استمرارًا لسلسلة الندوات التي ينظمها مركز "إعلام" لمناقشة التقرير الاستراتيجي مع عددٍ متنوّع من شرائح المجتمع مما يتيح المجال للتعمق في مسالة التحديات التي يوجهها مجتمعنا وسبل الحل لها، نُظمت، الثلاثاء (31.1.17)، وبالتعاون مع معهد أميل توما- حيفا، ندوة تم من خلالها مناقشة التقرير الذي بدء العمل عليه قبل 5 سنوات من قبل مجموعة من الاكاديميين والقياديين الاجتماعيين والثقافيين في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.
وجاءت الندوة تحت عنوان " مكانة الجماهير العربية في إسرائيل –تقارير استراتيجية أم مواقف وأيديولوجيات بديلة؟" حيث شارك بها كل من؛ النائب عن القائمة المشتركة د. يوسف جبارين، بروفسور أمل جمّال – رئيس مركز إعلام، الصحافي والحقوقي سليم سلامة، شرف حسّان – عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي-عضو حلقة طلاب الدكتوراة بجانب المعهد، فيما ادارت الندوة الناشطة نسرين مرقس- مديرة مشاركة في قسم المجتمع المشترك في "سيكوي".
وبدأت الندوة بكلمة ترحيبية من الناشطة مرقس التي أوضحت أنّ هذه الندوة هي حلقة من عدة حلقات يتم من خلالها نقاش التقرير الاستراتيجي الذي قد نتفق أو نختلف معه، ولاحقًا عرفت الجمهور بالمشاركين في الندوة.
عن التقرير والمجموعة وأهدافها
وفي مداخلته رحب بروفسور أمل جمّال بالحضور مثنيًا على دور معهد إميل توما في استضافة هذه الندوة وقال موضحًا: بدأت مجموعة التفكير الاستراتيجي المكونة من عدد من المثقفين والاكادميين والفاعلين الاجتماعيين الفلسطينيين في الداخل بالعمل على استيضاح التحديات والاحتياجات الخاصة بالمجتمع الفلسطيني في الداخل محاولة تحليل الواقع على كل مركباته وذلك من اجل استشفاف واستشراف المستقبل. وعملت المجموعة على التواصل مع اقطاب مختلفة بالمجتمع من اجل التحقق من تحليلاتها حول الواقع، بما في ذلك العمل مع مجموعة التفكير الاستراتيجي الفاعلة في الاراضي المحتلة العام 1967. كما وعملت المجموعة على بناء سيناريوهات مستقبلية جائزة ممكن ان تتطور بناءً على الواقع والإرادات السياسية والإستراتيجية للقوى الفاعلة فيه.
وأضاف جمّال: انطلقت المجموعة من الفرضية بأن الفلسطينيين في الداخل هم الاجدر بتعريف مصالحهم مقابل المؤسسة السياسية الاسرائيلية وبالتماشي مع هويتهم الفلسطينية، خاصة تماهيهم مع احتياجات ومصالح الشعب الفلسطيني بأكمله. كما وانطلقت من الادعاء بأن المجتمع الفلسطيني في الداخل يُعتبر من منظور اسرائيلي جزءً من المشكلة ولكنه لم يكن جزءً من الحلول المطروحة على الساحة. تهميش المجتمع الفلسطيني في الداخل هو جزء من الاستراتيجية الاسرائيلية تفكيك الشعب الفلسطيني وطرح الحلول تتماشى مع المصالح الاسرائيلية.
وقال جمّال: من أهداف المجموعة العمل على بناء استراتيجية عمل، قادرة على تشخيص وضع ومكانة العرب، وبناء خطة عمل تحوّل المجتمع الفلسطيني في الـ 48 إلى فاعلٍ على مستوى الصراع ومستوى تحصيل الحقوق والتأثير ليس على واقع الفلسطينيين في الداخل فقط وانما تقديم يد العون للمجتمع الفلسطيني في الاراضي المحتلة وفي الشتات كجزء لا يتجزء من نفس الشعب.
