يشهد المجتمع العربي مؤخرا حملة مسعورة وغير مسبوقة متمثلة بإصدار وتنفيذ أوامر هدم بشكل مكثف وموجه ضد ما يطلق عليه أو ما يعرف إسرائيليا "البناء غير قانوني".
وتتم هذه الحملة بقيادة ورعاية مباشرة من حكومة نتنياهو والتي وضعت نصب أعينها منذ فترة ومن خلال تصريحات قاداتها المتكررة بتطبيق قانون التخطيط والبناء ضد مباني غير مرخصة في البلدان العربية بغية إرضاء جمهور اليمين المتطرف وخاصة مع تنفيذ قرار الهدم المتعلق بمستوطنة "عامونة" قبل حوالي أسبوع، حيث ربطت الحكومة بشكل سافر بين قضية البناء غير المرخص في البلدان العربية والذي يتم على أراضٍ عربية (بملكيّة) خاصة مع مسألة المستوطنات المقامة عنوة على أراضٍ فلسطينية خاصة بفعل السرقة والنهب المدعومين فعليا ورسميا من مؤسسات الدولة وأذرعها.
وفي هذا الصدد نذكر هدم البيوت في قرية أم الحيران والذي تسبب بمقتل المربي يعقوب أبو القيعان بدم بارد عن طريق الشرطة دون أن يتم تشكيل لجنة تقوم بفحص ملابسات عملية القتل وتحديد الجناة لمعاقبتهم، هذا بالإضافة لمجزرة الهدم التي تمت بحق 9 مبان في قرية قلنسوة في المثلث الجنوبي وترك أصحابها دون مأوى. هذا بالإضافة إلى النشر قبل أيام عن أوامر الهدم الجديدة التي طالت 4 منازل في قريتي المشيرفة وعارفة في المثلّث.
وحول هذه القضية ولتوضيحها، والتوسع في حيثياتها والحديث عن أوامر الهدم الإدارية التقينا مع المحامي علاء محاجنة وهو محام يعمل منذ سنوات في مدينة القدس وهو متخصص في قضايا الأرض والمسكن.
المحامي علاء محاجنة: إسرائيل تعتمد على نفس المسوغات القانونية بغية هدم البيوت سواء في الداخل الفلسطيني او في القدس
وردًا على سؤالنا، حول توضيح اذا كان هناك أي وجه اختلاف من حيث القانون النافذ والذي تطبقه إسرائيل بغية إصدار اوامر الهدم في مدينة القدس وبين البلدات العربية في الداخل؟ هل التعامل القانوني مع قضايا الهدم يتشابه بين القدس وبين مناطق الـ 48؟
قال المحامي علاء محاجنة: " القانون النافذ في القدس والنقب والمثلث والجليل وجميع مناطق الـ 48 هو قانون البناء والتخطيط الإسرائيلي منذ عام 1965. وفق هذا القانون تصدر السلطات الإسرائيلية أوامر الهدم وتقوم بتنفيذها. من وجهة النظر القانونية الإسرائيلية فإنه بعد عام 1967 تم ضم شرقي القدس لحدود إسرائيل وتمت إحالة القانون الإسرائيلي عليها وعلى راسها قانون التخطيط والبناء الإسرائيلي وسائر القوانين الأخرى. بالتالي، لا يوجد أي فرق من الناحية القانونية بين هذه المناطق بخصوص القانون الذي يطبق ويعمل وفقه، والسوابق القانونية هي واحدة. إسرائيل تعتمد في جميع هذه المناطق على نفس المسوغات القانونية بغية هدم البيوت الفلسطينية في القدس والنقب والمثلث والجليل، لذلك إن التعامل القانوني هو واحد بجوهره".
وتابع المحامي محاجنة: "طبعا من وجهة نظر القانون الدولي فهو لا يعترف بضم القدس لإسرائيل لأن عملية الضم هذه وإحالة القانون الإسرائيلي على شرقي القدس هو أمر غير قانوني ويتعارض مع القانون الدولي والمواثيق الدولية ومع قرارات مجلس الأمن التي تعنى بهذا الشأن. لكن للأسف القانون الدولي يقف عاجزا أمام الواقع التي تفرضه إسرائيل في القدس.
