قضية قتل النساء العربيات الجزئية الأكبر من مواقع التواصل الاجتماعي في اعقاب الجريمة النكراء التي حصلت مؤخرا في بلدة الجش وراح ضحيتها الشابة ابنة ال16 عاما يارا أيوب، وعلى الرغم من ان الغموض يكتنف القضية ويعتبر سيد الموقف حاليا، الا ان هذه الحادثة اعادت ظاهرة قتل النساء الى الواجهة خصوصا بعد قتل امرأتين مؤخرا لتطرح تساؤلات جديدة عن السبب في استفحال الظاهرة ببشاعتها الخالية وانعدام الأمان للنساء في المجتمع العربي على الرغم من تقدمه وتطوره في مجالات مختلفة.
عربية منصور ناشطة نسائية قالت لـ "بكرا": الجريمة في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل ليست محتكرة على النساء فقط مشادة كلامية في الشارع من شأنها ان تعرض المشارك فيها للقتل، نثور ونتظاهر ضد قتل اخواتنا او بناتنا في حين تشهد السنوات الأخيرة عدد كبير من ضحايا الاجرام، هكذا اصبحت اخبار القتل ثورة حتى الجنازة والدفن وحتى نلتقي مع الجريمة الاخرى نجتر اخر اخبار الجريمة كاحاديث الصالونات المقهورة والمنغصة ونختتمها ب " لا حول ولا قوة الا بالله " لا أكثر. ومع ذلك لا بد من ان تستوقفنا جرائم قتل النساء ولا ارى لماذا تدوي الان الصرخات العالية وفقط قبل ايام عدة قتلت امرأة في النقب وقتلت طفله عمرها اربعة عشر سنه في صور باهر. الجريمة هي جريمة سواء كانت بحق امرأة أو فتاه او طفلة ً او شاب هي ذات الجريمة والاستحقاق المطلوب منا هو اعادة النظر بنهج تربيتنا وقدرتنا على تهجين مشاعر الغضب وتحويلها الى لغة انسانية متحدثة عوضا عن السلوك الهمجي الغاضب، والسؤال المركزي: هل بيوتنا تعمل على تشجيع الابناء والبنات على التعبير الذاتي اللغوي في لحظات الغضب بدل التعبير السلوكي عنه ! هل مدارسنا مهيأه لنهج مماثل!
وقالت منصور ل "بكرا": حين نحاول ان نفهم من اين كل هذا العنف نجد ان اساليب التربية لدينا اليوم لا تتلاءم ولا تتناسب مع التطورات الحاصلة على الاسرة، بنيتها، مواردها الاقتصادية والبشرية والمواد المادية العصرية المتطورة التي نستهلكها. نحن بحاجة لوقفة تأمل واسعة وشامله لكل المتغيرات التي حصلت على واقع حياتنا اليومي، بحاجة لمواكبة المتغيرات بنهج تربوي متلائم ومنسجم هذا هو امر الساعة.
وتابعت: بالنسبة لقتل الفتيات او النساء فعلى الرغم من التطور الحاصل على واقع النساء من تعليم وتقدم في مجالات عدة بما فيها الاستقلال الاقتصادي لا زلنا مجتمع متأرجح بين السلطوية وبين الفوضوية وفي كلا الحالتين لا يمكن الا ان تكون النساء ضحية في كلا النهجين اولا لان المنظومة مرتبطة بكبرياء الاسرة وكرامتها المستمدة من كرامة الانثى حيث ان قدس اقداس الاسرة يكون مرهونا بجسدها لذلك يربيها هذا النظام على ان تكون الضعيفة المحتاجة لمن يحميها ومن ناحية اخرى يرى هذا النظام بالذكر حامي الاسرة وعرضها المجند لحماية هذه المنظومة . بكلا الحالتين الانثى والذكر في هذا النظام هما رهينة لاستحقاقات تترجم بوجود ضحية ومجرم. قضايا القتل في النقب واللد والرملة وقرى القدس هي نموذج لذلك اما النظام الفوضوي فهو نهج فيه تفكك اسري لا يحتكم لا لحدود ولا لأخلاق او لأعراف متعارف عليها؛ كل شيء مباح: غضب من فلان واحس بالإهانة الليلة ستحرق سيارته، تشاجرت مع فلان على موقف سيارة؛ الليلة سيتأدب ويحرق بيته بإلقاء قنبلة على بيته، المربية الفلانية اعطت علامة لا تعجب الطالب في الامتحان ستكون هديتها قنبلة ترعبها وترعب اطفالها، وهكذا حتى تصل الامور للقتل، ولهذا الامر هناك عصابات مختصة مقابل ثمن مأجورة للقتل.