ونوه جمّال قائلا: هنالك فرق بين منطلقات التقرير الاستراتيجي وفرضيات التصورات المستقبلية حيث أنّ الأول جاء لتوصيف الواقع كما هو وتفكيكه الى اجزائه من اجل فهمه وفهم القوى الفاعلة فيه ومصالحها من اجل بناء خطة عمل تهدف الى طرح البدائل المتوفرة امام القيادات العربية والتنويه الى ابعاد كل امكانية وتحديد التداعيات الممكنة لكل من البدائل.
وتطرق بروفسور جمّال إلى التقرير قائلا: التقرير الاستراتيجي خلص إلى ان هنالك مستوايين اساسيين للتعامل مع الواقع الاسرائيلي- الفلسطيني القائم. المستوى الاول يتعلق بنوعية العلاقة بين الطرفين، تصالحية كانت او تصادمية. المستوى الثاني يتعلق بنوعيات الحلول المطروحة للصراع بين الطرفين والتي تتلخص بمشروع الدولتين من جهة ومشروع الدولة الواحدة من جهة اخرى.
وفسر بروفسور جمّال الى ان التقاطع بين هذين المستويين يطرح 4 امكانيات مختلفة: الامكانية الاولى هي التصالح للوصول الى حل الدولتين، الامكانية الثانية هي التصادم والانسحاب الاسرائيلي من الاراضي المحتلة 1967 وصولا الى دولتين، الامكانية الثالثة التصالح في اطار دولة واحدة، ووالامكانية الرابعة التصادم في اطار دولة واحدة يمكن تعريفها بدولة ابرتهايد.
واسهب جمّال: تم توصيف كل واحدة من هذه الامكانيات وتشعباتها في التقرير الاستراتيجي مبينين امكانيات حصول اي منها والتداعيات الناتجة عن ذلك، إلا أنه وحسب التطورات الحاصلة في الواقع الاسرائيلي والفلسطيني في السنوات الاخيرة فان الامكانية الاكثر ترجيحا للحصول في المستقبل القريب على الاقل هي استمرار التصادم القائم في اطار واقع دولة واحدة تتحكم فيها اسرائيل على المستوى الاستراتيجي والعسكري. خلص التقرير بأن هذه الامكانية لا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني، بما في ذلك المجتمع الفلسطيني في الـ 48 وهنالك حاجة لتطوير استراتيجيات مستقبلية للتعامل مع هذا الواقع للتغلب عليه وتغيره باتجاهات يريدها الشعب الفلسطيني ليس كمجموعات مختلفة وانما كشعب واحد له مصالح مشتركة.
ونوّه بروفيسور جمّال بان التقرير الاستراتيجي يتمحور في مكانتنا كأقلية داخل إسرائيل، مع التأكيد أن حل الدولتين ليس قيميّ، وبالرغم من ان هنالك ارادة سياسية الوصول إليه علينا الا نتجاهل أنه ومن بعد اتفاقيات أوسلو بدأ هذا الحل يفقد مضمونه، حيث أفرغته القيادة السياسيّة الإسرائيلية من أي مضمون، خاصةً بعد تعاظم قوة اليمين الفاشي في الحكم. وعلى القيادات الفلسيطينية الاعتراف بهذا الواقع وأخذ ملابساته بعين الاعتبار عند طرح الحلول امام الشعب الفلسطيني بأكمله، بما في ذلك الفلسطينيين في الـ 48 .
6 حزيران
بدوره أكد شرف حسان، طالب الدكتوراه ومدير مشروع في جمعية حقوق المواطن على أهمية التفكير الاستراتيجي، خاصة لأقلية مثل الأقلية الفلسطينية في الـ 48 وأضاف: عند الحديث عن التفكير الاستراتيجي أذكر أنها ليس بالأمر الجديد، ففي الـ 6 من حزيران عام 1980، بادر الحزب الشيوعي إلى أول عملية تفكير استراتيجي تتعلق بوضع الفلسطينيين في إسرائيل، وللأسف هذه المبادرة او الوثيقة لم تحظى بالاهتمام الإعلامي اللازم.
