وصفت صحيفة “غارديان” البريطانية التطورات الأخيرة في السعودية بأنها “إنقلاب بطيء لن يغير شيئاً” في مملكة الصحراء. وبدأ بسلسلة من التطورات غير المسبوقة التي شملت اعتقال مليارديرات ووزراء ووضعهم خلف قضبان ذهبية في مكان كان فندقاً واستقالة أعلنها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض إلى جانب الأزمة مع قَطر والتصعيد ضد إيران. ومن خلال التعجل في استقالة الحريري فتحت السعودية جبهة جديدة مع إيران في لبنان، فيما تم تصعيد جبهة أخرى من خلال صاروخ وصل إلى داخل السعودية. ولا يزال حاكم هذه المملكة القمعية هو الملك العجوز سلمان. وتنبع شرعيته من نسبه. فهو إبن مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود الذي تداول أبناؤه بعده السلطة بينهم بطريقة توافقية. وفي الملكية المطلقة فكلمة الملك هي نهائية ولكن أفعاله تنم عن سلطته. وبهذا المعنى هناك رجل واحد يدير المملكة العربية السعودية: ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي لو وصل للعرش فسيقوم في سن الـ 32 عاماً بتحطيم سلطة آل سعود الكبار على الدولة التي أقامها كبير العائلة.

وقالت إن الأمير ابن سلمان المعروف بـ “م ب س″: “شاب صغير تنقصه الخبرة ويتسم بالعدوانية. وفشلت سياسته الخارجية غير الحكيمة التي تركت عواقب وخيمة على اليمن وسوريا وقَطر. وهي دليل عن نزقه وتسرعه في صناعة القرار”. وأضافت أنه يسعى الآن لتخريب التوازن الحساس بين القوى اللبنانية. وأشارت إلى أن أعداء بن سلمان هم أنفسهم الذين يعاديهم ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد (م ب ز) – الإخوان المسلمين وإيران. أما أحسن أصدقائه على الساحة الدولية فهو على ما يبدو رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الذي كان لديه وقت في رحلته الآسيوية ليكتب تغريدة أثنى فيها على ما قام به الملك وابنه من إجراءات. واستغل الفرصة لكي يشجع السعودية على عرض أسهم شركة النفط الوطنية (أرامكو) التابعة لها في بورصة نيويورك.

داهية وشرس 

وترى الصحيفة أن الأمير محمد بن سلمان أثبت أنه C. وقام بإسكات كل من اختلف معه سواء في أوساط علماء الدين أو داخل الحيز الضيق المتاح للمجتمع المدني السعودي. وفي الوقت ذاته الذي يحرم فيه المواطنون من حقوقهم المدنية، قرر ابن سلمان رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات. وبذلك منح ولي العهد القليل وأخذ الكثير. وتعتقد الصحيفة أن الاعتقالات الأخيرة ومن دون شك ذات طابع سياسي. وجاءت بعد أن كلفه الملك بتولي هيئة لمكافحة الفساد لديها صلاحيات بالاعتقال ومصادرة الأموال. وشملت حملة الفساد التي شنت في نهاية الأسبوع ثلاثة من أغنى أغنياء البلد. وتقول إن المحاولة مجرد محاولة للتخفيف من السخط الشعبي بسبب استشراء الفساد بعد أعوام قليلة من حكم الملك سلمان شهد فيها السعوديون تقليصاً لما تمنحهم إياه الدولة من أعطيات. وبرغم تراجع الحكومة عن قرارها وأعادت البدلات والمكافآت هذا العام إلا أن الشعور بأن الرشوة انتشرت كالوباء وباتت تهدد البلاد بأسرها لم يتبدد إطلاقاً.

وتقول إن السعودية التي تعد أكبر منتجي النفط في العالم تأتي في آخر قائمة الدول من حيث شفافية الميزانية الحكومية. ولا أحد يعرف بالضبط كم من المال يصرف على الدولة. ولهذا قرر ابن سلمان ضرب الدائرة الداخلية في العائلة الملكية الحاكمة بذريعة اختلاس كميات هائلة من المال العام. في وقت تعيش فيه عائلته، آل سلمان حالة من الترف. وفي الوقت الذي صدرت فيه قرارات خفض الميزانية وتقليص النفقات بدد الملك مئة مليون دولار على رحلة استجمام قضاها في المغرب بينما اشترى نجله يختا بخمسمئة مليون دولار. وعليه تطرح أسئلة مشروعة حول قدرة من يداه ملطختان على تنظيف الفساد. وما يتجلى من سلوك ولي العهد يعبر عن رغبة في اللجوء إلى الأساليب الاستبدادية والتخلص من إشراك النخبة السعودية في عمليات صناعة القرار التوافقي كما كان معهودا من قبل. وتعتقد أنه من الأفضل تطبيق سياسة تتجاوب مع التطلعات الشعبية الكفيلة بأن تطور اقتصاداً حيوياً ومتحرراً من النفط. ولكن ولي العهد أبعد من أن يكون جدياً لتحقيق هذه الأمور. وهو منشغل بتكريس نفوذه وشق طريقه من دون أن ينازعه أحد على العرش.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]