بدأ عمال شركة ن.أ. للتصنيع المعدني (ن.أ. تعسيوت متيخت) في مستوطنة ميشور أدوميم اضرابا تحذيريا لثلاثة أيام، إثر تعنت المشغل أرييه ناحوم وتهربه أو رفضه الاستجابة لمطالب العمال القانونية.

هذا الاضراب التحذيري يشكل بداية قصة نضال ١٢عاملا، انضموا إلى نقابة معا معبرين عن ثقتهم بقدرتها وتفانيها في الكفاح النقابي. انتخب العمال لجنة من ثلاثة أشخاص. أحدهم أسامة أبو رازق.

يقود أبو رازق سيارته "كادي" من أريحا إلى مستوطنة ميشور أدوميم في الخان الأحمر بصحبة أربعة عمال آخرين كل يوم ليصل إلى مقر الشركة، لم يتوجه أبو رازق إلى عمله أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس (١٨-٢٠ كانون أول).

إعلان الاضراب جاء بعد أن فهم العمال والنقابة بأنه لم يحدث أي تقدم في المفاوضات بعد مرور عدة شهور على إعلان نزاع العمل وعقد جلستين بلا جدوى، اذ أن المشغل ناحوم يتقن فن المماطلة، بيد أن معا والعمال المنضمين إليها ماضون في الكفاح لتحسين شروط العمل.

لما قمت بالاتصال بصاحب الشركة، قال لي: "أنا لا أعرفك ولا أريد التحدث معك. ولا أريد أن اجيب على أسئلتك، أنا آسف" أجاب ناحوم بالعبرية، وأغلق سماعة الهاتف. كان منزعجا من الأسئلة حول مدى استعداده لخوض مفاوضات جدية مع معا لتوقيع اتفاق جماعي. هذا الأمر يعني، أنه سيضطر إلى تقديم تنازلات. والتنازلات تقلص أرباحه.

بدأ أبو رازق العمل في الحدادة والكهرباء وأعمال الصيانة واللحام بأنواعه منذ ٢٢ عاما في المستوطنة، منها سبع سنوات في شركة ن.أ. للتصنيع المعدني. اكتسب خبرته الواسعة من صاحب العمل السابق الذي عمل لديه مدة ١٦ عاما.

"كان يحبني لكنه لم يكن يدفع. علمني كل شيء حتى اللغة العبرية. عندما أنهيت عملي، حصلت على أتعابي، خمسة وستون ألف شاقل. لم تكن كاملة تماما، قال لي المحامي: اقبل بها، أنا لا أحب أن أغلق الأبواب خلفي. وقبلت بها، وبقينا أصدقاء. أحترمه ويحترمني."

أصبح أبو رازق منذ سبع سنوات في وضع مختلف. برغم مهاراته، بيد أنه يشعر أن جميع حقوقه منتهكة في شركة ن.أ. للتصنيع المعدني.

"أعمل كل شيء، أقوم ببناء المكاتب، أجهزها من الألف إلى الياء، من الأساس حتى المفتاح. اتعامل مع كهرباء الضغط العالي وكهرباء الثلاث فاز، أمد خطوط الكهرباء، أقوم بتصليح الأدوات والماكنات، أقوم بأعمال الصيانة، اركب المكيفات في منزل المشغل، أصلح سيارته، أعمل كل شيء. أستحق أكثر من راتب قيمته ٦٨٠٠ شاقل، يشمل كل الامتيازات، مرفق به قسيمة عمل "تلوش" مش مفهومه."
أضاف: "عندما أقرأ "التلوش" لا أفهم إذا كان راتبي حسب الساعة أو اليوم أو الشهر. هناك أرقام متناقضة في "التلوشات". كل "تلوش" يختلف عن الآخر. مع أي "تلوش" يجب أن أتعامل؟"

يعمل أبو رازق يوميا عشر ساعات إلا ١٥ دقيقة بالضبط. ويدفع زملاؤه خمسة عشر شاقل مساهمة منهم للمواصلات. "دفعت ٥٠٠٠ شاقل هذا الشهر لتصليح السيارة. من يدفع لي تعويضا. أتفاجأ كل شهر. أنه توجد خصومات جديدة. الوضع غير مرتب، بالمرة. "تلوشاته" غير قانونية."

أضاف أبو رازق: "أنا أعمل على مقص الصاج. وهناك خطر مؤكد. أصيب عمال آخرون في السابق. كل ما يفعله صاحب المصنع هو نقلهم بسيارة العمال إلى مستشفى أريحا. وانت تعلم ما هو مستشفى أريحا؟ في المستشفى يقولون لك عد إلى الشركة ليعالجوك. العلاج غير متوفر لدينا. صاحب العمل ناحوم لا يعنيه أمرنا، يهتم فقط بإخراج المصاب من مقر الشركة. لا يسأل عنه. فقط يضيف بعض "الشواقل" آخر الشهر إلى "تلوشه "المزيف. إنه يتعامل معنا كأدوات. لا قيمة لها."

عضو آخر مركزي في عملية تنظيم العمال هو محمد صالح ٤٣ عاما، يعيل عائلة أفرادها ثمانية، يعمل مدير عمل في الشركة منذ عام ١٩٩٦. ويقوم بتصنيع الحمايات و"الدربزينات" والأبواب والشبابيك وكل شيء يتعلق بالحديد ومعدن "النورستا". لديه نفس المطالب: الاجازات السنوية والمرضية، صندوق التوفير، يريد من المشغل أن يدفع الحد الأدنى لكل ساعة، ويحتج على عدم دفع أجرة ساعات العمل الإضافية، والخصومات غير المبررة، وعدم دفع المواصلات، وتزييف "التلوشات"، وحرمان العمال الجدد من أي "تلوشات".
يقول صالح: "أنفقت نصف عمري في الشركة، ٢٣ عاما، اريد أن أحصل على اتعابي عندما أترك العمل. لا اريد أن يتم ذلك عبر المحاكم."