وأضاف حسان متطرقًا إلى 6 حزيران: لم تكن هذه الوثيقة التي تمت صياغتها تاريخيا على يد قيادة الحزب الشيوعي، مجرد تسجيل موقف للحزب الشيوعي، بل كانت قاعدة فكرية وموجها سياسيًا، وبرنامج عمل تنظيمي، لإطلاق عملية سياسية جبارة وغير مسبوقة، شكلت في حينه، ولا تزال الى يومنا هذا، قاعدة للارتقاء بالفكر والممارسة السياسية للجماهير العربية في اسرائيل.
وقال حسان عن الفرق بين الوثيقة 6 حزيران والتقرير الاستراتيجي: في هذه الوثيقة، طرح الحزب الشيوعي مفهومه الاستراتيجي لدور الجماهير العربية في إسرائيل في ظل موقعها وواقعها المتميز. وما يميزها عن وثيقة اليوم عدة محاور، بداية الوثيقة كتبت على يد قيادات لها مساهمتها الجماهيرية، مما أدى إلى تفاعل جماهيري غير مسبوق معها، فقد وقع على الوثيقة 5 الاف شخص، وثيقة 6 حزيران كانت تحمل خطاب سياسيّ واضح، التعامل مع اليهود كان على أساس طبقيّ له ابعاد سياسية وأخرى إجتماعيّة والتعامل مع الشرق الأوسط بمنطق الشعوب العربية وليس الإسلام السياسيّ.
مصطلحات خطيرة وتصنيف خطير للفلسطيني
الصحافي سليم سلامة وضح بداية حديثه عن تحفظه من التقرير مشيرًا إلى أنه يطرح مقولات سياسية جوهرية يجب قراءتها بتمعن، مؤكدًا أنه نقده من باب قراءة النصوص لا النوايا.
وشدد سلامة على أنه: قبل تقييم أي مشروع علينا أن نطرح سؤالين مهمين، الأول ما الحاجة لهذا المشروع ومن المستفيد منه، وهنا لا بد أن نطرح هذين التساؤلين على أمل أن نحصل على إجابة عليهما.
واستعرض سلامة عدد من الاقتباسات في النص التي تشير على حد تعبيره إلى وجود مغالطات يجب الوقوف عندها، وقال: التقرير يطرح الحاجة إلى مرجعية سياسية، وهنا يجب أن نطرح سؤال إضافي، ما تفعل الأحزاب ولجنة المتابعة اليس الحديث عن مرجعيات سياسيّة، وهل تم التنسيق معها. كما أنّ التقرير يتعامل مع المقاومة الفلسطينية والرد على الاحتلال كعنف، حيث يذكر التقرير أنّ المجموعة تُشّجع على الحوار كبديل للعنف، وكأن هنالك اتهام للفلسطيني بما آلت إليه الأوضاع.
وعدد سلامة عدة معلومات عن مجموعة أكسفورد وعن أهدافها في تشجيع الحوار "اللاعنفي" مضيفًا: هذا الخطاب من المجموعة دفع إلى تراجع خطير عن الوثائق والتصورات المستقبلية التي كتبت سابقًا، خاصة على مستوى استعمال المصطلحات والسياقات التاريخية الصحيحة، كما أنها أدت إلى توصيف للحروبات في البلاد العربية تضع الفلسطيني في النهاية في خانة دعم داعش أو إسرائيل.
مصادر التمويل والتسيق ما بين السياسي والأكاديمي
بدوره تطرق النائب عن القائمة المشتركة د. يوسف جبارين في مداخلته إلى التوتر ما بين الأكاديمي والسياسي وقال: لا شك أن طبيعة التصورات المستقبلية تخلق توتر بين الأكاديمي وبين السياسي، وقت مشاركتي في كتابة التصورات السابقة وحتى مع تعريفي كأكاديمي وسياسي لمست هذا التوتر في المجموعات.
وأوضح د. جبارين في هذا السياق قائلا: السياسي يهدف إلى دعم وكتابة وثائق تخدم طرح الحزب الذي يخدمه فيما يهدف الأكاديمي إلى قراءة الوضع بصورة فوق حزبية.
وقال د. جبارين: رغم هذا الاختلاف بالأهداف إلا أنّ هذا لا يعني عدم الاجتهاد والكتابة بصورة متعاونة لكن من المهم الأخذ بعين الاعتبار مصادر التمويل والأفضل أن تقوم مبادرات مماثلة على تمويل من داخل المجتمع.
