً في عدد الطلاب العرب في الجامعات، بلغت نسبته في السنوات السبع الأخيرة 80%. ورغم ذلك، فان حجم ووتيرة انخراط الاكاديميين العرب في الوظائف التي تتناسب مع الموضوعات التي درسوها-لا يتلاءمان مع نسبة الارتفاع المذكورة.
وقد أظهر بحث أجرته جمعية "كاف مشفيه" بالشراكة مع صندوق "ادموند ديروتشيلد"-أن 22% فقط من الاكاديميين العرب يعملون بوظيفة كاملة في مجال دراستهم، والنتيجة هي أن هنالك أعداداً متزايدة من الاكاديميين المعطلين عن العمل، ومن اولئك الذين يضطرون إلى العمل بأجر زهيد يقل عن كفاءاتهم. ولهذه الظاهرة ثمن اقتصادي واجتماعي باهظ، يقدر بأربعين مليار شيكل (11 مليار دولار) يفقدها الاقتصاد الاسرائيلي سنوياً.
وترتبط بهذه الظاهرة ثلاثة عوامل رئيسية، هي: الدولة، المشغلون، والمجتمع العربي نفسه. وواضح أن دور الدولة والمشغلين في هذا الوضع السيء غير مشكوك في وجوده، لكن دعونا نركز على دور العامل الثالث-ألا وهو المجتمع العربي: فقد اتضح من تجربتنا أن هنالك منظومة من العقبات والعوائق المتشابكة في طريق الاكاديميين العرب نحو الفوز بوظيفة ملائمة في أي من المرافق الاقتصادية.
1. العائق الثقافي
من خلال عملنا في "كاف مشفيه" لاحظنا وجود قاسم مشترك، لافت وهام، في أوساط موظفين وموظفات عرب كبار، ممن قطعوا شوطاً بعيداً، وصولاً إلى مناصب ادارية رفيعة-حيث أن معظمهم عايشوا من خلال سيرتهم الشخصية، وفي بداياتها عموماً-تجارب بالغة الأثر من جهة الانكشاف على المجتمع اليهودي في إسرائيل، مما أكسبهم قدرة على الاسترشاد وتلمس الطريق والتعرف على الثقافة الإسرائيلية، الأمر الذي منحهم أفضلية وتفوقاً بفضل كونهم ثنائيي الثقافة. أما الواقع الذي يعيشه معظم الشباب والشابات في المجتمع العربي فيتمثل بأحادية الثقافة وبالانكشاف الضئيل على الواقع والثقافة اليهودية-الإسرائيلية. وبالإضافة إلى ذلك، فان العرب لا يؤدون الخدمة العسكرية، التي تعتبر "فرن الصهر" الذي يجمع ويخلط عامة فئات المجتمع الإسرائيلي.
2. العائق الأسري
الأسرة العربية تشكل ما يشبه الحاضنة الحامية (من "حماية")، لكنها تكون في بعض الأحيان عاملاً مقيداً. وليس عجباً أن نرى العديد من الشبان والشابات العرب يختارون مسارات التربية والتعليم والطب، لكونها تتناسب مع الحاجة إلى الأمان والمكانة الوظيفية والاجتماعية. وهنالك في هذا السياق أيضاً فوارق جندرية: فالأسر العربية تشجع النساء على الدراسة الاكاديمية، لكنها في نفس الوقت تتوقع من المرأة أن تكون معيلاً ثانوياً لكي تتمكن من تكوين أسرة لاحقاً. لذا فإننا نلاحظ في السنوات الاخيرة تراجعاً في نسب وأعداد الطلاب العرب الجامعيين الذكور، بل وتراجعاً في تحصيلاتهم بامتحانات البجروت.
3. عائق الهوية
يولد الشبان والشابات العرب في إسرائيل في واقع متعدد الهويات: الهوية العربية، الفلسطينية، الإسرائيلية، والدينية والطائفية (مسلم-مسيحي-درزي-شركسي). هذا الخليط من الرسائل المتنافسة والمتناقضة تجعل من المتعذر بلورة هوية متماسكة، ويخلق عبئاً على الولاءات، يبعدهم ويفصلهم عن الهوية الإسرائيلية.
4. العائق النفسي
من خلال لقاءاتنا مع طلاب جامعيين عرب ومع متقدمين للوظائف-نرى في كثير من الحالات أشخاصاً اكفاء ومؤهلين لكن تنقصهم الثقة بالنفس، ويشعرون وكأنهم غير جديرين بالوظائف والمناصب الرئيسية في الشركات الرائدة. العوائق الموصوفة أعلاه (الثقافية والأسرية وعائق الهوية) تتذوت وتتجذر وتؤثر على الشبان، وتجعلهم يخشون من المخاطرة، ويخافون من الفشل، بل ويخافون من النجاح.
لكل ما تقدم ووصف أعلاه، توجد خلاصة واحدة ووحيدة: الأكاديميون العرب لا يندمجون في سوق العمل بوظائف ملائمة بالشكل الذي يليق بهم في مجتمع سليم (باستثناء مهن الطب، والاسناد الطبي).
البرنامج القائم (في التعليم المنهجي واللامنهجي) يعالج عوائق منفصلة وليس المجمل. هنالك حاجة وضرورة لبرامج تدخل حداثية وابداعية، تتجه نحو اختراق مجمل العوائق المذكورة أعلاه، والتي تتمحور حول تغيير واقع التوظيف والتشغيل، واستيفاء رأس المال البشري في المجتمع العربي.
مقال: داني غال (المدير العام لجمعية "كاف مشفيه") وسامي أسعد (نائب مدير عام في الجمعية) ومرام جبران (مديرة برامج في الجمعية)
[email protected]
أضف تعليق