ما هي المسوغات القانونية الأساسية التي تعتمد عليها إسرائيل لإصدار أوامر الهدم في البلدات العربية؟
تعتمد إسرائيل في الأساس على قانون التخطيط والبناء حيث يشترط هذا القانون استصدار رخصة بناء عن طريق اللجنة المحلية للتخطيط والبناء قبل الشروع في عملية البناء. بالتالي فإن كل بناء بدون ترخيص يعرّف إسرائيليا على أنه "بناء غير قانوني" وهو عرضه لإصدار أوامر الهدم ضده وفق هذا القانون. في حال إصدار أمر هدم فإن هذا الأمر والصادر عن سلطة إسرائيلية يلزم صاحب الأرض أو مشيّد المبنى أو المقيم فيه بهدم هذا المبنى. في هذه الايام، يجري نقاش في الكنيست الإسرائيلي حول اقتراح تعديل لقانون التخطيط والبناء والذي تقف خلفه حكومة نتنياهو بادعاء تجديد القانون والذي يعود تاريخه لبدايات دولة إسرائيل. لكن فعليا وكل من هو مطلع على المقترح المطروح يدرك أن الهدف من وراء هذا التعديل هو "معالجة" قضية البناء غير المرخص في المجتمع العربي من خلال إعطاء صلاحية أكبر للحكومة لتنفيذ عمليات الهدم مع رقابة قانونية أقل. التعديل المطروح بجوهره يعكس سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية في التعامل مع هذه القضية وبالتالي تمت "هندسته" ليخدم هذا السياسة العدائية. في حال تمت المصادقة على المقترح لتعديل قانون التخطيط والبناء فإن وتيرة الهدم ستزداد بشكل حقيقي حتما.
أنواع أوامر الهدم وفق قانون التخطيط والبناء، ولماذا في حالات معيّنة يتمّ تنفيذ أوامر الهدم بشكل فوري وسريع؟
ويُشير المحامي علاء محاجنة في رده أن ثمة فئتان رئيسيتان لأوامر الهدم وفق قانون التخطيط والبناء: الأوامر الإدارية والأوامر القضائية.
الأمر الإداري هو الأخطر (بحسبه تم هدم البيوت في قلنسوة مؤخرا) وهو موجه بالأساس ضد مبان جديدة وغير مأهولة وهو موجه ضد المبنى نفسه. خطورة هذا الأمر تكمن بأنه يعطي صلاحية للسلطات المخولة بتنفيذ الهدم بنفسها بعد انقضاء 24 ساعة من موعد إلصاقه على المبنى المستهدف. عادة يتم التبليغ عن الامر الاداري عن طريق تعليقه على حائط خارجي للمبنى ومن لحظة تعليقه يبدأ عدّ المدّة الزمنيّة وهي 24 ساعة حتى تنفيذ الهدم بشكل فوري.
على خلاف ذلك، فإن الأمر القضائي هو أمر يصدر عن طريق تقديم لائحة اتهام ضد شخص محدد بحجة البناء غير المرخص حيث يتم تداول القضية من خلال جلسات وسماع شهود واثباتات كما بكل قضية جنائية أخرى. في هذه الحالة يكون الأمر موجها للشخص وليس للمبنى نفسه. رغم خطورته يعتبر أمر الهدم القضائي أقل خطورة من أمر الهدم الإداري لأنه لا يمكن تنفيذه بشكل فوري إلا بعد انتهاء المحاكمات وجميع الإجراءات القانونية المختلفة وتلقى عادة عملية الهدم على المتهم وليس على السلطات الأمر الذي يحد من خطر تنفيذ الهدم.
كيف يمكن مواجهة الأمر الاداري؟ وكيف يمكن أن نمنع تنفيذه؟
التحرك السريع بعد الصاق الأمر على المبنى هو أمر ضروري. يتوجّب على مالك المبنى أو المقيم في المبنى أو أي طرف آخر يمكن أن تتضرر مصالحه نتيجة لتنفيذ أمر الهدم تقديم طلب أمام محكمة الشؤون البلديّة لإلغاء الأمر وتجميد تنفيذه وذلك خلال فترة 24 ساعة. مع تقديم الطلب للمحكمة يُنصح أيضًا بـِ: (1) تقديم طلب لتأجيل تنفيذ الهدم إلى حين صدور قرار نهائي عن المحكمة (مهمة المحامي المكلّف). (2) تقديم طلب للحصول على رخصة بناء إذا كان الأمر ممكنًا (مهمة صاحب البيت). (3) الشروع في إجراءات التخطيط اللازمة (مهمة السلطة المحلية بالأساس).