نحتاج لخلق مناهج سلوكية مستمدة من قيم الاحترام المتبادل قيم تركز على مفهوم حقي وحق الاخر
وأضافت: ولا من رادع لا قانون ولا شرطة. في هذه الحالة تختلط الامور ببعضها في التباس بين الاحساس بالمساس بالكبرياء وبين المساس بالكرامة وشتان ما بين كبرياء الذكورة المفتقدة وبين مفهوم المساس بالكرامة وهذا يعيدنا لجذور السلطة الذكورية التي تغذي النظامين السلطوي والفوضوي على حد سواء.
ونوهت قائلة: قتل الشباب وقتل النساء هو ذات الجريمة. حتى وان اعلن يوم عالمي لمناهضة قتل النساء يجب علينا نحن العرب تنظيم يوم عربي ضد الجريمة في مجتمعنا وليكن هذا اليوم وبعيدا عن الشعارات بدءا للعمل على تغيير منظومة التربية في البيت والمدرسة والشارع بشكل يتلاءم مع تحديات الثقافة الاستهلاكية في ربوعنا. نحتاج لخلق مناهج سلوكية مستمدة من قيم الاحترام المتبادل قيم تركز على مفهوم حقي وحق الاخر. قيم تشجع التعبير والابداع، قيم تحتوي جميع القدرات على انها قدرات متساوية قيم تدعم تأكيد الذات والثقة بالنفس كمصدر للكرامة وبديلا عن الكبرياء المتخيل بالذكورة وقوة الكف او القدرة على احتلال جسد المرأة او اختزال حياة شاب.
وأشارت في حديثها: لا امل في سياسات حكومات صهيونية جل عملها كيف تحصرنا في كانتونات معتمدة سياسات ليبرالية (غير متدخلة) بكل ما يخص القضايا الاجتماعية الداخلية للمجتمع الفلسطيني بحجة كوننا مجتمع تقليدي ابوي متخلف. بالنسبة لي اليوم الجريمة هي واحدة سواء كان ضحيتها شاب ام فتاة، والصرخات المتتالية من امام مكتب رئيس الكيان او على المفارق او في المدن المركزية يجب ان تكون ضد كل الجرائم لا تخرج علينا بالمواسم وايام الشدائد لتعود وتهدأ حتى الجريمة القادمة.
كما تساءلت عن دور الإعلامي في محاربة الظاهرة وقالت: لماذا لا يأخذ الاعلام العربي مساحة لندوات معمقه لتحليل اجتماعي حول ما آلت اليه اوضاعنا للسلب والايجاب على حد سواء! لماذا لا يأخذ ريادة على فتح حوارات من شأنها ان تبني بدائل بدل التنافس على كل كلمه وسطر يكتب حول جريمة معينة. الجش ونحف وكفرمندا وطمرا وام الفحم والطيرة والطيبة وجلجولية وكفر قاسم ورهط واللقية واللد والرملة ويافا وغيرها من البلدات العربية جميعها تكتوي بنار الجريمة.
نقتلهن ندفنهن وننسى قصتهن الى اجل غير مسمى!
الناشطة النسائية ومديرة جمعية "نعم" سماح سلايمة قالت بدورها: اعلم ان كل المجتمع العربي في قلبه غصة بأعقاب جريمة قتل يارا أيوب. في هذه الجريمة النكراء كل مركبات المأساة فهناك في قرية جليلية وديعة عاشت فتاة يافعة جميلة ولطيفة واسمها يارا، تحب يارا عمل الخير والتواصل مع الناس وذهبت لتحتفل بميلاد صديقتها. نالت منها يد غدر وعنف، وانتهت حياتها بطريقة وحشية جدا، في بلدتها، مقطعة في حاوية الزبالة. فكيف لا نتحرك، كيف لا نضرب ونتظاهر، كيف لا نتفض على منصات التواصل يارا هي يارتنا كلنا... ابنتنا كلنا ومقتلها يفجعنا كلنا.
