نشرت صباح اليوم الاحد صحيفة نيويورك تايمز مقالًا حادًا للنائب أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة هاجم فيه سياسة رئيس الحكومة وكذلك المعارضة خاصة حزب العمل.
في مقاله، يقارن عودة بين نتنياهو وترامب واستخدامهما التحريض كجزء من حملتهما الانتخابية.
يطرح عودة في مقاله قضية التمييز البنيوي ضد الجماهير العربية خصوصًا في قضايا الأرض والمسكن. ويؤكد عودة في النيويورك تايمز أن سياسة التمييز هي نهج حكومات إسرائيل منذ سنوات ولكنها اليوم تحولت الى سلاح سياسي يستعمله نتنياهو.
وجاء في مقال النائب عودة في صحيفة نيويورك تايمز:"سيصل رئيس حكومة اسرائيل، بنيامين نتنياهو، الاسبوع الجاري إلى واشنطن في زيارته الأولى بعد انتخاب الرئيس الأمريكي ترامب، حيث سيتناول في نقاشهِ معهُ الفلسفةَ السياسية التي يشتركان بها: حَصدُ القوة بزرع الكراهية والخوف. تتشارك الحكومتان في الكثير، فالأخيرةُ تمنع دخول اللاجئين والمسلمين الى الولايات المتحدة، والأولى تسمح للمستوطنين الاسرائيليين سرقة الارض من الفلسطينيين، مع تمرير ائتلاف نتنياهو الحكومي قانونا جديدا في البرلمان في الاسبوع السابق.
ومثل ترامب، فإن نتنياهو سبق واعتمد تكتيكًا أصاب بدائه الآخرين ليفوز في الانتخابات الاخيرة عام 2015. ومنذها جعل التمييز ضد الفلسطينيّين المواطنين في اسرائيل ركنا مركزيا في اجندته. وهو ما يأخذ عدة أشكال، أقساها واشدُّها هو اعتماد سياسات عنصرية في قضايا الأرض والمسكن.
يشكل العرب ما يضاهي خُمسَ سكان اسرائيل، الا أننا نعيش على 2.5% من الأراضي. ومنذ قيام الدولة، تمت اقامة ما يفوق عن 700 بلدة جديدة لليهود، في حين لم تُقَم اي بلدة للعرب!
فالحكومة جعلت الحصول على رخص البناء في البلدات العربية امرًا شائكًا جدًا. وتوفّرها أمر نادر ما أدى الى لجوء العديد من السكان لبناء وحدات سكنيّة جديدة على أراض يملكونها دون الحصول على رخصة بناء، فقط لاستيعاب العائلات الناشئة والتي لا تجد لها مكانا. اما النتيجة فقد أصبحت البلدات العربية اكثر كثافة سكانية، لتتحول القرى الريفية لغابات من الاسمنت.
في جنوب اسرائيل، يواجه ما يزيد عن 100000 مواطن عربي أزمة خاصة. ففي صحراء النقب، هناك 35 قرية "غير معترف بها" من قبل الدولة. وسكان هذه القرى غير المعترف بها يحملون المواطنة الاسرائيلية، الا أن الدولة رفضت حتى توفير الخدمات الاساسية. فلدى البلدات في النقب، لا تتوفر الماء او الكهرباء، لا تتوفر منشآت عامة، طرق معبدة ولا حتى نظام مدرسيّ.
والأسوأ، هو أنّه وبسبب رفض الحكومة الاسرائيلية الاعتراف بوجود هذه القرى، فان جميع السكان يعيشون في ظلّ أوامر الهدم من قبل الدولة. وهم لا يعلمون متى ستأتي الشرطة لاخلائهم ولتجريف بيوتهم؟!
إن هذه السياسات كانت موجودة منذ عقود، الا أن نتنياهو قام بتحويلها إلى عصا سياسية. فعلى سبيل المثال، وقبل بعض الاسابيع، وعندما بات واضحا أن الحكومة ستجبر على تطبيق قرارات المحكمة الاسرائيلية العليا التي اقرت إخلاء عمونا، وهي مستوطنة غير قانونية في الضفة الغربية المحتلة بنيت على ارض مسروقة من فلسطينيين، تعهد نتنياهو أن يهدم بيوتا عربية في كل اسرائيل كمن يقتص عقابًا.
وسرعان ما سارع رئيس الحكومة لتطبيق تهديده. لذا وبعد عدة اسابيع، تجلى التهديد في قوة شرطة مسلّحة حضرت لتهدم القرية غير المعترف بها، أم الحيران.
كنت قد زرت أم الحيران للمرة الأولى قبل 10 اعوام، بعد قليل من انتخابي سكرتيرًا عاما للجبهة الديموقراطية. كما سكنت عدة أسابيع في النقب وكان لي نصيب في المشاركة في مظاهرات سلمية ضد هدم قرية اخرى، العراقيب. حيث تم الاعتداء عليّ بالضرب من قبل الشرطة وتم توقيفي. لاضطر ان اتصل بزوجتي نردين من السجن.