مطالبه هي نفس مطالب غازي عسلي ٤٠ عاما الذي يعمل في الشركة منذ عشر سنوات وهو يعيل عائلة أفرادها خمسة. يقول أن المشغل لا يضيف امتيازات المواصلات والنقاهة والهدايا السنوية إلى راتبه، فيصبح أقل من الحد الأدنى، أي أقل من خمسة آلاف شاقل.

همزة الوصل بين العمال في هذا المصنع وبين نقابة معا التي لها مكتب بالقدس الشرقية، كان العامل في كراج تسرفاتي والذي يعمل في إطار النقابة منذ خمس سنوات. وقد كان انضمامه إلى النقابة هو السلاح الفعال الذي مكنه من قيادة عمال كراج تسارفاتي وإجبار إدارة الكراج على توقيع اتفاق جماعي في شباط ٢٠١٧، ضمن حقوق العمال الأساسية وكذلك التعويضات وديون الماضي، كاسرا حاجز الخوف من مواجهة المشغلين.

وقصة الميكانيكي أبو زيادة، الذي خاض مع معا مسيرة كفاح نقابي عبر مفاوضات وجلسات محاكم أعطت الأمل لكثير من عمال المستوطنات ومنهم عمال شركة ن.أ. للتصنيع المعدني بأن الانتصار في المواجهات النقابية يمكن أن يتحقق، إن بقي العمال موحدين ومؤمنين بنقابتهم.

أصبح واضحا لدى معا أن العمال الفلسطينيين يمتلكون القوة الكامنة لتحسين شروط العمل، عندما ينتظمون في عمل جماعي توجهه نقابة عمالية متفانية في عملها، هذه هي الرسالة التي بثها اديف، المدير العام لنقابة معا في عقول العمال الذين التقى بهم. رسالة أخرى ركز عليها بألا يخضع العمال لمحاولات المشغلين دق إسفين بينهم، بالوعود والاغراءات المالية.

في اللقاء التضامني الذي نظمته النقابة مع العمال أثناء الإضراب يوم الأربعاء ١٩| ١٢ قال مدير النقابة مخاطبا العمال في مقهى قرب مدخل مدينة أريحا: "قد يعرض المشغل على أحدكم مبلغ عشرة الاف شاقل، مقابل التوقيع على ورقة تنازل عن الحقوق. هنا، تتفسخ وحدتكم. ويحقق المشغل نصرا مؤكدا عليكم. ولا تحسنون من شروط عملكم أبدا".

لا يقبل أديف أن تدافع معا عن عمال منقسمين على أنفسهم. الهدف الواضح لديه ولدى جميع أفراد فريق معا هو تشكيل لجان عمالية داخل الشركات والمصانع وتوقيع اتفاقيات عمل جماعيه مع المشغلين.

يشير بعض العاملين في معا أن بعض المشغلين في ميشور أدوميم بدأوا بإصدار قسائم الأجر، والاستجابة لبعض مطالب العمال كإجراءات احترازية لمنع العمال من الانضمام إلى النقابة.

يقول اديف الرجل الأول في معا "ليس من السهل أن نتوجه إلى المصانع والشركات وندعو العمال إلى الانضمام إلى معا. لدى أصحاب العمل الحق في أن يمنعونا من الدخول ولكنهم لا يستطيعون منعنا إذا كان بيننا وبين العمال علاقة مباشرة أو عبر الفيسبوك. ليس من السهل اقناع العمال بالانضمام إلينا. عندما يتفاقم الاستغلال داخل مصنع أو شركة، يلجأ بعض العمال إلينا، وينضمون إلى معا ويحاولون اقناع زملائهم. وعندما ينضم أكثر من ثلث أعداد العمال في شركة أو مصنع للنقابة، نصبح وفق القانون قادرين على تمثيلهم."

تساعد معا العمال على تقديم الاثباتات والوثائق، واستخدامها في المفاوضات أو في المحاكم إن لزم الأمر. اللجوء إلى المحاكم، هي آخر وسيلة تلجأ إليها النقابة، لأن العامل يخسر عمله ولا يحصل إلا على تعويض جزئي، وأفضل شيء هو اقناع المشغلين بتوقيع اتفاقيات جماعية.

يعمل في مستوطنات الضفة الغربية نحو ثلاثون ألف عامل فلسطيني، لم تكن الخدمات النقابية تشملهم منذ عام ١٩٦٧، ولم تكن هناك رقابة رسمية على المشغلين.

كان العمال يعملون بلا حقوق ويطردون بلا اتعاب، وشكل الخوف من فقدان الوظيفة في ظل بطالة متفشية وأجور متدنية في الضفة العربية سيفا مسلطا على رؤوسهم، الامر الذي جعلهم يتجرعون مرارة الاستغلال بصمت.
يبدو من الحديث مع محمد واسامة وغازي وحاتم أن بعض العمال في هذه اللحظة قد قرروا أن يزيلوا الخوف ويتغلبوا عليه، واضح أيضا أن نقابة معا تلعب دورا هاما في حمايتهم وتشجيعهم على المطالبة بحقوقهم والتمسك بكرامتهم.

سعيد الغزالي – القدس.


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]