رفض طلب ابطال الهدم، والإجراءات القانونية
وأشار المحامي محاجنة: "في حال رفض طلب إبطال أمر الهدم الإداري فذلك ليس نهاية المطاف حيث يمكن الاستئناف على قرار محكمة الشؤون البلديّة بخصوص طلب إلغاء أمر الهدم وذلك بتقديم استئناف أمام المحكمة المركزيّة وإذا رفض الاستئناف بالإمكان تقديم إذن استئناف أمام المحكمة العُليا في القدس".
وفيما يتعلق بالإجراءات القانونية في مواجهة الأمر الإداري وإن كانت محدودة نسبيا هي مهمة جدا من حيث عامل كسب الوقت لوقف خطر تنفيذ الهدم الفوري من جهة، وتوفر لصاحب المبنى (بالتعاون مع السلطة المحلية) إمكانية التسريع بإجراءات الترخيص المتاحة بهدف الضغط لتحويل الأمر الإداري لأمر قضائي-لائحة اتهام".
لا يمكن التطرق لموضوع الهدم دون الحديث عن موضوع التخطيط والمصادقة على الخرائط الهيكلية ومخططات توسعيّة للبلدان العربية.
المحامي محاجنة: "صحيح جدا. لا يمكن الفصل بين الموضوعين. حكومة إسرائيل وقادتها تدعي دائما أن عمليات الهدم تستهدف جميع المباني التي تم بناءها بدون ترخيص (غير قانونية وفق الادعاء) وبالتالي يدعون أيضا وجود عدم تمييز بهذا الخصوص بين العرب واليهود. طبعا هذه الادعاءات مغلوطة من اساسها وذلك لوجود قصور بنوي مصدره الحكومات الإسرائيلية والمتمثل بالأساس بعدم المصادقة على مخططات هيكلية ولا مخططات توسعيّة للبلدان العربية. في معظم هذه البلدان الترخيص يتم وفق مخططات قديمة جدا لم تعد تلائم احتياجات التوسع الأساسية للسكان. بالتالي فإن البناء دون ترخيص ليس اختياريا انما يفرض علينا من قبل الوزارات المختصة بهدف تضييق الحيز على المواطنين العرب وخنق امكانيات التوسع. الحكومة هي مصدر المشكلة وبالتالي لا تستطيع القاء اللوم على المواطن الذي همّه الوحيد في نهاية المطاف أن يجد له مسكنًا على أرضه. اذا كان لا بد من المحاسبة جراء الوضع الحاصل والمتمثل بوجود ما لا يقل عن 50 الف بيت بدون ترخيص فالمسؤول الأول والأخير عن هذا الوضع هي الحكومة وليس أصحاب هذه البيوت. تعامل الدولة بهذه القضية يكشف تماما توجهها العنصري والمجحف ضد أبناء هذه الأرض وأصحابها".
المقارنة بين مستوطنة عامونة والهدم في البلدات العربية..
واعترض المحامي علاء محاجنة فيما يتعلق بالمقارنة بين الهدم في البلدان العربية وبين الهدم في مستوطنة عامونة، قائلاً: "انا اعترض بشدة على كل محاولة لإيجاد تشابه أو أي وجه مقارنة بين الحالات المذكورة. عامونة هي مستوطنة غير قانونية أقيمت على أراضٍ فلسطينية بعد أن تمت السيطرة عليها وسرقتها من أصحابها الفلسطينيين وبالتالي وحتى وفق القانون الإسرائيلي ذاته فهي غير قانونية (طبعا موقف القانون الدولي ينصّ على جميع المستوطنات، يشمل عامونة وغيرها، هي غير قانونية ويجب اخلاءها). بخلاف ذلك، الهدم في النقب والمثلث والجليل يحدث ضد مبانٍ فلسطينية مقامة على أراضٍ (او ما تبقى منها بعد النكبة) فلسطينية خاصة. كما ذكرت سابقا، المسؤولية تجاه عدم وجود ترخيص للبناء ملقاة كاملة على الحكومات المتعاقبة وليس على أصحاب هذه البيوت. لا شكّ أيضًا أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لإرضاء الرأي العام اليميني المتعطّش لإجحاف أكثر ضدّ العرب، وهدم البيوت الفلسطينيّة في الداخل يساهم في ذلك.
[email protected]
أضف تعليق