وأشارت: بالمقابل، هناك في قرية بعيدة في صحراء النقب قتلت قبل اسبوع امراه اخرى لم نسمع عنها الكثير ولَم نشارك قصتها وصورها وأطفالها وتفاصيل حياتها.. هي منال فريزات. ام لتسعة اطفال من عشيرة ابو رقيق.. قد تكون قتلت بعد احتفالها بميلاد ابنتها الصغيرة او بعد يوم طويل من السعي وراء لقمة عيش مريرة وقتلت قبلهما نورة ابو صلب من قرية خشم زنه غير المعترف بها وعفاف الجرجاوي من شقيب السلام، هل أعلنا الحداد؟ هل شددنا الرحال نحو الصحراء؟ هل زرنا خيمة العزاء؟
وتابعت: انا اعلم ان البعض لن يحب ما احاول ان أرمي اليه، والبعض لا يرغب بخوض نقاش مؤلم يعري قسما اخر من جسد المجتمع العربي المعطوب. هو جانب الشمال والجنوب، الجليل والنقب، الفتاة اليافعة الرائعة امام الأم البدوية الأربعينية مع قريتها النائية التي لم يسمع عنها احد.
وأضافت ل "بكرا": ولكني سأجازف، فاليوم وبعد جريمة مقتل يارا الطفلة البريئة وما فعلته هذه المذبحة في مجتمعنا، الان وما زال جرحنا ينزف وعيننا تدمع، هي الفرصة لنتحدث عن كل النساء وكل الضحايا وكل القصص التي قطعت فجأة برصاصة قاتل وسكين رجل جزار. وان نتذكر اثنتي عشر امراه قتلناها نحن ونسيناها نحن ودفنا قصتها نحن الى اجل غير مسمى.
واختتمت سلايمة قائلة: لنحاسب أنفسنا وردود افعالنا نظراتنا وكلماتنا. آن الأوان ان نر في كل ضحية أياً كانت وفِي اي مكان اختنا وابنتنا وأمنا وصديقتنا القريبة التي دفعت ثمناً غاليا من اجل نضالنا العنيد نحو الحرية.
يارا قتلت لانها ضلعا قاصرا
الناشطة النسوية كفاح دسوقي من الفريديس عقبت قائلة: قتل الصبية يارا، وتضعضع مستوى الجرائم بسبب الجندر اخذ بنا الى نقطة خطيرة جدا، لا بد لنا أن ننتفض كمجتمع كي نحاول ان نشفي أنفسنا من هذه الظاهرة المقيتة. بودي أولا ان اشرح سبب انتقائي لمصطلح القتل بسبب الجندر وهي نقطة مهمة جدا، لأنه بنظري معرفة سبب القتل يسّهل علينا عملية محاربته. ففي حالة قتل نساء المجتمع تحت مصطلح "شرف العائلة" او لأسباب أخرى مجهولة ولكنها تتعلق بطريقة غير مباشرة بالجندر والتفرقة الجندرية، نحن نقوم بترقيع السبب الرئيسي واجباره ارتداء هذه الحلة البشعة (أي شرف بالقتل؟)، لكي ننسى او نتناسى أن سبب القتل هو جندر المقتولة، فلو انها خلقت رجل لما قتلت. لو أن يارا كانت شابا لما قتلت بهذه الطريقة، هي قتلت لان ذكورية مجتمعنا تغلغل برؤوسنا فكرة ان الرجل هو المسؤول المباشر على المرأة ان كانت اخته او زوجته. هو المسؤول عن شرف بلده وبنات بلده وهو المسؤول عن تصرفاتها وحياتها، وبالتالي ان خرجت عن نطاق قوانينه فيحق له معاقبتها. علينا ان نسمي الأمور كما هي وان ننظر للواقع كما هو، يارا قتلت لأنها خلقت للجندر المستضعف، الأدنى حسب التسلسل الهرمي المجتمعي، هي الضلع القاصر، هي أداة وجسد، صلبوها على صليب العهر قبل ان يجدوا جثتها أساسا، ادعوا ساخرين بأنها ستعود بعد قليل وأن لا حاجة لنا بالدراما النسوية.