وشدد د. جبارين على أنّ أي نقاش يتعلق بطبيعة وصورة الحل النهائي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار عدد من القضايا وقال معددًا: القضية الأولى هي تقسيم الـ 67، القضية الثانية هي حق العودة وعودة اللاجئين، والقضية الثالثة فكرة يهودية الدولة.
وأوضح د. جبارين أنّ صورة الحل النهائي يجب أن تعتمد على مقومات أساسية وهي مبدأ حل الدولتين ودفع إسرائيل لتتحمل حق تقرير المصير على الأقلية الفلسطينية في الـ 48.
وأختتم د. جبارين: إلى ذك من المهم ايضًا الحديث عن نضال شعبنا والذي يجب أن يرتكز على ثقافة الوحدة الوطنية، اعتماد وتبني الكفاح الجماهيري، مهننة النضال السياسي من خلال التكاتف بين المستوى الأكاديمي والسياسي، وطرق أبواب المسار الدولي والمرافعة الدولية طوال الوقت.
مداخلات
وانتهت الندوة بمداخلات قدمها المشاركون في الحوار حيث أكدوا على الفرق في الصياغات ما بين الوثائق السابقة، من ضمنها وثيقة 6 حزيران والتقرير الذي تم عرضه، وأشاروا ايضًا إلى اسم التقرير الذي قد يوحي أن هنالك تهرب من التعريفات الرسمية التي اعتمدناها في الـ 48، كما تطرق الحضور إلى السؤال عن حاجة التقرير وعن مدى مصداقيته في الوضع الذي تعاني منه الأقلية الفلسطينية من تشرذم وتفرقة، مؤكدين أن فلسطيني الـ 48 ينشطون في أطر سياسية مختلفة وكل إطار له قراءاته الخاصة بالنسبة للصراع.
ومن بين الحضور شدد القيادي عصام مخول على أن التقرير منتوج خطير كونه لا يشخص واقعًا إنما يخلق واقعًا جديدًا ويتحول إلى مطب استراتيجي، سواءً من خلال تضليله لبعض الحقائق، مثل ما طرح في التقرير عن قضية التقسيم، أو تضييع النقاش على مسألة حل الدولة أو حل الدولتين، مشددًا على أنه واضافة إلى ذلك لا يثق بجزء من كاتبي المشروع.
بدوره رد بروفسور جمّال على ملاحظات الجمهور مؤكدًا أن هدف التقرير الاستراتيجي ليس تقديس النص وانما طرح نوعية عمل ونمط من التفكير يأخذ بعين الاعتبار دينامكيات الواقع والتطورات الحاصلة عليه ومصالح اللاعبين الاساسيين فيه من اجل استشراف المستقبل وطرح لبدائل امام القيادات للتحضر للتعامل مع الامكانيات المستقبلية وتجهيز الموارد اللازمة لذلك. كما وضح ان هدف الندوة هي جمع الملاحظات على التقرير وسماع رأي الجمهور من باب العمل على تعديله.
ونوه جمّال أن التقارير الاستراتيجية تهدف الى استشراف المستقبل وليس طرح الالتزامات الايدولوجية وذلك من أجل التخطيط المستقبلي وتحميل القيادات المسؤولية عما يحدث في المجتمع وذلك من اجل منع القيادات من التستّر وراء عدم المعرفة والحد من المفاجئات المستقبلية عند عامة الجمهور.
وفسّر بروفسور جمّال ان من خصائص التقارير الاستراتيجية هو عدم التناسق الداخلي لانها تهدف الى طرح سيناريوهات مختلفة من الممكن ان تكون بينها تناقضات اساسية ولهذا فأن قراءة التقرير وكأنه مانفيستو ايديولوجي هي قراءة خاطئة لا توفي التقرير حقه وتحمّل كاتبيه مسؤولية تتجاوز وظيفتهم الاساسية كأكادميين ومثقفين يرون بأن دورهم الاساسي هو التوعية والترشيد الفكري والاستراتيجي.
[email protected]
أضف تعليق