في ذلك الوقت، كانت الحكومة قد قررت هدم أم الحيران من أجل بناء بلدة يهودية متديّنة مكانها. بلدة جديدة ستمحو أي أثر لوجودٍ عربيّ، حتى باستبدال اسم البلدة الى لفظ لحنه اكثرُ عبريّةً وهو حيران.
وفي حين اقترح السكان تسوية، تقضي بخلق حي عربيّ في البلدة الجديدة من اجل الحفاظ على مجتمعهم. رفضت الدولة الاقتراح، فحيران ستكون فقط لليهود.
قبل عدة اسابيع، اضطررت ان اتصل بزوجتي من النقب مجددا. وهذه المرة كنت في طريقي الى المستشفى بسيارة الاسعاف. ففي ال-18 من كانون الثاني، وبينما وقفت مع سكان ام الحيران، قامت الشرطة الاسرائيلية التي حضرت لهدم القرية برشي بغاز مسيل للدموع، ثم اطلقت نحو راسي وظهري عيارات اسفنجية.
عياراتٌ طولها حوالي 8 سنتيمترات وقطرها 4 سنتيمترات، لها قاع بلاستيكي صلب ورأس اسفنجي شديد الكثافة. تعتبر غير قاتلة، رغم انها أدت الى العديد من الاصابات الجدية، منها كسورٌ في الجمجمة وفقدانٌ للعيون، كما سبق أن تمّ ربطها بحالةِ وفاة واحدة على الأقل. وفي حالتي، اخطأ العيارُ عيني وفقط ضرب جمجمتي.
إلا أن الاكثر خطورة، هو أن أفعال الشرطة في ذلك اليوم تسببت في حالتيْ وفاة: يعقوب ابو القيعان، معلم رياضيات من أم الحيران، تم اطلاق النار عليه وقتله خلال قيادته لسيارته، وايريز ليفي، رجل شرطة، صُدِمَ من قبل سيارة ابو القيعان بعد ان تم اطلاق النار على الاخير. فقامت الشرطة بتعميم رواية كاذبة مفادها انها كانت عملية ارهابية. القائمة المشتركة، الكتلة التي اقودها في الكنيست، البرلمان الاسرائيلي، طالبت بالتحقيق في أحداث ذلك اليوم.
في النقب، تدعي الدولة وجود "مخالفات تخطيطية"، وتعتمد القلق من المتجاوزين والقلق على البيئة كتبرير لرفض الاعتراف بالقرى ومن أجل هدمها. هذه مهزلة قاتمة. فالواقع لدى المواطن العربي هو كفكائي: فالدولة ترفض خلق خطط هيكلية بلدية تستوعب احتياجات البلدات التي تنمو، وبدل ذلك تقوم بهدم البيوت التي تم بنائها دون الحصول على رخص، رخص بناء، هي الدولة التي تجعل من الحصول عليها مستحيلا.
هل هذه هي طريقة تعامل بها الدولة مواطنيها؟
على الحكومة أن تلبي احتياجات المسكن للبلدات العربية. سبق واقترحت وقف الهدم لسنتين لكل البيوت المبنية بشكل غير قانوني، بمزاوجة مع حملة جماهيرية من اجل تقليص البناء غير القانوني. وخلال هذا الفترة، تقوم الحكومة بتوفير خطط هيكلية بلدية لكل مدينة وبلدة عربية وتضمن توفير الوحدات السكنية الكافية للزيادة السكانية.
هذه الخطة تحظى بدعم من الوزارتين المرتبطتين بالشأن. الا ان السيد نتنياهو يرفض حتى ان يفكّر في الموضوع، مثلما يرفض اقتراحنا بالاعتراف بالقرى العربية في النقب.
إن معاملة الجماهير العربية كعدو من الداخل هي العنصرية ذاتها، إلا أنها ايضا مناورة سياسية. فالسيد نتنياهو يعلم أن خصومه في اليسار لن يستعيدوا قوتهم دون التعاون مع الاحزاب العربية. كما أن قائد حزب العمل المعارض يعلم ذلك ايضا. الا انه وبدل ان يأخذ موقفا مبدئيا، فقد حاول حزب العمل تبنّي استراتيجية السيد نتنياهو، بمعاملتنا ليس كحلفاء معتبرين، بل كمن لا يجوز التعامل معهم.
إن وجود قرى غير معترف بها، لعلّها اكثر مثال صارخ على تعنّت الحكومة أمام مواطنيها العرب. فهناك مكان لنا جميعا، في النقب وفي كل الدولة. لذا ففي هذه اللحظة، فواجبنا الاخلاقي أن نبني معارضة مبدئية قويّة بما فيه الكفاية لدحر سياسة الكراهية والخوف. سنواصل العمل من أجل مستقبل مشترك عادل وديموقراطي."
[email protected]
أضف تعليق