وتابعت: يأتي فلان ليسأل، وهل قتل الشباب اقل أهمية؟ وما أهمية السبب؟ القتل بجميع اصعدته ممنوع ومرفوض، فأجاوب انا للمرة الالف: صحيح، العنف والقتل مرفوضين، ولكن حق القتيلة علينا ان نعطيها صوتها الذي انسلب، وحق جميع النساء التي قتلت ان نعطيهن صوتهن الذي سلب. ان نصرخ صرخاتهن في اخر لحظات حياتهن وأن نقول لقد قتلت لإنها امرأة، وفي هذه الظروف والحيثيات لو انها ذكرا لما قتلت! هل سمعت عن رجل تطلق وينوي الزواج مجددا فيُقتل؟ هل سمعت عن رجل أحب وكان على علاقة حب فقتل؟
ونوهت ل "بكرا": القاسم المشترك الوحيد الذي أوافق عليه بجميع هذه الجرائم هو ذكورية المجتمع والتسلسل الهرمي الجندري المستشري بمجتمعاتنا. فهو الذي يلقم الولد منذ صغره ان لا يبكي مثل النساء، وان يضرب ابن صفه الذي اخذ لعبته، وان يتأمر متأففا على اخته بان تحضر لها العشاء، هو الذي ينعت الرجل العنيف بالقبضاي والرجل اللعوب بزير النساء، فيكبر ويترعرع ببيئة تعطيه الأحقية بحمل السلاح وقتل من تجرأ على سرقة موقف سيارته، وعلى طعن اخته وقتلها لإنها تجرأت على الزواج بعد طلاقها. قاسم الذكورية مشترك بهذه الحالة لكنه ليس كافي لجمع هذه الجرائم تحت سقف واحد.
واختتمت قائلة: في اللحظة التي بها نستوعب بأن قتل النساء والشابات والقاصرات قد تم لأنهن اناث، سوف نتقدم نحول الحل خطوة. أوليس الأجدر بنا جميعا ان نضع الايجو المعترض لهذه النظرية جانبا وان نتكاتف يدا بيد لإنهائها قبل وقع المزيد من الضحايا في شباكها للأبد؟ لروحك السلام يا يارا، سامحيني لأنني لا املك سوى الكلمات.
يارا أيوب ليست الضحية الأولى وربما ليست الأخيرة، فمن يدري؟!
هيثم طاطور عضو مجلس محلي الرينة قال ل "بكرا": مؤسف حقًا حال مجتمعنا الذي بات يعيش وضعًا أشبه بحرب أهلية منظمة، فتاة بعمر الزهور تفقد حياتها بسبب ظاهرة العنف، وثقافة القتل المترسّخة في مفاصل عديدة داخل المجتمع العربي. يارا أيوب هي الضحية رقم 22 لهذا العام ولست أدري هل ستكون الضحية الأخيرة..
وتابع: تقع مسؤولية تفشي ظاهرة العنف على عاتق الجميع، بدءًا بأنفسنا وبدورنا في بث قيم التعايش والتسامح وحق الآخر في الحياة، مرورًا بالمؤسسة الإسرائيلية وبجهاز الشرطة المتقاعس في التعامل مع كثير من حالات القتل في الماضي وخصوصًا ضد النساء، وانتهاءً بدور الإعلام والإعلام الموجّه ومواقع التواصل الاجتماعي التي تتناول القتل بشكل يومي وتحرّض وتبثّ ثقافة الدم وإلغاء الآخر وكأن القتل ممارسة عادية لفعلٍ عادي دون حسيب أو رقيب.
ونوه قائلا: على القيادات العربية ومؤسسات المجتمع العربي أن تقرع نواقيس الخطر، وأن تأخذ هذه الظاهرة على محمل أكبر من الجدية، وأن تدفع باتجاه بلورة استراتيجية موحّدة تحارب هذه الآفة ويتبناها الجميع. المجتمع العربي في الداخل بحاجة إلى إعادة تأهيل، وإلى ترميم ما أفسدته مستجدات العصر، من تكنولوجيا هدّامة، ومن الربيع العربي الذي جعل مشاهد الدم حاضرةً في كل ركن وزاوية وخصوصًا في أذهان الأطفال، ومن تفوّق العقلية الذكورية على حساب كيان المرأة مع كل ما يحمله هذا الكيان من حق في الوجود وفي الحياة بمساواة تامة.
عمر بصول ناشط اجتماعي قال بدوره: ما يحدث في الوسط العربي مؤسف جدا، وما حدث في الجش امر صعب وفاجعة على الوسط العربي، المسؤولية تقع على عدة جهات منها الشرطة والمدارس ولكن الاساس هو البيت، علينا ان نربي ابناؤنا على المحبة والتسامح وحب الاخر. امس تواجدت في الجش في جنازة الضحية يارا ايوب، لا توجد كلمات توصف حجم المأساة، السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن لكل مسؤول ان ينظر في عين ام فقدت ابنتها بهذه الطريقة؟
[email protected]
أضف تعليق